منهجيّة تحليل نصٍّ نظريّ : إحيَاء النّموذج


منهجيّة تحليل نصٍّ نظريّ: إحيَاء النّموذج




منهجيّة تحليل نصٍّ نظريّ : إحيَاء النّموذج

الامتحان الوطني الموحّد للبكالوريا، مادة اللغة العربيّة، مسلك العلوم الإنسانيّة، الدورة الاستدراكية 2011؛





أمام الوضع المتردّي الذي عرفه الشّعر العربي في عصر الانحطاط، كان لابدّ من التفكير في بعثه وإحيائه والارتقاء به إلى مستواه الفني في عصور مجده، فكان السبيل إلى ذلك العودة إلى التراث العربي القديم لاستلهام المقوّمات الفنيّة للقصيدة العربية التقليدية في أبهى عصور ازدهارها، وخاصّة روائع الشعر العباسي والأندلسي. والواقع أنّ هذه النهضة الشعرية لم تكن من توقيع الشعراء فقط، كالبارودي، وشوقي، وحافظ إبراهيم...، وإنّما كانت كذلك بمُساهمة كثير من الكتّاب والنقّاد الذين واكبوا هذه الحركة تنظيراً ونقداً، ويأتي في طليعة هؤلاء الباحث والكاتب إبراهيم السعافين، ومثال ذلك هذا النصّ النظري المُقتطف من كتاب "مدرسة الإحياء والتراث (دراسة في أثر الشعر العربي القديم على مدرسة الإحياء في مصر)".



إنّه بمجرّد قراءتنا لبداية النصّ، وتعرّف مصدره، نستطيع أن نقف على بعض المؤشّرات الدّالة على موضوعه، ذلك أنّ ألفاظ: الشعراء الإحيائيون- القدماء- التراث- الشعر العربي القديم- دراسة، توحي بعمليّة استحضار نموذج سابق وقديم ومحاكاته، وهذا كافٍ ليجعلنا نفترض بأنّ النصّ سيتحدّث عن موضوع البعث والإحياء في الشعر العربي.

إذاً، ما هي القضيّة الأدبيّة المحوريّة التي يطرحها النصّ؟ وما هي عناصرها الجزئية؟ وما هي الوسائل المنهجية والحجاجية والأسلوبية التي اعتمدها الكاتب في معالجة هذه القضية؟ وإلى أيّ حدّ تمكّن من خلالها أن يقدّم تصوّراً نظريّاً متكاملاً حول تيار البعث والإحياء؟



يُعالجُ الكاتب، في نصه هذا، قضيّة أدبيّة محورية تتجلّى في التزام شعراء البعث والإحياء بتقليد ومحاكاة القدماء، كلّ حسب ظروفه. وتتشكّل هذه القضية المحورية من مجموعة من العناصر الجزئيّة، نحددها كالتالي:
-           محاولة غاية في الفشل، ذلك أنها قامت على التقليد الحرفي دون حذف أو زيادة؛
-           محاولة أكثر نجاحاً وأقلّ استغراقاً في التقليد الحرفي، عرفت كثيرا من التحوير والتغيير؛
-           الفئة الأخيرة القائمة على التقليد بناءً على الإساغة والهضم والمتانة.
لقد حاول النّاقد، من خلال هذه العناصر، أن يُقدّم تصوّراً نظريا حول المدرسة التقليدية أو ما يصطلح عليه أيضاً بـ"مدرسة البعث والإحياء"، مشيراً في بداية الأمر إلى الالتقاء حول فكرة مركزيّة مفادُها الالتزام بطريق القدماء، كما لم تفته الإشارة إلى اختلافهم قوة وضعفاً، أو وجودا وعدماً، في درجة وحدّة هذا التقليد.





وقد كانت رغبة الكاتب في الإحاطة بكلّ جوانب القضيّة المحلّلة في نصّه هذا السبب الرئيس وراء تسلّحه وتوسّله بجهاز مفاهيمي متنوّع وغنيّ بالمصطلحات النقديّة، لعلّ أبرزها: الشعراء الإحيائيون-القدماء-التقليد-الصورة-النظم-التأثّر-الفهم...، كل هذه المفاهيم، وغيرها، ساهمت في إغناء النصّ نظريا ونقديّاً، مانحة إيّاه طابع العلميّة والموضوعيّة في مختلف عناصره.
وقد اعتمد النّاقد، في عرض القضيّة السالفة الذكر، وما يرتبط بها من عناصر فرعيّة، بناءً منهجيّاً ينهض على القياس الاستنباطي، حيث انطلق من مبدإ عام يتلخّص في التزام شعراء الإحياء طريق القدماء، ثمّ انتقل بعد ذلك لاستعراض جزئياته وتفاصيله من خلال الإشارة إلى مختلف المحاولات التي طبعت هذه التجربة، كلّ حسب ظروفه.


أمّا في ما يخصّ توضيح الأفكار ومحاولة إقناع المتلقّي بصدقها، فقد عمد الكاتب إلى توظيف مجموعة من وسائل التّفسير والحجاج، يمكن التّمثيل لها، على سبيل الذكر لا الحصر، بما يلي:
-           أسلوب الإخبار: ومن أمثلته قول الكاتب في بداية النصّ: "التزم الشعراء الإحيائيون طريق القدماء,,,"؛
-           أسلوب المقارنة: وتبدو بشكل ضمني حينما يتحدّث عن مختلف المحاولات الإحيائيّة التي عرفها الشعر العربي الحديث؛
-           أسلوب الوصف والتّفسير: ونجده حين يلجأ إلى وصف وتفسير خصائص كلّ محاولة تقليديّة للقدماء على حدة، كلّ حسب ظروفها.


وبالإضافة إلى الأساليب السابقة، يتعزّز البعد التفسيري والحجاجي للنصّ بتوظيف الكاتب لغة تقريريّة مُباشرة تتوسّل اللفظ البسيط والمعنى الواضح بعيداً عن كلّ إيحاء أو التواء في التّعبير، وهذا ينسجم، أولاً، مع طبيعة النصّ النظري الذي تغلب عليه السمة الموضوعية والعلميّة في معالجة الأفكار، كما يتماشى، ثانيّاً، مع مقصديّة الكاتب التي ترمي إلى توضيح الأفكار وتبسيطها وتقريبها من إدراك المتلقّي، حتّى يتسنّى لهُ فهمُها والاقتناع بصحّتها.


بناءً على ما سبق، نستنتج أنّ النصّ يعالج قضيّة أدبيّة تتعلّق بالمدرسة التّقليديّة أو البعث والإحياء، والمحاولات التي عرفتها في طريقها لإحياء وتقليد القدماء. وقد تضمّنت هذه القضيّة مجموعة من الخصائص والأفكار الجزئية. وبما أنّ النصّ يروم بالأساس التّعريف بالقضيّة المطروحة وتقريبها من المتلقي، فقد اعتمد فيه الكاتب استراتيجية منهجية وتفسيرية وحجاجية تنهض على عدّة وسائل؛ كالقياس الاستنباطي، والإخبار، والوصف، والمقارنة، ناهيك عن اللّغة التّقريريّة المباشرة التي تميل في الغالب إلى توظيف الجمل الخبريّة.

وعلى العموم، فإنّ الكاتب قد نجح، إلى حدّ كبير، في تقديم تصوّر نظري شامل وموسّع حول المدرسة التقليدية، وهذا يجعل من النصّ وثيقة هامّة يُمكن الرجوع إليها لإضافة رصيد معرفي حول هذا التيار (البعث والإحياء)، كما وفّق النّاقد في عرض أفكاره وتوضيحها قصد الإقناع بها عبر استعماله للوسائل المنهجيّة والحجاجية والأسلوبيّة المُناسبة.
    






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-