ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : مفهوم الحقيقة


 ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : مفهوم الحقيقة

السنة الثانية من سلك الباكالوريا
جميع الشعب والمسالك

ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : مفهوم الحقيقة


المجزوءة الثانية : المعرفة

المفهوم : الحقيقة


يقصد بالحقيقة الصواب والصدق مقابل الخطأ والكذب، وتدل أيضاً على التطابق والتوافق، فالحقيقي سواء كان شيئا أو حكما هو مما يتوافق ويتطابق بطريقة مزدوجة، أولا، كتطابق بين الشيء وما نتصوره عنه، ثم كتوافق بين ما يدل عليه اللفظ وبين الشيء، إنّها بعبارة أوضح مطابقة الفكر لموضوعه.

المحور الأول : الحقيقة

الإشكال : ما علاقة الحقيقة بالرأي؟

أفلاطون : الحقيقة بناء عقلي يتعالى عن الحس.

يرى أفلاطون أن عالم المثل هو عالم المعقول والكمال والحقيقة المطلقة، أما عالم الحس فهو عالم الآراء والظلال وأشباه الحقائق فقط، فالحقيقة حسب أفلاطون تتعالى عن الواقع الحسي، ولا يتأتى إدراكها إلا بالتأمل العقلي والتخلي عن الآراء والمعتقدات الخاطئة التي تمدنا بها الحواس، فالحقائق المدركة عن طريق التأمل العقلي هي وحدها الحقائق اليقينية، أما الآراء والمعتقدات العامية فهي مصدر للأوهام والأخطاء التي تتنافى والمقولات العقلية التي تقتضي القطع مع كل معرفة حسية.

باشلار : الرأي عائق يحول دون بلوغ الحقيقة.

يرى غاستون باشلار أن الرأي هو أول عائق ينبغي تجاوزه لتحقيق معرفة علمية دقيقة، لأنه ليس ناتجا عن تفكير أو تأمل عقلي، بل هو مجرد انطباعات واعتقادات خاطئة يكونها الأفراد في علاقتهم المباشرة بالواقع. فالرأي، حسب باشلار، نوع من التفكير الخطأ، بل إنه ليس تفكيرا على الإطلاق، إنه صياغة خاطئة لمجموعة من الأفكار الشائعة والعامية، في حين أن الحقيقة وبالأخص الحقيقة العلمية تقوم وتتأسس على العقل وما يتطلبه من خطوات منهجية كالملاحظة والتجريب.

باسكال : للقلب (الرأي) دور في بلوغ الحقيقة.

يرى بليز باسكال أننا لا ندرك الحقيقة بواسطة العقل فقط بل بواسطة القلب أيضا، فهذا الأخير يدرك مجموعة من الحقائق التي يعجز العقل عن إدراكها، بل إن العقل يحتاج إلى حقائق القلب لينطلق منها بوصفها مبادئ أولية، فالقلب يشعر أن هناك مكان وزمان وحركة وأعداد وبعد ذلك يأتي العقل ليبرهن ويستدل عليها في شكل قضايا علمية. فإدراك الأفكار والمعارف هو حصيلة عمل كل من القلب والعقل معاً، يقول باسكال : "تعرف الحقيقة لا بواسطة العقل فقط وإنما بواسطة القلب أيضاً".

المحور الثاني : معايير الحقيقة

الإشكال : ما هي معايير صدق الحقيقة؟ هل مطابقتها للواقع المادي أم للعقل الصوري؟

ديكارت : معيار البداهة العقلية.

يرى رونيه ديكارت أنه من الضروري لبلوغ الحقيقة تجاوز الآراء والمعتقدات السائدة التي مصدرها التجربة الحسية، فالحقيقة هي ما ينتهي إليه العقل وليس ما تمدنا به الحواس، فكل القضايا البديهية والواضحة التي لا تقبل الشك هي قضايا صادقة ويقينية، والبداهة والوضوح، حسب ديكارت، خلاصة عمليتين عقليتين هما : الحدس بما هو إدراك عقلي بسيط ومباشر والاستنباط بما هو استنتاج قضايا جزئية من أخرى كلية يقينية.

جون لوك : معيار التجربة.

يرى جون لوك أن كل الحقائق مصدرها التجربة، وما العقل إلا صفحة بيضاء يستمد معارفه من التجارب الحسية عن طريق الحواس التي تمده بأفكار بسيطة ويعمل هو على التركيب بينها لإنتاج أفكار كلية كفكرة الجوهر، هكذا يكون معيار صدق الحقيقة هو مطابقتها للواقع الحسي التجريبي مطابقة تامة، فحين أقول مثلا أن الماء يتبخر بالحرارة يكون حكمي صادقا لأن الواقع يؤكده بالملاحظة الحسية والتجربة. فمعيار صدق الحقيقة حسب جون لوك هو التجربة.

وليام جيمس : معيار المنفعة والمصلحة.

يرى وليام جيمس أن معيار صدق الحقيقة هو تحقيق المنفعة والمصلحة، فالسلوك العملي النافع هو المعيار الوحيد لصدق الحقيقة، والفكرة مهما كانت، علمية أو دينية أو فلسفية أو سياسية أو اجتماعية تكون صحيحة وصادقة إذا أدت إلى نتائج عملية نافعة تفيد الفرد في حياته اليومية وتساعده على النجاح، إن النتائج أو الآثار التي تنتهي إليها الفكرة، حسب وليام جيمس، هي الدليل الوحيد على صدقها وصوابها.

المحور الثالث : الحقيقة كقيمة.

الإشكال : من أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ وهل هي غاية في ذاتها أم مجرد وسيلة؟

كانط : الحقيقة تستمد قيمتها من ذاتها.

يرى كانط أن الحقيقة تستمد قيمتها من ذاتها باعتبارها غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق غايات خارجة عنها، قول الحقيقة واجب أخلاقي مطلق، فلا يجوز الكذب والافتراء على الآخرين بدعوى تحقيق مصلحة أو منفعة ما، والذي يكذب على الآخرين، كيفما كانت نيته ومقاصده صالحة أو فاسدة، يجب أن يتحمل نتائج وتبعات كذبه لأن قول الحقيقة واجب أخلاقي لا يتنافى والواجبات القانونية التي تعاقب كل من أخل بها.

جيمس : الحقيقة تستمد قيمتها من تحقيق المنفعة.

يرى الفيلسوف البرغماتي وليام جيمس أن الحقيقة لا تستمد قيمتها من ذاتها بل من تحقيق منفعة أو مصلحة ما، سواء على مستوى الفكر أو الممارسة العملية، فهي إذن مجرد وسيلة يتم تسخيرها من أجل أغراض عملية وحاجات مادية وليست غاية في ذاتها، فالحقيقة إذن نسبية متغيرة، وقيمتها تقاس بمدى تأثيرها في الواقع، وتحقيقها للمنافع والمصالح الفكرية والمادية، إلا أن المنفعة المنشودة تهم الإنسانية جمعاء، لا الفرد الواحد، وخارج هذه الغاية تضيع قيمة الحقيقة وتصبح بلا معنى.

نيتشه : الحقيقة وهم منحه الإنسان قيمة.

يرى فريدريك نيتشه أن ما يسميه الناس حقائق ما هي في الأصل إلا أوهاما منسية فالحقيقة هي مجموعة من الاستعارات والكنايات والتشبيهات، إنها باختصار جملة من العلاقات البشرية أُعلِيَ من شأنها وزينت بالصور الشعرية والبلاغية وصارت بعد طول استعمال حقائق يقينية، مشروعة وذات سلطة قسرية، فالحقيقة إذن ليست قيمة في ذاتها، بل وسيلة لإضفاء معنى على الوجود الإنساني فقط.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-