منهجيات الفلسفة | منهجية القولة : منهجية تحليل قولة فلسفية

 

منهجية تحليل قولة فلسفية



الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا / دورة يونيو 2013 / كل المسالك العلمية والتقنية والأصيلة / المادة : الفلسفة | الدورة العادية


________________________________________

"نحتاج للحرية كي تمنع الدولة من سوء استخدام سلطتها، كما نريد من الدولة أن تمنع سوء استخدام الحرية".

أوضح(ي) مضمون القولة وبيّن(ي) أبعادها.

________________________________________


منهجية تحليل قولة فلسفية



تحرير الموضوع : منهجية تحليل قولة فلسفية


(مقدمة القولة الفلسفية)

إن المجال النظري للسياسة هو مجال صراع بين البشر حول كيفية إدارة وتدبير الشأن العام وتنظيم حياة الناس الجماعية والفردية بواسطة القوانين والمؤسسات الشرعية. إن السياسة في العمق ليست سوى استمرارية للحرب والصراع بين الناس، لكن بطرق ووسائل سلمية وفي إطار يحكمه الجدال والمناظرة. ويحيل هذا المجال على إحدى أهمّ محددات السياسة، وهي الدولة وسلطتها الهادفة إلى توجيه المواطنين نحو غايات محددة؛ ومن هنا تطرح هذه القولة إشكال العلاقة بين سلطة الدولة وحرية المواطنين، داخل مفارقة واضحة ترتبط بطبيعة السلطة السياسية : فمن جهة يرى صاحب القولة أن الحرية باعتبارها قيمة هي التي تحد من الشطط في استعمال الدولة لسلطتها، غير أن هذه السلطة من جهة ثانية ضرورية لمنع سوء استخدام الحرية، أي منع نشر الفوضى داخل المجتمع. ومن ثم، فما علاقة الحرية بسلطة الدولة؟ وما هي الوسائل المتاحة للناس للحد من شطط الدولة وقوتها؟ وما هي حدود هذه الأطروحة؟


(تحليل القولة الفلسفية)

تؤكد القولة على أطروحة نابعة من رغبة المواطن في جعل الحرية معيارا لنجاعة السلطة وتثبيت شرعيتها السياسية. فإذا كانت الحرية معطى طبيعيا ينظم بواسطة القوانين الوضعية، فإن الدولة عبر مؤسساتها القانونية الشرعية تحترم حرية المواطن في التفكير والعمل والمشاركة، وتعمل على تعايش الحريات... فالشرعية السياسية هي الأساس الذي تقوم عليه دولة الحق والقانون، وهي في ذلك تضمن ممارسة الحريات الفردية والجماعية، من خلال فصل السلط إلى سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، حفاظاً على ممارسة الحرية داخل الفضاء العمومي، كما تسمح للمواطن بالمشاركة في الحياة العامة عبر التمثيلية السياسية من خلال تدخل وتأطير جمعيات المجتمع المدني، والذي يشتغل في مجالات مختلفة غير حكومية للحد من احتمال التسلط، وجعل الحرية قيمة تعاش داخل المجتمع. غير أن الدولة لا تقف موقفا سلبيا من حركية المجتمع، ومن ممارسات مواطنيه لحرياتهم، إنها تتدخل لضمان أمنهم واستقراراهم ومواجهة كل خرق للقوانين الشرعية؛ فهي تعاقب الخارجين عن القانون باستخدام سلطتها الشرعية، وخاصة عنفها الشرعي؛ لأنه في غياب سلطة الدولة القوية تعم الفوضى وتصبح حرية كل فرد مساوية لقوته، وهنا يعود الناس إلى حالتهم الطبيعية، حالة "حرب الكل ضد الكل". إنه التوازن الضروري الذي تراهن عليه سلطة الدولة لكي يتمتع الناس بالحريات وفق ما يسمح به القانون. لكن ألا يمكن بروز تناقض بين منطق الدولة الذي يقوم على العنف والمراقبة، وبين إرادة الناس ورغبتهم في حرية مدنية قد تتجاوز سلطة الدولة؟ 

(مناقشة القولة الفلسفية)

صحيح أن سلطة الدولة تفترض دائما اللجوء إلى القوة الشرعية، وخاصة العنف الشرعي؛ فالدولة، سواء أكانت حديثة أو قديمة، ديمقراطية أو استبدادية، لا يمكن لها أن تستغني عن ممارسة العنف. نجد هذه الفكرة عند السوسيولوجي الألماني "ماكس فيبر" الذي اعتبر عنف الدولة هو ترجمة عملية لمفهوم الحق، فهي تضمن الأمن والاستقرار الذي هو مطلب الجميع.
لكن الدولة قد تزعم الدفاع عن الحقوق والحريات، غير أنها من خلال ممارستها تضيق على هذه الحريات وتلجأ في كثير من الأحيان إلى العنف غير المشروع، إلى الكذب والخداع والمكر، وكلها ممارسات تتناقض ودولة الحق.
تجد هذه الفكرة أصولها النظرية عند المفكر الإيطالي "ماكيافيللي" في كتابه "الأمير" الذي هو رجل سياسة يمارس سلطة شرعية، ويريد دوما أن ينتصر على خصومة باستعمال أساليب ووسائل مشروعة وغير مشروعة، وبصفة خاصة قوة الأسد ومكر الثعلب. ومع هذا النقاش عن علاقة السلطة مع الحرية، تظهر بشكل جلي علاقة العنف مع الحق: فمتى تبع الحق العنف، كانت الدولة متسلطة وفقدت شرعيتها، ومعها افتقدت للإجماع وانفصلت عن المجتمع. فهي بمثابة "وحش بارد" حسب تعبير الفيلسوف الألماني "فريدريك نيتشه".

(تركيب منهجية تحليل قولة فلسفية)

يمكن أن نستنتج من تحليلنا ومناقشتنا لأطروحة القولة، أن سلطة الدولة تعمل على حماية الحق بالقوانين الشرعية، فهي تحمي المواطن من كل أشكال العنف الأخرى، ومن ثمة فعلاقة الدولة مع الحرية هي علاقة إشكالية متأرجحة، فالمبالغة في استخدام العنف يمكن أن تحول دولة الحق والقانون إلى دولة استبداد، فتضيع الحريات، لكن ضعف الدولة وهشاشة سلطتها ينتج عنه ما هو أسوء، الحرب الدائمة بين الناس وعودة وهم الحق الطبيعي الذي يهدد الحقوق الوضعية القانونية.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-