منهجيّة تحليل نصّ نقدي | الواقع الاجتماعي في الشعر | محمد عويس

منهجيّة تحليل نصّ نقدي | المنهج الاجتماعي


الواقع الاجتماعي في الشعر | محمد عويس محمد





الواقع الاجتماعي في الشعر | محمد عويس محمد









في رحاب اللغة العربية | السنة الثانية من سلك البكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية | ص 229

إعداد الأستاذ: محمد البوعيادي


1. تأطير عام:


يمكن للمناهج الأدبية أن تنطبق على مُختلف أنواع النُّصوص الإبداعية، فالمنهج الاجتماعي مثلاً برغم من اتصاله في بداياته ونشأته بفن الرواية، إلاّ أنه يُمكن أن يُطبق على النصوص الشعرية والقصصية أو نصوص الأدب القديم من رحلة وحكاية عجائبية ومقامات، فمنظرو هذا المنهج يعتقدون أنّ كل النصوص تجمل أثر الواقع الاجتماعي الذي نشأت فيه، وتتأثر به كما تؤثر فيه.

2. ملاحظة النص:


أ‌. ملاحظة العنوان:


يحيل العنوان على الطريقة التي يعبّر بها الشعر عن ما يحدث في المجتمع من وقائع، فهو مثل المرآة العاكسة لحياة الشعب والأفراد.

ب‌. فرضية النص:


انطلاقا من عنوان النصّ ودلالات السطر الأوّل والأخير نفترض أنّ هذه المقالة النقدية ستتحدّث عن علاقة شعراء مصر بواقع بلدهم وما يحدث فيها من أحداث.

3. فهم النص:


أ‌. الفكرة العامة:


يعرض النص النقدي للكيفية التي عبر بها شاعران مُتعاصران عن أحوال بلدهما مصر، فأحمد شوقي دعا إلى تغيير المجتمع عن طريق الأخلاق والعلم، أما حافظ إبراهيم فانتقد الظواهر الاجتماعية بشكل مُباشر مثل ظاهرة عدم المساواة بين الجنسين في الحقوق، والاختلاف بين الشاعرين راجع أساساً لانتمائهما الطبقي، فشوقي من الأغنياء وحافظ من طبقة فقيرة.



4. التحليل:


أ‌. القضية الأساسية:


يتعرض النص لقضية مهمة في النقد الأدبي، وهي قضية تأثير الواقع الاجتماعي في النتاج الشعري للأدباء، حيث يؤكد أن الشاعر يتأثر بالوسط الاجتماعي كما أنه يُؤثر فيه، وهذا هو الشأن بالنسبة لكل من حافظ إبراهيم وأحمد شوقي، حيث بين الناقد كيف صار شعرهما دعوة للنهضة الاجتماعية والثقافية والعلمية.

ب‌. القضايا الجزئية (عناصر القضية):


وتتفرع عن هذه القضية الرئيسة قضية جزئية صغرى وهي اختلاف مضمون الدعوة للإصلاح، فحافظ إبراهيم بحكم انتمائه للفقراء حاول نقد الظواهر الاجتماعية التي تؤثر في وعيه وحياته مباشرة، مثل ظاهرة غياب المساواة القانونية والحقوقية بين الجنسين، إذ دعا إلى النهوض بوضع المرأة في قصائده وإشراكها في الحياة الاجتماعية، أما شوقي فبحُكم كونه من طبقة الأغنياء ركّز على دعوة نظرية قوامها الانتصار للعلم والأخلاق.

ج. البنية الحجاجية:


وظف محمد عويس حججا متنوعة لإثبات قضيته، منها حجة المثال، فقد أعطى مثالاً بأحمد شوقي وحافظ إبراهيم على تأثير الواقع الاجتماعي في الشعر، كما وظّف حجة الشاهد حين اقتبس من قصائد مختلفة لشعر الرجلين، فأخذ بيتين لشوقي يدلّ بهما على اهتمام الشاعر بضرورة تطوير العلوم والصناعات للنهضة بالمجتمع:

أين التجارة وهي مضمار الغنى؟ ....أين الصناعة وهي وجهُ عنانه؟

كما أخذ أبياتا لحافظ في معرض إثباته لدفاع الشاعر عن المرأة:

يقولون نصف الناس في الشرق عاطلٌ....نساءٌ قضين العمر في الحُجُرات.

ولا يفوتنا أن ننبه لتوظيفه الحجة التفسيرية كثيراً، فقد فسّر العلاقة بين الشعر والواقع، كما اعتمد بشكل مباشر على حجة المقارنة، حين قارن بين الطبقتين الاجتماعيتين اللتين ينتمي إليهما كل من شوقي وحافظ، فقد أثرت الطبقة على الفكر ومضمون الشعر.

د. المصطلحات والمفاهيم:


لرصد القضية وتفسيرها اعتمد الناقد على مجموعة من المُصطلحات التي تنتمي لمجالي النقد الأدبي وعلم الاجتماع، منها مصطلح "الواقع الاجتماعي": وهو الوضع العام الذي يعيش ضمنه الناس في مجتمع ما، ويتضمن مختلف شروط الحياة الاقتصادية والسياسية والحقوقية والاجتماعية. كما أنه وظف مصطلح الظواهر الاجتماعية من مجال السوسيولوجيا أيضا، والظاهرة الاجتماعية هي السلوك البشري حين يكون جماعيا ويُسهم فيه عدد كبير من الفاعلين بمختلف أعمارهم وطبقاتهم وأجناسهم وهي ظاهرة إما سليمة أو معتلة. وهناك أيضا مصطلح الوجدان وهو من مجال الشعر هذه المرة، وينقسم إلى قسمين الوجدان الفردي ويقصد به العاطفة والفكر الخاصين بشخص واحد، ثم الوجدان الجماعي، وهو ضمير الأمة وروحها العامة.

ه. منهجية العرض:


اعتمد الناقد منهجا استنباطيا في عرض مادته النقدية، حيث انطلق من العام وهو رصد علاقة التأثير والتأثر بين الشاعر وواقعه، ثم مر إلى الخاص وهو رصد الفروق الاجتماعية بين شوقي وحاظ وتأثيرها على تصوراتهما.

و. مظاهر الاتساق والانسجام في النص:


وقد اتسقت أجزاء النص باعتماد الناقد على مختلف أشكال الاتساق التركيبي مثل حرف العطف (الواو) الذي نجده في كل مفاصل النص وحرف التعليل "لعل" في قوله:

" ولعل اختلاف بيئَتيْ الشاعرين كان من وراء هذه الفُروق". بالإضافة إلى توظيفه للأسماء الموصولة (الذي): "الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه"، ولتقنية الإحالة باعتماد الضمائر المتصلة مثلا في قوله "ففي شعره.." إذ يحيل الضمير "ه" إلى الشاعر حافظ إبراهيم، ناهيك على استعمال الناقد للشكل الآخر من الاتساق وهو الاتساق المُعجمي، فنحن نجده في الفقرة الثانية يستعمل اتساقا معجميا بالترادف بين كلمتي "وجدان" و"كيان معنوي" إذ للكلمتين المعنى نفسه، كما نجد مظهرا آخر لهذا الاتساق وهو الاتساق بالتضاد في كلمتي "التبعية" و"الاستقلال". ولولا هذه التقنيات لما جاء النص متسقا، لكن لا يجب أن نغفل أنّ انسجامه نابع أيضا من عدة مبادئ عقلية شاركنا بها نحن القُرّاء في فهم النص، مثل مبدإ التشابه، فنحن تلقائيا عقدنا مقارنة بين هذا النص وبين النص السابق الذي درسنا فيه خصائص المنهج الاجتماعي ففهمنا أنه مقالة نقدية ذات طابع تفسيري حجاجي، كما أننا اعتمدنا على مبدإ التغريض، فوجود كلمات مفاتيح مثل "وجدان"، "أمة"، "مجتمع"، "واقع"، "شعر"، جعلتنا نربط بينها وبين المعنى العام للنص، لنتوصل إلى أن المقالة شرح لتأثير الواقع الاجتماعي على الشعر والعكس صحيح.


5. تركيب:


نخلص إلى القول إنّ الناقد طبق المنهج الاجتماعي على الشعر بطريقة ملائمة في مقالته هذه، وذلك بالاعتماد على الآليات والتقنيات التي يستوجبها التطبيق النقدي السليم من حجج متنوعة كالأمثلة والشواهد الشعرية والمقارنات، بالإضافة إلى مصطلحات مشتقة من مجالي علم الاجتماع والشعر، وثمرة هذا التطبيق هي فهمنا للكيفية التي يتضافر فيها الواقع الاجتماعي مع النصوص الأدبية ليقدما لنا وعيا أدبيا وفكريا وفنيا يساهم في رقي الفكر وتغيير الواقع.

وأرى من منظوري الشخصي أن تركيز الناقد على الفروق الطبقية بين الشاعرين كانت ملاحظة ذكية والتزاما عمليا بتوجيهات المنهج الاجتماعي، فلا يصح أن ندرس النصوص الشعرية بمعزل عن حياة أصحابها وظروف عيشهم.
تعليقات