ملخصات دروس الفلسفة / المعرفة : النظرية والتجربة
السنة الثانية من سلك الباكالوريا
جميع الشعب والمسالك
المجزوءة الثانية : المعرفة
المفهوم : النظرية والتجربة
يقصد بالنظرية نسق من المبادئ والقوانين التي تنظم ملاحظة الباحث لظاهرة ما، قصد بناء معرفة حولها، أما التجربة فتشير إلى مجموع الخبرات والمعارف التي يكونها الإنسان في علاقته المباشرة بالواقع، وتحيل في المجال العلمي على التجريب، ويقصد به إعادة إحداث ظاهرة ما، ضمن شروط وظروف يصطنعها العالم للتأكد من صدق فرضية ما.
المحور الأول : التجربة والتجريب.
الإشكال : ما الفرق بين التجربة والتجريب؟ وما هي شروط التجريب العلمي وحدوده؟
ألكسندر كويري : ضرورة تجاوز التجربة الخام.
يرى ألكسندر كويري أن التجربة العامية الخام، لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكلاسيكي وشكلت عائقا في وجه تطور العلم وتقدمه، لأنها تفتقد إلى الدقة والموضوعية، أما التجريب باعتباره المساءلة المنهجية والرياضية للظواهر الطبيعية، فهو الذي ساهم في نشأة النظريات العلمية وتطورها. فالعلم لم يتقدم إلا بعد أن تم موضعة الظواهر الفيزيائية وإحداث قطيعة مع المنظومة العلمية القديمة المجردة. فكويري يؤكد على ضرورة تجاوز التجربة الخام وتبني التجريب العلمي كسبيل للمساهمة في تقدم العلم ونهضته.
برنار : الملاحظة والافتراض والتجربة ثم الاستنتاج.
يبرز كلود برنار خطوات المنهج التجريبي الذي يعتمد على الملاحظة الحدسية للظاهرة الطبيعية المراد دراستها، كمرحلة أولى، والفرضية كمرحلة ثانية يقوم أثناءها العالم بوضع افتراضات وتساؤلات قبلية، ثم تأتي مرحلة التجربة التي يتحقق خلالها العالم من افتراضاته بإخضاع الظاهرة المدروسة للتجريب المخبري، ليصل إلى استنتاج قانون عام يمكن أن يطبق على نطاق واسع، فصياغة نظرية علمية لابد أن يمر من مرحلة الملاحظة، والافتراض والتجربة، ثم استنتاج قانون عام.
روني طوم : الخيال شرط لبناء النظرية العلمية.
يؤكد روني طوم على أهمية الخيال في بناء المنهج التجريبي، فالتجريب وحده عاجز عن تفسير الظواهر الطبيعية واكتشاف الأسباب المتحكمة فيها، ولا يمكن له أن يكون علميا إن هو استغنى عن التفكير والخيال، فالتجربة العلمية، لا تنحصر في نطاق ما هو واقعي ملموس فقط، بل تنفتح على ما هو خيالي افتراضي، فكثير من النظريات العلمية، الفيزيائية والرياضية...، ما كان لها أن تتأسس لولا الاستعانة بالعمليات الذهنية في ظل غياب عتاد مخبري، فمهما بلغت قوة وصلابة التجربة لا يمكن الاستغناء عن التفكير والخيال.
المحور الثاني : العقلانية العلمية.
الإشكال : على ماذا تتأسس النظرية العلمية؟ هل على العقل أم على التجربة أم عليهما معا؟
أينشتاين : النظرية العلمية تتأسس على العقل.
يرى ألبرت أينشتاين أن النظريات العلمية هي إبداعات حرة للعقل البشري، فالعقل هو الذي يضفي على المعرفة العلمية تماسكها المنطقي، أما المعطيات التجريبية فهي مطالبة بأن تكون مطابقة للقضايا الناتجة عن العقل، فالعقل الرياضي وحده كفيل بتفسير الظواهر الطبيعية دون حاجة إلى التجربة، التي لا تلعب إلا دور المرشد من جهة، والمطبق للفرضيات العقلية من جهة أخرى. يقول أينشتاين "إنّ المبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة، بل في العقل الرياضي".
رايشنباخ : النظرية العلمية تتأسس على التجربة.
يرى رايشنباخ أن العقلانية الرياضية، بتعاليها عن الملاحظة والتجريب لا يمكن أن تؤسس لمعرفة علمية، فالمعرفة تكون علمية حين تتأسس على منهج تجريبي، في حين تصبح ضربا من التصوف والمثال، إذا تخلت وأهملت هذا المنهج. فالتجربة، حسب رايشنباخ، هي ما يضفي على المعرفة طابع العلمية لكونها تشكل مصدرا حسيا وواقعيا للحقيقة عكس المعرفة العقلانية التي تبقى معرفة نظرية تجريدية لا تلامس الواقع.
باشلار : النظرية تتأسس على العقل والتجربة معا.
ينتقد غاستون باشلار كل من النزعتين التجريبية والعقلانية، ويرفض اعتبار الواقع المصدر الوحيد لبناء النظرية العلمية، كما يرفض اعتبار العقل مكتفيا بذاته في بناء هذه النظرية، ويرى أنه لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار بين العالم العقلاني والعالم التجريبي. فباشلار ينفي إمكان قيام معرفة على العقل وحده أو التجربة وحدها، قائلا : "لا توجد عقلانية فارغة كما لا توجد مادية عمياء"، فالعالم الفيزيائي يجب أن يؤسس نظريته العلمية على التجربة والعقل معا.
المحور الثالث : معايير علمية النظريات.
الإشكال : ما هي معايير صدق النظرية العلمية وصلاحيتها؟
أينشتاين : العقل هو معيار صلاحية النظرية العلمية.
يرى ألبرت أينشتاين أن العقل وحده كاف في التحقق من صدق النظريات التي يستعصي عرضها على الاختبار التجريبي، فالتماسك المنطقي والترابط الداخلي لنظرية ما هو المعيار الأساسي لإبراز صدقها وسلامتها، ذلك أنه للتأكد من صحة نظرية علمية ما وجب النظر إلى البنية الداخلية لهذه النظرية من أجل إبراز الترابط والانسجام الموجود بين المقدمات والنتائج وبذلك يمكن التسليم بسلامة النظرية وصدقها.
بيير دوهيم : التجربة هي معيار صلاحية النظرية العلمية.
يرى بيير دوهيم أن تطابق النظرية الفيزيائية مع الواقع عند إخضاعها للتجربة هو المعيار الوحيد للتأكد من صدقها وصحتها، فالحسم في صحة وصلاحية النظرية العلمية يقتضي إخضاعها للتجربة، فإن هي توافقت مع القوانين التجريبية تكون النظرية قد أصابت هدفها وأثبتت صلاحيتها، وإن لم تتوافق معها وجب تعديلها أو رفضها. فالحسم في صحة وصلاحية النظرية العلمية يقتضي إخضاعها للتجربة وحدها وليس للفروض العقلية أو الاستنتاجات الرياضية.
كارل بوبر : قابلية التكذيب هو معيار صلاحية النظرية العلمية.
يرى كارل بوبر أن معيار التجريب ليس معيارا كافيا للتحقق من صدق وصلاحية النظرية العلمية، فالتأكد من صدق نظرية ما، يقتضي معرفة مدى قابليتها للتكذيب والتفنيد، فالنظرية التي لا تقبل التكذيب وتعتبر مسلمة مطلقة لا يمكن اعتبارها نظرية علمية صادقة. في حين إذا قدم صاحب النظرية الاحتمالات الممكنة لتكذيب نظريته وأبرز إمكانات هدمها وتجاوزها، أمكن قبولها مؤقتا. فكارل بوبر يخرج ويستبعد الماركسية والفرويدية من مجال المعرفة العلمية لأنهما نظريتان ميتافيزيقيتان ونسقان مغلقان لا يقبلان التكذيب والتفنيد.