منهجية تحليل سؤال فلسفي : لم الدولة؟


منهجية تحليل سؤال فلسفي : لم الدولة؟


السؤال : لم الدولة؟

منهجية تحليل سؤال فلسفي : لم الدولة؟


تحرير الموضوع:


مقدمة:


يتأطر موضوع هذا السؤال ضمن المجال الإشكالي للسياسة، والتي هي تدبير للشأن العام باستعمال وسائل قانونية مشروعة ووسائل غير مشروعة، وتعتبر الدولة جهازا سياسيا منظما يتكون من مؤسسات قانونية، وإدارية... تمارس سلطة تنظيم حياة الفرد داخل الجماعة. ويطرح السؤال إشكالا عاما يتمحور حول أساس الدولة والغاية من وجودها. فلماذا توجد الدولة؟ هل هي غاية أم وسيلة؟


تحليل:


في بداية تحليلنا للمشكلة المطروحة، لابد من تحديد المفهوم المركزي في السؤال وهو "الدولة"، إنها تنظيم سياسي عقلاني وشامل، يمارس سلطة ظاهرية وخفية، وتنظم حياة الناس الجماعية، باستعمال وسائل ومؤسسات مشروعة ومتفق عليها، وهدفها تحقيق الأمن والاستقرار، غير أن التفكير في الدولة هو تفكير حديث نسبيا تبلور في الفلسفة السياسية مع فلاسفة الأنوار بدءا من القرن الثامن عشر، "ولم" أداة استفهام تفيد التعليل والبحث عن المبررات والأسباب.

يمكن الجواب عن المشكلة المطروحة في السؤال، بأطروحة عامة مفترضة، ترى أن الغاية من وجود الدولة هي تحقيق الحرية المدنية الفردية والجماعية، هذه الفكرة تبلورت مع فلاسفة الأنوار، وخصوصا "سبينوزا" و"جون جاك روسو"؛ فالدولة ضرورة سياسية لتجاوز الأهواء والعنف الطبيعي، ففي كتابه "رسالة في اللاهوت والسياسة" يؤكد الفيلسوف الهولندي "سبينوزا" على أهمية الدولة الديمقراطية في تحرير الإنسان من الأهواء والعنف، وجعله يلتجئ إلى استخدام العقل في تشريع القوانين لضمان الأمن والاستقرار والحرية والعيش في سلام مع الغير، فالحرية السياسية، أي إبداء الرأي والمشاركة في الحياة العامة باحترام القوانين، هي غاية الدولة. إن دولة الحق هي دولة تسمو على وعي الأفراد ومستقلة على ممارسة السلطة المباشرة، وهذا ما جعل الفيلسوف "هيغل" يؤكد على أن دولة الحق تحقق حرية العقل الكوني المطلق، فيتطابق العقل مع التاريخ، إنها تجسيد لحرية الروح أو العقل. هذا التصور المثالي للدولة يتماهى مع قيم الحرية والعدالة والمساواة، فلا وجود لحرية سياسية بدون وضع مؤسسات وتنظيمات حرة وديمقراطية.

مناقشة:


غير أن هذا التصور الأنواري الذي يمجد الحرية السياسية والخطاب الحقوقي بوجه عام، لم يدرك طبيعة السلطة السياسية وآليات اشتغال هذه السلطة بصفتها آلية للضبط الاجتماعي وممارسة العنف المشروع والمنظم؛ فالدولة هي وحدها تحتكر العنف والإقصاء وتمارسهما، فهي توجه الحقل السياسي وتنظمه حسب أغراضها واستراتيجيتها، ولولا سلطتها المبنية على العنف والتدخل لما أمكن للحياة الجماعية أن تكون متحققة، لقد أكد المفكر الألماني "ماكس فيبر" في كتابه "العالم والسياسي" على ضرورة احتكار الدولة للعنف وشططها في استعماله، فهو الخاصية المميزة لسلطتها، فلكي يحترم المواطن الحق ويسري داخل المجتمع لابد للدولة أن تمارس العقاب والعزل والضبط، وربما هذه الصورة هي الصورة الأكثر واقعية للسلطة السياسية، إنها سلطة براغماتية، ليست بشريرة، كما أنها ليست بمثالية، إنها أداة للتحكم والضبط الاجتماعيين. هذا التصور الواقعي يحد أساسه النظري في أطروحة "ماكيافيلي" المفكر الإيطالي في عمله "الأمير" فالدولة وسيلة للحفاظ على استمرارية السلطة السياسية والانتصار على الخصوم والأعداء، فعلى الأمير أن يكون مثقفا وعسكريا، قويا كالأسد يخيف الناس، وماكرا ذكيا كالثعلب يعرف كيف يتخلى عن وعوده والتزاماته لكي لا يسقط في فخاخ الذئاب والمرتزقة. فالسياسة إذن صراع بين المصالح المتعارضة، وهي انتصار لمن هو قادر على استعمال الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهنا تصبح الدولة طرفا أساسيا في النزاعات الاجتماعية عندما تدافع عن مصالح الفئات الاجتماعية المهيمنة، وتحتكر المؤسسات ممارسة سلطة خفية تتخذ طابعا إيديولوجيا تبرر من خلاله ضرورتها وأهميتها في تحقيق السلم الاجتماعي.


تركيب:


يمكن أن نخلص من تحليلنا ومناقشتها للمشكلة المطروحة إلى أن هناك تباعدا بين الخطاب الفلسفي المثالي حول مفهوم الدولة، وممارسة الدولة لسلطتها: ومهما تكن الحرية السياسية هي الغاية من وجود الدولة، فإن الكثير من المؤسسات السياسية تهدد وجود الدولة ذاتها، وخصوصا عندما يتضخم العنف ويسود الإقصاء وتمس كرامة المواطن، لا يمكن تحقيق حياة جماعية ممكنة إلا من خلال حضور دولة تلتزم بالحق والقانون، وتحترم الحريات الفردية والجماعية، وتكون مقبولة من لدن الجميع.
تعليقات