ملخصات دروس الفلسفة / الوضع البشري : مفهوم التاريخ


 ملخصات دروس الفلسفة /  الوضع البشري : مفهوم التاريخ

السنة الثانية من سلك الباكالوريا
جميع الشعب والمسالك

ملخصات دروس الفلسفة /  الوضع البشري : مفهوم التاريخ


المجزوءة الأولى : الوضع البشري / المفهوم : التاريخ


يقصد بالتاريخ مجموع الأفكار والمضامين التي أنتجها الإنسان في مكان وزمان ما، إنه تسجيل واستحضار للماضي والأحوال أو الأحداث التي مرّ بها الكائن الإنساني، وهو أيضاً، علم يبحث في الوقائع والحوادث الماضية، إنه ذاكرة الإنسان بمختلف أنشطتها المادية والفكرية.

المحور الأول : المعرفة التاريخية.

الإشكال : هل يمكن جعل أحداث التاريخ موضوع معرفة علمية؟

أرون : معرفتنا بالماضي معرفة صعبة ونسبية.

يرى ريمون أرون أن المعرفة التاريخية تتشكل انطلاقاً من تحليل المؤرخ للوثائق والآثار التي تركها السابقون، فهي تسعى إلى استحضار ما كان موجوداً ولم يعد له وجود الآن، إنّ معرفتنا بحاضرنا معرفة تلقائية ومباشرة في حين أن معرفتنا بالماضي معرفة صعبة ونسبية لا ترقى إلى مستوى العلمية لأن محاولة فهم وتفسير حياة السابقين علينا تتطلب عدة منهجية وجهداً فكريا.

غرانجي : المعرفة التاريخية ليست معرفة علمية.

يرى غاستون غرانجي أن التاريخ ليس علما من العلوم الإنسانية، بل هو معرفة إكلينيكية نظرية تتأرجح بين الرواية والأيديولوجيا، فالمؤرخ يوجد دائماً في وضعية يشوبها اللبس والغموض لأنه لا يستند إلى منهج علمي واحد بل يكون تارة عالم اجتماع وتارة عالم اقتصاد أو عالم لغة أو عالم نفس... الشيء الذي يجعل من المعرفة التاريخية التي يحصلها معرفة نسبية لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الموضوعية واليقين.

مارو : المعرفة التاريخية معرفة علمية دقيقة.

يعتبر هنري مارو أنّ المعرفة التاريخية معرفة علمية دقيقة تقوم على أساس منهج منظم وصارم هدفه الكشف عن حقيقة الماضي الإنساني، وليست عملاً أدبيا أو سردا لأساطير أو قصص خيالية أو حكايات شعبية...، فالتاريخ ضد كل التمثلات العامية الخاطئة عن ماضي الإنسان وتراثه. إنّ المعرفة التاريخية غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق غايات أخرى، يقول مارو "التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي".

المحور الثاني : التاريخ وفكرة التقدم.

الإشكال : هل التاريخ يسير سيراً تقدميا؟ أم أنه يعرف طفرات وقفزات وتحولات؟

هيجل : التاريخ يسير سيراً تقدميا.

لا يمكن الحديث عن مفهوم التقدم في تاريخ الفلسفة دون استحضار تصور هيجل الذي يؤكد أن التاريخ يسير سيرا تقدميا نحو تحقيق الفكرة المطلقة في الزمان كما تحققها الطبيعة في المكان، فحركة التاريخ هي حركة التحقق التدريجي والنهائي للفكرة المطلقة، وقد شبه هيجل التاريخ بكرة ثلج متدحرجة تراكم اللاحق وتحتوي السابق في سيرها المتنامي نحو تحقيق اكتمالها، وكل حقبة تاريخية هي ضرورية وحتمية في مسار تحقيق هذا الكمال والإطلاق. فالتقدم والحتمية، حسب هيجل، خاصيتان مميزتان لأحداث التاريخ.

ليبنتز : التاريخ تقدم في اتجاه الرقي.

يرى ليبنتز أنّ التقدم في التاريخ يسير دائما في اتجاه بناء حضارة راقية دون أن تكون له غاية محددة ونهائية تمثل مبتغاه وكماله، فهو سيرورة لامتناهية لا تخلو من آلام وأزمات إنسانية، فالتاريخ، حسب ليبنتز، لا يمكن أن يكون تاما ومكتملا، فمازال ينمو ويتقدم نحو تحقيق الخيرات، ليجد نفسه أمام أزمات لم تكن في الحسبان، فحرث الأرض وغرس النبات لا يمنع من أن يلحق الدمار والإتلاف أراض أخرى في مكان ما.

ستراوس : التاريخ عبارة عن طفرات وقفزات فجائية.

ينتقد كلود ليفي ستراوس مفهوم التقدم كما يتصوره رواد النزعة التطورية، مؤكدا أنّ التاريخ ليس سلسلة من الأحداث الضرورية، المنتظمة والمتصلة الحلقات، بل يتطور عبر قفزات وطفرات فجائية، فالتاريخ لا يسير سيراً تقدميا تصاعديا بل هو حركة مبنية على القطائع والانفصالات، فالإنسانية في تقدمها، حسب ستراوس، لا تشبه الفرد الذي يصعد سلما فيخطو خطوات دقيقة في اتجاه مسار واحد، بل تشبه لاعب النرد الذي يرمي بالمكعب رميات متعددة فيحصل على حسابات مختلفة غير متوقعة.

المحور الثالث : دور الإنسان في التاريخ.

الإشكال : ما دور الإنسان في التاريخ؟ هل الإنسان هو الذي يصنع التاريخ؟ أم أن التاريخ هو الذي يصنع الإنسان؟

هيجل : التاريخ هو الذي يصنع الإنسان.

يرى هيجل أنّ الإنسان ليس سوى وسيلة في يد التاريخ يحقق بها غاياته، فما اعتقاد الأفراد أنهم صانعون للتاريخ إلا نتاج مكر التاريخ نفسه، فالإنسان محكوم بضرورة تاريخية تعكس تطور العقل، والعقل هو جوهر التاريخ والمتحكم الرئيس في أحداثه، فالعظماء كالإسكندر ونابليون مثلا، ما هم إلا مجرد وسائل تحقق غايات العقل المطلق، فكل حدث من أحداث التاريخ إنما جرى وفقا لمقتضيات العقل الذي يرتب الأحداث العالمية لتحقيق إطلاقيته.

ماركس : الإنسان هو الذي يصنع التاريخ.

يرى كارل ماركس أن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم الخاص ولكن ليس بإرادتهم واختيارهم وإنما يصنعونه وفق شروط معطاة مسبقاً وموروثة من الماضي، إنّ التناقضات التي تظهر بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تؤدي إلى الصراع الطبقي الذي يعتبر المحرك الأساسي للتاريخ، فالإنسان صانع تاريخه ومبدعه. وبذلك يكون ماركس قد أسس تصوره للتاريخ على أساس مادي تاريخي خلافا للتصور المثالي لهيجل.

سارتر : الإنسان هو صانع التاريخ.

يدافع رائد الفلسفة الوجودية جون بول سارتر على الحرية الإنسانية، ويرى أنّ البشر يتمتعون بحرية مطلقة في تفسير ماضيهم والتحكم في حاضرهم والتنبؤ بمستقبلهم، فهم الذين يصنعون أحداث تاريخهم بكل وعي وحرية، بعيداً عن كل شروط موضوعية خارجية تسيرهم وتحدّد مصيرهم، فالتاريخ ليس نتاج شروط مثالية أو مادية، إنّما نابع من فعالية إنسانية وإرادة بشرية جماعية تسعى لتملك التاريخ وتسخير أحداثه لخدمة البشرية.


تعليقات