🎙 موضوع مهم للغاية : هل ترغب في تعلم اللغات مجّاناً؟ حمل أفضل تطبيقات تعلم اللغات 👇
منهجيات الفلسفة | منهجية النص : إشكال الحقيقة
منهجية تحليل نص فلسفي : إشكال الحقيقة
الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا / دورة يونيو 2013 / كل المسالك العلمية والتقنية والأصيلة / المادة : الفلسفة | الدورة العادية
________________________________________
"يطرح سؤال حول ما إذا كانت جميع الحقائق تعتمد على التجربة الحسية، أي على الاستقراء والأمثلة، أم إن بعضها له أساس آخر، لأنه إذا كنا نستطيع التنبؤ بوقوع بعض الأحداث من غير اختبار سابق عليها، فمن الواضح أن عقلنا يساهم بشيء من عنده في هذا الأمر. إن الحواس، رغم أنها لازمة لمعرفتنا الحالية، فإنها ليست كافية لتعطينا جميع المعارف بما أنها لا تقدم لنا أبدا سوى أمثلة، أي حقائق خاصة أو فردية. والحال أن جميع الأمثلة التي تؤكد حقيقة عامة، أيا كان عددها، لا تكون كافية لإثبات الضرورة الكونية لهذه الحقيقة نفسها، ذلك أن لا شيء يضمن لنا أن ما قد حدث سيحدث دائما وبنفس الطريقة. فقد لاحظ اليونان والرومان وغيرهم من شعوب العالم القديم أنه، دائما، قبل متم أربع وعشرين ساعة ينقلب النهار إلى ليل والليل إلى نهار. ولكن من الخطأ الاعتقاد أن هذه القاعدة تصح في كل الأماكن، فقد تأكد أن الأمر على خلاف ذلك في القطب الشمالي مثلا (...) من هنا يظهر أن الحقائق الضرورية يجب أن تقوم على مبادئ لا تكون براهينها متوقفة على الأمثلة ولا على شهادة الحواس، وذلك على الرغم من أنه لولا الحواس ما كان لنا أن نفكر في تلك الحقائق".
حلل(ي) النص وناقشه.
________________________________________
تحرير الموضوع : منهجية تحليل نص فلسفي
للسنة الثانية باكالوريا / كل المسالك العلمية والتقنية والأصيلة.
| مقدمة |
تشكل المعرفة أحد الأبعاد الأساسية والرئيسة للفعالية الإنسانية، فهي حسب أسطورة برومثيوس رمز للتفوق البشري ودخوله عالم القوة والهيمنة. غير أن معرفة الإنسان لذاته وللعالم وللآخرين معرفة طرحت ولازالت تطرح إشكالات فلسفية من قبيل مصدر بنائها، ومناهجها والغاية منها. ومن بين القضايا التي تطرحها المعرفة قضية الحقيقة بوصفها غاية كل معرفة يبنيها الفيلسوف أو العالم، إذ لا يمكن أن نتصور معرفة لا تروم بلوغ الحقيقة.
ويطرح النص، الذي نحن بصدد التفكير فيه، مشكلة الحقيقة والمعايير التي تقوم عليها وتؤسسها، إذ يعتبر صاحب النص أن الحقيقة لا تبنى فقط بواسطة الخبرة الحسية، فالحواس ليست مصدرا وحيدا للحقيقة، بل ضرورة حضور مبادئ العقل واستنتاجاته. فما هو مصدر الحقيقة عند صاحب النص؟ هل هو الحواس أم العقل؟ وما هي قيمة هذه الأطروحة وحدودها؟
| تحليل |
ينطلق النص من التساؤل حول ما إذا كانت الحقيقة تعتمد على التجربة الحسية، أم إنها تقوم على أساس آخر، بغية دحض التصور التجريبي للحقيقة، إذ بالإمكان التنبؤ بوقوع بعض الأحداث بدون اختبار تجريبي سابق عليها. من هنا يستنتج أهمية تدخل العقل باعتباره معيارا أساسيا في بناء حقيقة تجريبية ما. فالحواس، حسب النص، ينحصر دورها في ضبط الجزئي والخاص، ولا تقدم لنا حقائق تتسم بطابع الضرورية والكلية، على اعتبار أن لا علم إلا بالكليات كما يقول أرسطو. فالمعرفة الحقيقية هي المعرفة القائمة على مبدأي الضرورة والكونية، أما الاستقراء فيقوم على تعميم لا يتيح تنبؤات ضرورية، لأنه جزئي واحتمالي. وقد استعمل صاحب النص مجموعة من المفاهيم لبناء أطروحته، وهي : الحقيقة، التجربة الحسية، والعقل.
فالحقيقة هي مطابقة الحكم لموضوعه، سواء أكان هذا الموضوع هو الفكر ذاته أم الواقع. وتدل التجربة الحسية على كل ما نتلقاه من انطباعات ومدركات بواسطة استخدام الحواس، والتي يتمثلها العقل ويتصورها مفاهيميا. بينما يدل العقل على تلك القدرة العامة والملكة التي تسمح بالتفكير، والتمثل، وإصدار الأحكام، واستنباط النتائج عبر استعمال مبادئ منطقية صورية وكلية وضرورية... ولقد وضع النص مفاهيمه داخل شبكة من العلاقات تقوم على الربط والتلازم بين العقل والحقيقة، والفصل بين الحواس والحقيقة، وذلك في تناسق مع بنية حجاجية تقوم على الدحض والتعريف والمثال. فهو يدحض الحقيقة المبنية على الاختبار الحسي عندما يقول : "إن الحواس ليست كافية لتعطينا جميع المعارف"، ثم ينفي عن الأطروحة الاختبارية الأساس الذي تقوم عليه، مستنتجا : "يظهر أن الحقائق الضرورية يجب أن تقوم على مبادئ لا تكون من شهادة الحواس"، ثم يعطي النص مثالا من حركة الليل والنهار لتأكيد أطروحته : "قد لاحظ اليونان والرومان... القطب الشمالي مثلا". تكمن قيمة النص في دفاعه عن أهمية العقل في بناء الحقائق، فليست هناك حقائق خاصة في مجال الفلسفة والعلم تبنى في صورتها التامة في غياب إعمال العقل.
فما هي حدود هذه الأطروحة؟ وإلى أي حد يمكن الاتفاق مع محتوياتها؟
| مناقشة |
يمكن أن نجد لهذه الأطروحة امتدادات داخل بعض المواقف الفلسفية والإبستيمولوجية التي تؤمن بتكامل العقل والتجربة في تكون الحقيقة. وهنا يحضر بشكل خاص موقف "كانط" من المعرفة وبناء الحقيقة، فالحقيقة مادية وصورية معا، إنها معمارية تبنى بدعامتين : التجربة بمعطياتها الملموسة، والعقل بمبادئه ومفاهيمه وأحكامه، إنها حقيقة متعالية تستند على المبادئ القبلية للعقل، وتتقوى بمعطيات التجربة الحسية. غير أن الحقيقة، اليوم، ترجع باستمرار إلى ما يؤكد صدقها وقوتها، وهو عالم التجربة بمختلف إمكاناته وتنبؤاته، وهذا ما تؤكد عليه الاتجاهات الاختبارية التجريبية في مجال الفيزياء والبيولوجيا والهندسة الوراثية. فالمناهج التجريبية هي مناهج مرتبطة بفرضيات علمية قابلة للتجريب والتعميم، بدءا من أعمال البيولوجي الفرنسي "كلود برنار" إلى أعمال "ميندل" في علم الوراثة النوعية؛ فالتجريب هو معيار التأكد من صدق أو كذب الفرضيات العلمية.
لكن الحقيقة أيضا خطاب يرتبط بما يجلب للإنسان من نفع ومصلحة، فمعيارها حسب الاتجاه البراغماتي هو صدقها الذاتي. فخطابها هو خطاب يرتبط بالنتائج العملية، لذلك قد يكون خطاب العلم والتقنية نافعين اليوم للإنسان، لأنهما يقدمان حلولا براغماتية (عملية) لمشاكله اليومية في الصحة والبيئة والاقتصاد والتنمية عموما، وربما هذا ما يجعل هذا الخطاب يحافظ على قوته وتأثيره بالمقارنة مع الخطابات النظرية التأملية والميتافيزيقية.
| تركيب |
يمكن أن نستنتج من تحليلنا ومناقشتنا لأطروحة صاحب النص، أن الحقيقة مبنية وليست معطاة، وأنها وليدة علاقة جدلية بين الفكر والواقع، بين العقل والتجربة؛ هذه العلاقة تحضر بشكل قوي في الحوارات الإبستيمولوجية المعاصرة. ومع ذلك يمكن القول إن التساؤل حول معيار الحقيقة هو تساؤل إشكالي مفتوح، لأن خطاب الحقيقة هو خطاب نسبي ومتعدد، فالحقائق القائمة على البناء المنهجي والنقدي هي اليوم أكثر صلابة من الحقائق الأخرى، كالحقيقة العلمية والفلسفية.