الشيء الذي يعني شيئاً

 

الشيء الذي يعني شيئاً

الشيء الذي يعني شيئاً



"حتى وإن فقدت إيمانك بكل شيء، لابدّ أن بضعة أشياء تظل تعني لك شيئاً". 

حسنا، تعني شيئاً هذا أمر مفروغ منه، وقد تكون مهمة أيضاً، لكن هناك فرق جوهري لا ينتبه له المرء وهو يدافع بشراسة عن أهمية الارتباط بالناس والإيمان بهم وبالمجتمع، وهو أن معظم الأشياء التي "تعني شيئاً" لا تأتي من الإرادة والاختيار، بل هي قبلية على الوعي مثل العائلة والاحتياجات الغريزية، في ما عدا ذلك، فكل ما يخضع لمشرحة التحليل لا يمكن الإيمان به إطلاقا، لأن الإيمان نقيض الفهم، لأن ما يؤمن به المرء هو ما لا يفهمه، ورغم ذلك، فليس بمقدور المرء أن يزعم بأنه فهم كل شيء وفكك بنية العالم والموجودات، ربما يتشبع الإنسان بنسخ تأويلية باهتة عن  مجريات الحياة و"حقائق"  الأشياء، غير أن الغموض يظل قائماً في زوايا خفية من التجربة الوجودية، وربما هذا هو "الشيء الذي يعني شيئاً"، فلولا الجهل وعدم اكتمال المعرفة وغياب التجربة المطلقة الكاملة التي تحوي كل شيء في الدنيا لما كان للاستمرار أي دافع. 

يبقى أن المرء  قد ينفصل لمدة طويلة عن الرغبة في فهم الغموض المحيط  بالناس والدنيا، وذلك بسبب مشاكل شخصية تافهة أو اقتناع باطني بأن ما يقع خلف الستار ليس شيئاً مختلفا، إلاّ أن السببين معاً لا يصمدان أمام قوة الجهل والغموض الذين يلفان اليومي والامتداد الإنساني في  العالم، إنّ كان للحياة الفردية معنى  فهو قطعاً معنى غير ناجز، وربما قدره أن لا يكون معنى تاما، بل بحثا في تنوع الخبرات واستحالة الشمول في المعرفة، سقراط العجوز الذي يستسهله الكثيرون كان أول من صرح بذلك علانية: لا معنى لهوية الإنسان إلا في عدم قدرته على الإدراك الكلي "كل ما أعرف هو أنني ...بلابلا"..



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-