[حصريّ للغايَة] منهجيات اللغة العربية للسنة الثانية باكالوريا آداب وعلوم إنسانية


منهجيات اللغة العربية للسنة الثانية باكالوريا آداب وعلوم إنسانية

 

منهجيات اللغة العربية للسنة الثانية باكالوريا آداب وعلوم إنسانية

تقدّم لكم مدونة منهجيّتي دروساً حصريّة : منهجية القولة، منهجية تحليل سؤال فلسفي، منهجية تحليل نص فلسفي، منهجية تحليل قولة فلسفية، منهجية القصّة، منهجيّة تحليل نصّ نظريّ، منهجيّة النصّ النظري، منهجية المنهج البنيوي، منهجية المنهج الاجتماعي، قيمة مؤلف ظاهرة الشعر الحديث، القوى الفاعلة في رواية اللص والكلاب، منهجية تحليل نص نظري سؤال الذات، منهجية نص نظري، منهجية تحليل نص نظري القصة، منهجية القصة القصيرة، منهجيات الفلسفة، منهجيات اللغة العربية، منهجيات فلسفية، منهجيات فلسفية جاهزة، الامتحان الوطني، الامتحان الجهوي، الامتحانات الوطنية، الامتحانات الجهوية، تحليل سؤال فلسفي، تحليل نص فلسفي، منهجيات اللغة العربية الثانية باك علوم إنسانية، منهجيات، منهجية العربية باك، منهجية العربية ثانية باك، المؤلفات ظاهرة الشعر الحديث، المؤلفات اللص والكلاب، المؤلفات أولى باك آداب، رواية اللص والكلاب، منهجية العربية آداب، منهجية العربية باكالوريا آداب، منهجية العربية أولى باك، منهجية العربية الثانية باك، منهجية العربية بكالوريا آداب، منهجية المسرحية، منهجية تحليل مقالة أدبيّة، منهجيّة تحليل نصّ شعري، منهجيّات نموذجيّة، المؤلفات الثانية باك علوم إنسانية، المؤلفات المقررة في الثانوي التأهيلي، منهجيات اللغة العربية، عربية، رواية، قصة، شعر، مسرحية، قصيدة، اللغة العربية، كتابة، تعليم، إنشاء، قصص، كتب، دروس اللغة العربية، فروض اللغة العربية، الثانية باك آداب وعلوم إنسانية، باك حر، باك حر آداب، باك حر علوم إنسانية، باك حر مسلك اللغة العربية، مقاربات منهجية، نصوص قرائية، نص نظري، منهجية تحليل النص النظري، تحليل نص تطبيقي، البعث والإحياء، الكلاسيكية، المدرسة التقليدية، إحياء النموذج، سؤال الذات، الرومانسية، تكسير البنية، تجديد الرؤيا، التجربة الجديدة، الكتابة الجديدة، الشعر الحديث، الحداثة، النثر العربي الحديث، منهجية القصة، الأقصوصة، منهجية المسرحية، المسرح، مناهج نقدية حديثة، المنهج الاجتماعي، المنهج البنيوي، مقالة أدبية، مقالة نقدية، المتن الحكائي اللص والكلاب، القوى الفاعلة، تعرف الأسلوب، المنهجية المعتمدة، القراءة التركيبية.




المجزوءة الأولى
الشعر العربي الحديث : من إحياء النموذج إلى سؤال الذات



أ. إحياء النموذج


عرف الشعر العربي فترة طويلة من الركود والجمود والضعف، ابتدأت من سقوط بغداد على يد المغول سنة 656 ه، واستمرت إلى تاريخ حملة نابليون على مصر سنة 1798 م، وقد ميز المؤرخون هذه الفترة بمصطلح خاص هو "عصر الانحطاط". وطوال هذه الفترة لم يستطع الشعر العربي مواكبة مستواه الفني في عصور الازدهار، بل إنه لم يستطع حتى المحافظة على هذا المستوى، فكانت النتيجة السيئة هي ظهور مجموعة من سمات التراجع والتخلف والإسفاف، نحددها فيما يلي :

• التقليد الضعيف للقدامى؛
• استعمال اللغة الوسطى : وهي لغة تلتقط التعابير "الدارجة - المستعملة"، وتخضعها لقواعد اللغة الفصيحة؛
• الإفراط في الصنعة والتكلف : أي الإسراف في استعمال المحسنات البديعية والزخارف اللفظية.

أمام هذا الوضع المتردي للشعر العربي في هذه الفترة كان لا بد من التفكير في بعثه وإحيائه والارتقاء به إلى مستواه الفني في عصور الازدهار الممثلة في بعض النماذج من الشعر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي، فكانت النتيجة هي دخول هذا الشعر أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مرحلة جديدة قامت على بعث وإحياء الشعر القديم، معتمدة على الأسس التالية :

• استلهام التقاليد الفنية للقصيدة العربية التقليدية من حيث : البناء، واللغة، والأغراض، والمعاني، والإيقاع، والصورة الفنية.
• بعث القيم العربية القديمة التي تحدد نظرة الشاعر إلى الطبيعة والوجود والحياة والإنسان.
• العمل على تطويع النموذج التقليدي ليستجيب لروح العصر، حيث عبر الشعراء الإحيائيون عن قضايا عصرهم كالقضايا الوطنية، والتاريخية، والاجتماعية، والعلمية....

والمتتبع لحركة البعث والإحياء يجد أنها كانت حركة شاملة عمت مختلف الأقطار العربية، بحيث مثلها في مصر مجموعة من الشعراء أبرزهم : البارودي، وشوقي وحافظ. ومثلها في العراق : معروف الرصافي، ومحمد مهدي الجواهري. أما في المغرب فقد مثل هذه الحركة عدد كبير من الشعراء أبرزهم : محمد غريط، ومحمد بوجندار، ومحمد السليماني، ومحمد الحلوي، وعلال الفاسي...


اِقرأ أيضاً : نماذج تطبيقيّة 


منهجيّة تحليل نصّ نظري: المدرسة التقليديّة | عمر الدسوقي 

منهجيّة تحليل مقالة أدبيّة/ نصٍّ نظريّ: الامتحان الوطني الموحّد للبكالوريا، مادة اللغة العربيّة، مسلك العلوم الإنسانيّة، الدورة الاستدراكية 2011

منهجيّة تحليل نصّ شعري/ البعث والإحياء: قصيدة "نهج البردة"، أحمد شوقي

منهجيّة تحليل نصّ شعري ينتمي لحركةِ إحياءِ النّموذج: رثاء محمود سامي البارودي باشا

منهجيّة تحليل قصيدة من شعر إحياء النّموذج
القصيدة. (مأخوذة من امتحان 2018، الدّورة الاستدراكية، مسلك العلوم الإنسانية)


ب. سؤال الذات


برز سؤال الذات في الشعر العربي الحديث، انطلاقاً من سعي بعض الشعراء إلى تجاوز التقاليد الشعرية التي رسختها التقليدية، بقيادة البارودي وشوقي وأتباعهما؛ فقد لاحظ هؤلاء الشعراء أن الشعر الحق لا يمكن أن يكون محصوراً في تقليد الشعر القديم.
وساهمت مجموعة من العوامل في تبلور هذه التجربة الشعرية الجديدة الداعية إلى جعل الذات مصدر الإبداع وبؤرته، أهمها: التأثر بأعلام الرومانسية الغربية أمثال: لامارتين، وهيجو، وفينيي، وألفريد دي موسيه، وكولريدج... وترجمة بعض نصوصهم الأدبية، والبحث عن عالم مثالي بديل، للتخلص من الواقع العربي المتردي الذي كان يسوده الفقر والجهل والتخلف...
وقد مثل هذا التوجه الشعري المتمحور حول الذات جملة من الشعراء والأدباء الذين انتظموا في جماعات أدبية، أهمها :

• جماعة المهجر : ومثلها مجموعة الأدباء اللبنانيين الذين سافروا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى أمريكا الشمالية، وكونوا ما سمي ب"الرابطة القلمية"، ومن أبرز شعرائها : جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، وندرة حداد.
• جماعة الديوان : تكونت في مصر، وانتقدت بشدة المذهب الكلاسيكي الذي مثله شوقي وحافظ وأتباعهما، وأقطابها ثلاثة هم : عباس محمود العقاد، وعبدالرحمن شكري، وإبراهيم عبد القادر المازني.
• جماعة أبولو : وقد أنشأت هذه الجماعة مجلة خاصة بها هي "مجلة أبولو"، جعلت منها منبراً للتعبير عن آرائها التجديدية في الأدب وتحديد ماهيته، وأهم شعرائها : أحمد زكي أبو شادي، وعلي محمود طه، وإبراهيم ناجي.

وقد وجد هذا التيار الشعري الجديد ممثلين له في المغرب العربي، فمثله في تونس شعراء أبرزهم : أبو القاسم الشابي، ومحمد الحليوي. أما في المغرب، فقد تعددت أقلام الشعراء الذين تبنوا هذا التيار الذاتي الرومانسي، حيث يمكن أن نذكر في هذا الصدد أسماء بارزة مثل : عبد المجيد بن جلون، وعبد القادر حسن، وعبد الكريم بن ثابت، ومصطفى المعداوي... إلخ.

ويمكن تلخيص أهم المبادئ والأسس التي قام عليها التجديد في الشعر الذاتي الرومانسي فيما يلي :

١. الثورة على المضامين الشعرية التقليدية، وعلى الصياغة اللغوية والبلاغية، للشعر القديم.
٢. تحديد ماهية الأدب في التعبير عن الذات وانفعالاتها وتأملاتها.
٣. اتخاذ الطبيعة أو الغاب عالماً مثاليا، يتماهى معه الشاعر، ويجعل منه عالماً بديلاً للواقع.
٤. النظرة إلى الأدب نظرة شمولية، باعتباره معبّراً عن الحياة في كليتها، وعن القيم الإنسانية العليا، الكامنة في أعماق النفس البشرية.
٥. جعل الخيال العامل الأوّل للخلق الفني، والأداة التي تُساعد الشاعر لكي يتسامى على واقعه.


اِقرأ أيضاً : نماذج تطبيقيّة 



المجزوءة الثانية الشعر العربي الحديث : تكسير البنية وتجديد الرؤيا



أ. تكسير البنية


لا يحتاج الباحث أو المهتم بالشعر العربي الحديث، والمتابع لمسيرة تطوراته وتحولاته المتسارعة كبير عناء لأن يسجل عند تصفحه بعضاً من نصوصه وتجاربه وأصواته الإبداعية عددا من الإبدالات التي لحقت بنياته ومستويات تشكله اللغوي والفني بابتعاده المتزايد عن التبعية والتقليد للنماذج المتوارثة، وخضوعه لمغامرة التميز والفرادة والحداثة والتجريب الدائمة والمستمرة ليحقق للقصيدة الشعرية (الحديثة) استقلالها وانزياحها الكلي المتجدد من حيث : الإيقاع، والتركيب، والصورة، والدلالة... إلخ... قصد إخصاب وتعميق مستويات التشكيل والإبداع والتجاوز التي تتطلع إلى تحقيقها، وكذلك تكسير وهدم الجاهز والمتكرر، والحرص الشديد على تفجير الطاقة الرمزية والإيحائية للغة والتراث...

١. البنية الإيقاعية : عرفت القصيدة العربية الحديثة تحولات موسيقية وإيقاعية كبيرة مع حركة الشعر الحر التي دشنت شعرية حديثة تعمد في كثير من منجزها الإبداعي، إلى تكسير "عمود الشعر" القديم، وفي مقدمته العروض الخليلي معلنة بذلك الثورة الإيقاعية بكلّ أبعادها وتطلعاتها وطموحاتها الفنية والجمالية والتعبيرية، على كل قديم...

٢. البنية التركيبية : عمدت القصيدة العربية الحديثة إلى تكسير بنية نظيرتها التقليدية مرتكزة في ذلك على "الانزياح" بمفهومه الواسع والشامل، كما حرصت كذلك على الاستعمال الجمالي والرمزي للغة، وخرق مألوف العادات التعبيرية والمعرفية للمتلقي، ومن ثمة اعتمدت القصيدة الحديثة لغة مبتكرة غير مألوفة في تركيبها، وغير منطقية تصدم القارئ العادي، أما علاقة الدال بالمدلول فغير اعتباطية بالضرورة (شأن اللغة العادية) أخذا بعين الاعتبار تفاعل العلاقات، ومستوى رمزيتها بين مختلف البنيات الشعرية : الصوتية، والإيقاعية، والدلالية.

٣. البنية الدلالية : لا تتشكل البنية الدلالية للقصيدة الحديثة إلاّ بتضافرها وتعاضدها مع غيرها من البنيات والتشكلات الأخرى : المعجمية، والتركيبية، والبلاغية، والتناصية... إلخ... كما أن اطلاع الشاعر العربي الحديث على كثير من فنون وثقافات وعلوم عصره (علوم الاجتماع، والنفس، والتاريخ، والأسطورة...إلخ)، وتعرفه ما يضج به محيطه من أفكار وتصورات وصراعات (دينية، وسياسية، وفكرية...إلخ)... قاده إلى تشكيل العديد من الموضوعات والمعاني والمواقف والرؤى المختلفة (الحضارية، والإنسانية، والفلسفية...إلخ). ومكنه من استيحاء عدد من المقومات والصيغ الجمالية والتعبيرية (المسرح، التشكيل، الموسيقى، السينما...إلخ). واعتمادها كليا أو جزئيا، على نحو رمزي وفني خاص، أداة للتعبير عن اهتماماته وانشغالاته الشعرية الخاصة.




ب. تجديد الرؤيا


تقتضي طبيعة العمل الأدبي الراقي أن يقدم نظرة شاملة ومستقبلية للحياة، وأن يستوعب كل اختلافاتها وتناقضاتها، كما يتعمق في بواطنها وخفاياها... غير مكتف في ذلك بما هو واقع وقائم فقط، بل متطلعا أيضاً إلى ما هو ممكن ومتجاوز لحدود الزمان والمكان. ومن ثمة تصهر الرؤيا الشعرية في بوتقتها خصوصيات الذات الفردية والجماعية وتجعل منها ذاتاً واحدة وكياناً عضويا مندمجا بعضه في بعض.
عموماً، يمكن القول إنّ الرؤيا الشاملة منبعها وعي نافذ وأفق رحب للنظر صوب الآتي والممكن، أي استشراف للمستقبل وفق تصور مثالي ومتفتح على الرؤى والتوجهات مهما بدت مختلفة أو متناقضة، أو غطاها صدأ العادة ومألوف التقادم وكسل التقليد والاجترار والاتباع...
انطلاقاً مما سبق فإن الرؤيا لا تتحقق إلا في إطار شروط، أولها : العمل الدؤوب والبحث المحموم عن الحقيقة في أعماق الظواهر. ولذلك فإننا نعثر عليها في الأعمال الإبداعية العظيمة. أما ماعدا ذلك فإننا نجد آراء وأفكارا تدخل في الإنتاجات العادية والمتداولة.
"إن المبدع الأصيل لا يقدم أفكاراً، وإنما يقدم رؤيا" (أحمد الطريسي أعراب). هكذا كان هم الشاعر العربي الحديث، البحث في محددات الذات وتدبر خصوصياتها المختلفة، ومحاولته تأكيد هويتها الحضارية والإنسانية، فكان انفتاحه على الأساطير والرموز، وتعرفه أعمال وتجارب غيره من الشعراء الغربيين الحداثيين، وتفاعله مع مختلف الثقافات المعاصرة بأبعادها وقيمها الإنسانية والكونية. أما التراث (العربي، الإسلامي...) فكان بدوره مصدراً من مصادره الجمالية والتعبيرية بحيث حرص على أن يستوحي من دلالاته وأبعاده ما يوافق متطلبات تجربته الإبداعية الخاصة، ويناسب مقتضياتها الفكرية والفنية. ويمكن إجمال هذه العوامل والدوافع المختلفة التي ساهمت في تشكيل الشعر الرؤيوي، وتجدد رؤيا الشاعر العربي الحديث فيما يلي :

١. الظروف السياسية التي سادت البلاد العربية، بدءاً من نكبة فلسطين 1948 م، وما تلاها من وقائع وأحداث، وخصوصاً منها ما يرتبط بالسيطرة الاستعمارية الغربية، وما طرحته من مشكلات وقضايا وأسئلة.

٢. الظروف الاجتماعية المتمثلة في بعض الظواهر والاضطرابات المتعلقة بالتخلف والفقر والجهل، والاختلالات بين بعض الفئات والتشكيلات الاجتماعية...

٣. الانفتاح على الفلسفات والنظريات والقيم الإنسانية والكونية، ومحاورتها والتفاعل معها، وخصوصاً منها التي تتعلق بشؤون الهوية الحضارية والثقافية لأبناء الأقطار العربية، أو التي تُدافع عن انشغالاتهم وقضاياهم الخاصة في معترك الصراعات الإيديولوجية والفكرية والأدبية المختلفة...

ومن ثمة كان لزاماً على الشاعر العربي الحديث أن يعمل على تشكيل رؤياه الخاصة، ويبادر إلى تجديدها وتجددها في ضوء هذه المستجدات التي تقدم ذكرها من قبل، أخذا بعين الاعتبار أنه في بوتقة هذه "الرؤيا" ذاتها تتوحد كل جهوده ومساعيه حيث يلتقي الحاضر بالماضي والمستقبل، ويندغم ما هو ذاتي بما هو جماعي، ويحاور الواقع خصوصيات العمل الفني ومقوماته الجمالية والتعبيرية المختلفة، كما يتوحد عمل الباصرة (العين) وإدراكاتها الحسية المتشكلة لغويا بفعل البصيرة (القلب) والمخيلة وتداعياتها واستيهاماتهما الحلمية...

ومن هنا بادر الشاعر المجدد إلى تحطيم أبنية الزمان والمكان في قصيدته واعتمد السرد والتفاصيل، وأسطرة العناصر، ومال إلى الرموز والأقنعة، والارتكاز على الخلفيات والمنطلقات الإيديولوجية الواضحة أو المضمرة والمبطنة في تجربته الشعورية... وغيرها من محدّدات هذه الرؤيا وخصائصها الفنية المتعددة.




المجزوءة الثالثة
أشكال نثرية حديثة


أ. القصة


لم يكن النثر العربي الحديث على اختلاف أشكاله الفنية والأدبية وتعددها بمعزل عما لحق المشهد الثقافي والاجتماعي من تحولات مختلفة. فقد لعبت مجموعة من الدوافع والعوامل دوراً أساسيا في هذا التطور، وشجعت على الخروج بالكتابة العربية من طور الاتباع والجمود والتقليد إلى آفاق أكثر رحابة واتساعاً، والدفع بها نحو الإبداع والتجدد. ويمكن إجمال ذلك فيما يلي :

أ. التحولات الاجتماعية : لقد عرفت الأقطار العربية بعد الاستقلال مجموعة من التحولات الاجتماعية نتيجة انكباب أبنائها على إرساء هياكل الدولة، وتشكيل بنياتها، ومؤسساتها، في مجالات عدة؛ كالتعليم، والاقتصاد، والخدمات... إلخ، مما ساعد على نشأة فئات اجتماعية صغيرة ومتوسطة تعنى بالعمل الثقافي، وتسعى إلى النهوض به باعتباره وسيلة لتطوير الشعوب والمجتمعات الإنسانية، ومنبراً لإبلاغ رسالتها ومواقفها وقيمها...

ب. التحولات الثقافية : ساعدت الفئات المتعلمة وتصاعد أعداد المثقفين والمتنورين من أبناء الأقطار العربية المستقلة على تشجيع المدارس والجامعات، كما ساهمت أنشطتها وبرامجها من خلال جمعيات ونواد ودور الشباب... إلخ، في النهوض بالعمل الثقافي وصقل المواهب الجديدة، وتيسير سبل تداول الكتاب وقراءته. ومن ثمة وجدت الكتابة العربية، وفي مقدمتها الأشكال النثرية الحديثة : المقالة، والمسرحية، والقصة القصيرة، والرواية... المناخ المناسب والتربة الخصبة للانطلاق والتطور والتجديد، فتزايد عدد المقبلين عليها من القراء والمتلقين.

ج. الحوار الثقافي مع الغرب : تعددت مظاهر هذا الحوار، كما تنوعت أشكاله وطرائقه في التأثير : فكانت البعثات الطلابية، وحركة التعريب والترجمة... وقد حظي الفن القصصي، وخصوصاً أعمال بعض كبار كتابه ومبدعيه في الغرب بالكثير من العناية والاهتمام من قبل القراء والمثقفين العرب : متابعة، وقراءة، وترجمة، ونقداً... من خلال أعمال المنفلوطي، وبطرس البستاني، وأديب إسحق... وغيرهم من الأدباء اللبنانيين والسوريين والمصريين...

د. نشأة الصحافة وتطورها : كان للصحافة وظهورها وتطورها في الأقطار العربية الحديثة بالغ التأثير في التواصل مع عموم القراء، والخوض في كل ما يثير اهتمامهم ويشغل بالهم من قضايا متنوعة في مجالات : الفكر، والسياسة، والاجتماع... ومن ثمة وجد الفن القصصي طريقه إلى القارئ عبر صفحات الصحيفة والمجلة، وحظي بتداول وانتشار واسعين.

ويثير الفن القصصي من حيث نشأته وبدايات ظهوره في الثقافة العربية ردوداً وإجابات متباينة، بعضها يستحضر التراث والذاكرة بالعودة إلى بعض الأعمال القصصية التي تحفل بكثير من مقومات الكتابة السردية وأدواتها التعبيرية، ككتب الطبقات والسير، والمقامات، وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة... أما البعض الآخر فيحصر ظهور الفن القصصي في العصر الحاضر مركّزاً على شروط الواقع وحيثياته السوسيوثقافية المختلفة.

وبخصوص القصة المغربية الحديثة فإنّ بداياتها ترجع إلى أربعينيات القرن العشرين، حيث عنيت، في هذه الفترة من تاريخ المغرب، بقضايا التحرر والاستقلال، ومقاومة المستعمر الأجنبي، كما هو الحال في الأعمال القصصية لمحمد القري، وعبد المجيد بن جلون... لكنها اتخذت بعد الاستقلال وعلى امتداد عقدي الستينيات والسبعينيات منحى واقعيا دعا إلى الاهتمام بقضايا الصراع الاجتماعي، وهموم الإنسان المغربي البسيط، كما هو الشأن في أعمال كل من : محمد زفزاف، ومحمد برادة، ومبارك ربيع... وغيرهم. قبل أن تنزع إلى التجريب والاهتمام بقضايا جمالية وفكرية وتعبيرية كما هو الحال في أعمال : أحمد بوزفور، ومحمد عز الدين التازي... وغيرهم.



ب. المسرحية



يعتبر المسرح "أباً" للفنون جميعها لتاريخه الطويل الممتد في القدم : (الفراعنة، الإغريق، الرومان...)، وقدرته على المؤالفة بين عناصر فنية متعددة : (سمعية، وبصرية...). فالتعريف الشكلي للعمل المسرحي يقتضي الإشارة إلى كونه فنا يشمل العناصر التالية : الإخراج، والديكور، والنص، والممثل، والركح المسرحي... والمسرح مهما تعدّدت أدواته وتنوعت أشكاله وصيغه يظل فنا مرتبطاً بالحياة، لخاصيته الدرامية وقدرته على خلق ذلك التفاعل الحي والمباشر بين الممثل (المُلقي) وجمهوره (المتلقي).

وإذا كانت المسرحية تشارك القصة عدداً من الخاصيات الفنية والتعبيرية الأساسية، كالارتكاز على الحدث، واعتماد الفكرة، أو عرض الموقف والتعبير عنه من خلال الدور الذي تقدمه الشخصية... فإنّ المسرحية - على تعدد أشكالها وصيغها واتجاهاتها الفنية - تنفرد بطريقتها وكيفيتها الخاصة في توظيف كل هذه الأدوات والمقومات الجمالية والتعبيرية... وفي مقدمتها : الصراع، والحوار، والحدث....إلخ.

١. الصراع الدرامي : إذا كانت "الدراما" - في الأصل - تعني الصراع الداخلي، فإن نعت الصراع بكونه دراميا يؤكد الأهمية البالغة لهذا العنصر في الفن المسرحي، ومن ثمة يمكن القول إنّ طبيعة هذا الصراع هي ما يحدد نمطه واتجاهه الفني، ففي المسرح الكلاسيكي كان الصراع قائماً حول الأخلاق والقيم الإنسانية من جهة، والعواطف البشرية من جهة أخرى، عكس ما هو عليه الحال في المسرح الرومانسي الذي يمجد الوجدان والعاطفة، أما المسرح الاجتماعي الذي يحرص على تقديم نماذج بشرية من الواقع أو المجتمع فقد عمل على التقاط مختلف الدوافع والعوامل التي تقف من وراء الصراع بين قوى الخير والشر، وتتبع نوازع التنافس المختلفة حول أسباب القوة والنفوذ : الفقر، والحسد، والانتقام... إلخ.

٢. الحوار المسرحي : الكتابة المسرحية حوارية بامتياز شديد، فمن خلال الحوار تتواصل الشخصيات وتعبر عن مواقفها وانفعالاتها المختلفة، كما توجه خطابها إلى الجمهور (المتلقي)، أما الكاتب فلا حق له في التدخل إلا من خلال ما يُضمّنُه في هذه الحوارات من رؤى ومواقف.

٣. الحدث : تحتفي المسرحية شأن القصة والرواية... وغيرها من فنون السرد بالأحداث وطريقة عرضها وتقديمها، غير أنّ الفن المسرحي ينفرد بتشخيصها على نحو مباشر من خلال الممثلين وحركاتهم وإشاراتهم من فوق الركح المسرحي.


وإذا كانت الشعوب العربية لم تعرف المسرح إلاّ حديثاً، فهذا لا يمنع من وجود بعض الظواهر ما قبل المسرحية : (كالخطيب، والشاعر، وأصحاب الحكايات والسير والمغازي، والمضحكين...). غير أنّه خلال النصف الثاني من القرن 19، اطلع بعض النابهين من أبناء الأمة العربية على بعص الأعمال المسرحية الأوروبية فعمدوا إلى ترجمتها إلى اللغة العربية، وعرضها للجمهور كما هو الحال بالنسبة للبناني مارون النقاش الذي ترجم مسرحية "البخيل" لموليير، ثم تلاحقت من بعده محاولات وأعمال فنية أخرى لجورج أبيض، ويعقوب صنوع، ومحمد عثمان جلال... وغيرهم. ويعد توفيق الحكيم، ومن جايله من المسرحيين الرواد، الدعامات الأساسية في صرح الفن المسرحي العربي الحديث، أما في المغرب، وإذا ما استثنينا - حسب د. حسن المنيعي - بعض القوالب "ما قبل المسرحية" التي عرفها عبر مراحل تاريخية، والتي تتجلى في "البساط" و"الحلقة" و"سيدي الكتفي"، وحفلات "سلطان الطلبة"، فإنّ المسرح بمفهومه الأوروبي لم يدمج في حياتنا الفنية إلا في بداية ثلاثينيات القرن الماضي. وقد اجتاز في هذه الفترة مرحلة صراع عنيف بين رواده وبين إدارة الاستعمار الأجنبي... وقد تزعم هذا الاتجاه مجموعة من الشباب الواعي أمثال محمد القري، وابن الشيخ، والمهدي المنيعي، والزغاري، وغيرهم....، غير أنه بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي تزايد عدد الفرق المسرحية : المسرح العمالي، المسرح الجامعي...إلخ، وتنوعت الأعمال الفنية بين الترجمة والتأليف والاقتباس، كما تعددت أسماء المؤلفين والممثلين أمثال : الطيب الصديقي، وأحمد الطيب العلج، وعبد الصمد دينية، ومحمد مسكين، والمسكيني الصغير، ومحمد الكغاط... وغيرهم.





المجزوءة الرابعة : مناهج نقدية حديثة


أ. المنهج الاجتماعي


يعتبر المنهج الاجتماعي من المناهج الأساسية في الدراسات الأدبية والنقدية، وقد انبثق هذا المنهج من صلب المنهج التاريخي، وتولد عنه، واستقى منه منطلقاته الأولى. ويمكن تحديد المنعطف نحو هذا المنهج بانتقال البحوث والدراسات - حول فكرة الوعي - من دراسة الوعي التاريخي إلى دراسة الوعي الاجتماعي. والحديث عن المنهج الاجتماعي لا يتم إلا باستحضار علوم ومناهج وظواهر أدبية تضافرت كلها لتشكيل ملامحه، وتحديد رؤيته، وصياغة مصطلحاته ومفاهيمه في دراسة الإبداع الأدبي، ويمكن تحديد مصادر وروافد المنهج الاجتماعي فيما يلي :

• الفسلفة المادية : وهي فلسفة ترى أن الحقيقة مادية بطبيعتها بحيث لا يمكن التوصل إليها إلاّ عن طريق الحواس والتجربة.

• الفلسفة الواقعية : وهي فلسفة تنطلق من مقولات مبنية على ضرورة البحث عن الحقيقة في الواقع الاجتماعي.

• الواقعية الاشتراكية : وهي واقعية استمدت مقولاتها من الفكر الاشتراكي الماركسي، وترى أن العمل الأدبي الفني عليه أن يهتم بتصوير الصراع الطبقي في المجتمع بين طبقة العمال وطبقة الفلاحين، وطبقة الرأسمالية والبورجوازيين.

• علم الاجتماع : وهو فرع من العلوم الإنسانية، يعنى بدراسة خصائص الجماعات البشرية وتفاعلاتها المختلفة، والعلاقات بين أفرادها.


وإذا كان المنهج الاجتماعي يتميز بتعدد اتجاهاته وتياراته، فإن القاسم المشترك بين كل هذه الاتجاهات والتيارات يبقى هو الواقع الاجتماعي بكل مظاهره وتجلياته. وبهذا فالواقع هو المرجع الأساسي لفهم النصوص الأدبية وتحليلها وتأويلها.

إن فعالية المنهج الاجتماعي في التحليل، بالمقارنة مع المناهج السابقة، جعلت كثيراً من النقاد العرب ينجذبون إليه، ويؤلفون حوله كتباً كثيرة تتوزع بين التنظير والتطبيق، ومن هؤلاء النقاد نذكر الأسماء التالية : محمود أمين العالم، صلاح فضل، محمد عزام، نجيب العوفي، إدريس الناقوري، حميد لحميداني..


اِقرأ أيضاً : نماذج تطبيقيّة 

منهجية تحليل نصّ نظري/ نقدي: صلاح فضل، من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي

منهجيّة تحليل نصّ نظري | المنهج الاجتماعي | علم اجتماع الأدب | حميد لحميداني

مهارة كتابة إنشاء أدبي حول قضية نقدية | المنهج الاجتماعي 

منهجية تحليل نصّ نظري/ نقدي: المنهج الاجتماعي، نبيل راغب 

منهجية تحليل مقالة نقديّة: مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربيّة، نجيب العوفي

منهجيّة تحليل مقالة نقديّة: سوسيولوجية القصيدة العربية، نجيب العوفي

منهجيّة تحليل نصّ نقدي | الواقع الاجتماعي في الشعر | محمد عويس



ب. المنهج البنيوي



ظهرت الإرهاصات الأولى للمنهج البنيوي منذ مطلع القرن العشرين، وقد انبثق هذا المنهج - تحديداً - من حقل الدراسات اللغوية التي يرجع الفضل فيها إلى العالم اللغوي السويسري فردنان دو سوسير (1857 - 1913)، وذلك من خلال مجموعة من المقالات التي جمعها تلاميذه بعد وفاته في كتاب يحمل عنوان "محاضرات في علم اللغة العام" (1916).

وبالرغم من أن دو سوسير لم يستعمل قط مصطلح "بنية" وإنما استعمل بدله مصطلح "النظام"، فإن دوره المتميز يكمن في إرساء مجموعة من المبادئ اللسانية الأساسية للتصور البنيوي، وتتجلى هذه المبادئ في جملة من التقابلات الثنائية أهمها : (اللغة والكلام، الدال والمدلول، التعاقب والتزامن، المحور العمودي والمحور الأفقي...)، بالإضافة إلى تحديد مجموعة من المستويات اللغوية كالمستوى الصوتي، والمستوى التركيبي، والمستوى المعجمي، والمستوى الدلالي.
وإذا كانت المناهج الأخرى - كالمنهج التاريخي، والمنهج الاجتماعي، والمنهج النفسي - قد أولت اهتماماً بالغاً للعناصر الخارجية في التحليل (الشخصية، الواقع، المجتمع، الطبقة، الإيديولوجيا...)، فإن المنهج البنيوي ركز على النص باعتباره نسقاً لغويا مغلقاً، حيث يعتمد في قراءته طريقة وصفية تستند إلى خطوتين أساسيتين هما : التفكيك وإعادة التركيب؛ أي تفكيك النص إلى تمفصلاته الشكلية، وإعادة تركيبه من أجل معرفة آلياته وطريقة بنائه. وفي هذا تستند البنيوية إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية كالنسق، والنظام، والبنية، والشبكة، والعلاقات، والثنائيات، والمستويات، والتعارض، والاختلاف، والمحايثة، والسانكرونية، والدياكرونية، والمجاورة، والاستبدال، والفونيم، والمورفيم، والمونيم، والتفاعل...إلخ. وهذه المفاهيم ستشتغل عليها فيما بعد كثير من المناهج النقدية، ولاسيما السيميولوجيا، والأنثروبولوجيا، والتفكيكية، والتداولية، والأسلوبية، وجمالية التلقي...

وأول من طبق البنيوية اللسانية على النص الأدبي في النقد الغربي نذكر كلا من رومان ياكبسون وكلود ليفي ستراوس على قصيدة "القطط" لشارل بودلير، وبعد ذلك ستطبق البنيوية على السرد مع رولان بارت، وكلود بريمون، وتزفيتان تودوروف، وجيرار جونيت، وغريماس... كما ستتوسع ليدرس الأسلوب بنيويا وإحصائيا مع بيير غيرو دون أن ننسى التطبيقات البنيوية على السينما والتشكيل والموسيقى والفنون والخطابات الأخرى.
أما في العالم العربي، فلم تظهر البنيوية في الساحة الثقافية إلا في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من خلال الانفتاح على الثقافة الغربية عبر الترجمة والدراسة في الجامعات الأوروبية، فكانت البداية عبارة عن كتب مترجمة ومؤلفات تعريفية للبنيوية لكل من صلاح فضل، وفؤاد زكريا، وفؤاد أبو منصور....وغيرهم.

أما في مجال تطبيق هذا المنهج على الأعمال الأدبية، فيمكن أن نضيف إلى بعض الأسماء السابقة كلا من محمد مفتاح، وعبد الفتاح كيليطو، ويمنى العيد، وسيزا قاسم، وسعيد يقطين، وعبد الله الغذامي... وغيرهم.



اِقرأ أيضاً : نماذج تطبيقيّة 






تعليقات