ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : مسألة العلمية في العلوم الإنسانية


 ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : مسألة العلمية في العلوم الإنسانية

السنة الثانية من سلك الباكالوريا
جميع الشعب والمسالك

ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : مسألة العلمية في العلوم الإنسانية


المجزوءة الثانية : المعرفة

المفهوم : مسألة العلمية في العلوم الإنسانية


يقصد بالعلوم الإنسانية مجموع العلوم التي تهتم بدراسة الإنسان، كعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا...، وهي علوم نشأت ابتداء من القرن التاسع عشر، في محاولة لتفسير الظواهر الإنسانية وفهم الإنسان وجعله موضوعا مثله مثل باقي الموضوعات الطبيعية الأخرى، قابلا للدراسة العلمية باعتماد مناهج ونظريات غايتها تحقيق نتائج علمية صحيحة.

المحور الأول : موضعة الظاهرة الإنسانية.

الإشكال : هل الظاهرة الإنسانية قابلة للموضعة العلمية الموضوعية أم أن هناك عوائق تحول دون ذلك؟

بياجي : صعوبة موضعة الظاهرة الإنسانية.

يؤكد جون بياجي على صعوبة موضعة الظاهرة الإنسانية لأنها ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، تتداخل فيها الذات بالموضوع، حيث إن الإنسان الملاحظ هو جزء من الموضوع المُلاَحظ، بالإضافة إلى انتفاء شرط الحياد، حيث تبقى الذات الدارسة محكومة بمواقفها الفلسفية وتوجهاتها الإيديولوجية والتي غالبا ما تؤثر في ملاحظة الظاهرة الإنسانية ودراستها، الشيء الذي يجعل من عملية الموضعة عملية صعبة جدا.

ستراوس : الوعي عائق يحُول دون تحقيق الموضوعية.

يرى ستراوس أنّ الإنسان انتقل من موقع المُلاحِظ مع العلوم الطبيعية، ليتحول إلى موضوع مُلاحَظ مع ظهور العلوم الإنسانية، إن الوعي بهذه الثنائية يساعد على الفصل بين الذات الملاحِظة والموضوع الملاحظ، كسبيل لتحقيق الموضوعية والعلمية أثناء دراسة الظواهر الإنسانية. هذا من حيث ملاحظة الظاهرة الإنسانية، أما من حيث دراستها فيؤكد ستراوس على ضرورة عدم إشعار الأشخاص الملاحظين بأنهم موضوع تجربة، حتى لا يؤدي حضور وعيهم إلى تغيير مسار التجربة بصورة غير متوقعة، فالوعي هو بمثابة العدو الخفي لعلوم الإنسان.

الوضعيون : الظاهرة الإنسانية قابلة للموضعة.

يؤكد رواد النزعة الوضعية على قابلية الظاهرة الإنسانية للموضعة، فقد أسس أوغست كونت علما جديدا يعنى بدراسة الظواهر الاجتماعية أطلق عليه اسم "الفيزياء الاجتماعية" في إشارة إلى وجوب دراسة الظواهر الطبيعية باعتماد المنهج التجريبي على غرار الدراسات الفيزيائية. وهو الشيء الذي أكد عليه إميل دوركهايم الذي حث على ضرورة دراسة الظواهر الاجتماعية كأشياء وتطبيق مناهج العلوم الطبيعية عليها، لتحقيق الدقة والموضوعية وبلوغ حقائق ونتائج علمية دقيقة.

المحور الثاني : التفسير والفهم في العلوم الإنسانية.

الإشكال : هل يصح الحديث عن التفسير في ميدان العلوم الإنسانية أم أن الأمر ينحصر في الفهم فقط؟

كارل بوبر : فهم الظواهر الإنسانية لا تفسيرها.

يرى كارل بوبر أنه من الصعب تطبيق المناهج المعتمدة في العلوم الطبيعية على العلوم الاجتماعية، لما يوجد من فوارق عميقة بين علم الاجتماع وعلم الطبيعة، فقوانين الطبيعة تتميز بالثبات والانتظام في الزمان والمكان، في حين أن القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية تتميز بالحركية والتغير، كما أن الظاهرة الاجتماعية تتسم بخاصية النسبية التاريخية الشيء الذي يجعل منها ظاهرة غير قابلة للتفسير العلمي والدراسة الفيزيقية.

الوضعيون : قابلية الظاهرة الإنسانية للتفسير.

يؤكد الوضعيون أوجست كونت وإميل دوركهايم على أن الإنسان موضوع من موضوعات الطبيعة، وبالتالي فهو قابل للتحديد العلمي الدقيق ويخضع لقوانين الطبيعة ويقبل التجريب. لذلك فالظاهرة الإنسانية قابلة للتفسير العلمي بناء على قوانين ونظريات محددة. فقد فسر دوركهايم أسباب ظاهرة الانتحار ودوافعها وكشف عن التباين في معدلاتها بين مجموعة وأخرى، معتمدا على مؤشرات إحصائية ودراسات ميدانية تجريبية.

ستراوس : تتأرجح الظاهرة بين التفسير والتنبؤ.

يرى ليفي ستراوس أن علوم الطبيعة حققت تقدما كبيرا في تفسير الظواهر والتنبؤ بها، كما حدث مع الداروينية، وما يحدث في علم الأرصاد الجوية، إلا أن العلوم الإنسانية مازالت إلى يومنا هذا، تكتفي بتفسيرات فضفاضة تنقصها الدقة والموضوعية، ومن تم تظل هذه العلوم في وضعية حرجة تتأرجح بين التفسير والتنبؤ. غير أن هذا، لا ينفي عنها قيمتها العلمية، لأن المزاوجة بين التفسير والفهم من شأنه أن يسفر عن نتائج مهمة.

المحور الثالث : نموذجية العلوم التجريبية.

الإشكال : هل يجب أن تؤسس العلوم الإنسانية نفسها ضرورة على نموذج العلوم الطبيعية؟ أم على نماذج مغايرة؟

ميرلوبونتي : القطيعة مع نموذج العلوم التجريبية.

يرى موريس ميرلوبونتي أن المعرفة العلمية الموضوعية تشيء الإنسان وتجزئه، وتتجاهل تجربته الذاتية في العالم، تلك التجربة التي تشكل أساس المعرفة بذواتنا وبالعالم، لأنها لم تستطع النفاذ إلى أعماق الوجود الإنساني. لذلك يدعو ميرلوبونتي إلى القطيعة مع نموذج العلوم التجريبية لما في ذلك من موضعة للإنسان واستبعاد للمعيش اليومي، ومحاولة إدراكه كذات منتجة للقيم، تتقاسم هذا العالم مع الغير. فالذات هي المصدر المطلق لكل معرفة.

لادريير : الدعوة إلى النمذجة دون إلغاء فاعلية الذات.

يرى لادريير أننا إذا اخترنا تناول الوقائع الاجتماعية بوصفها أشياء، فإننا بذلك سنقصي من مجال المعرفة الإنسانية كل ما يتصل بالقيم والغايات والمقاصد. وإذا ما اخترنا تناول الوقائع الإنسانية بوصفها أشخاصا سقطنا في الذاتية، لذلك يبقى السبيل الأمثل لتحقيق العلمية هو التفاعل مع نموذج العلوم التجريبية دون إلغاء فاعلية الذات، إلا أنها علمية مغايرة للعلمية في مجال الظواهر الفيزيائية، غير أنها لا تؤسس لنمط في علوم الإنسان مغاير كلية لمنهج العلوم الطبيعية.

دوركاييم : ضرورة محاكاة النموذج العلمي.

يؤكد إيميل دوركاييم أن الظاهرة الاجتماعية قابلة للدراسة الموضوعية، فكل ما هو معطى أو يفرض نفسه على الملاحظة يعتبر في عداد الأشياء. إنّ دراسة الظواهر الاجتماعية يجب أن يتم في ذاتها، أي في انفصال تام عن الأفراد الواعين الذين يمثلونها نفسيا وفكريا. وينبغي أن تدرس كأشياء منفصلة عن الباحث، وهو بهذا التصور يدعو إلى التماهي ومحاكاة النموذج العلمي للعلوم التجريبية.
تعليقات