پ

ملخصات دروس الفلسفة / الوضع البشري : مفهوم الغير


ملخصات دروس الفلسفة / الوضع البشري : مفهوم الغير

السنة الثانية من سلك الباكالوريا
جميع الشعب والمسالك


ملخصات دروس الفلسفة / الوضع البشري : مفهوم الغير


المجزوءة الأولى : الوضع البشري

المفهوم : الغير


يرتبط مفهوم الغير بالآخرين، ويتم تحديده بوصفه عالما إنسانيا، يقابله اللفظ الفرنسي Autrui. وعند استخدامنا للفظ الآخر Autre، يكون العالم الإنساني مجرد مستوى من مستوياته، ويشير فلسفيا إلى الأنا الذي ليس أنا، أنا يشبهني ويختلف عني في الآن ذاته، أي أنا آخر منظور إليه ليس بوصفه موضوعاً وإنّما بوصفه ذاتاً بشرية تملك وعيا وإرادة.

المحور الأول : وجود الغير.

الإشكال : هل وجود الغير ضروري لوجود الأنا أم لا؟


ديكارت : وجود الغير غير ضروري لوجود الأنا.

يرى رونيه ديكارت أن وجود الغير غير ضروري لوجود الأنا ما دام أن الأنا تحقق وجودها وتعي ذاتها بمعزل عن الآخر. فخلال تجربة الشك، التي أوصلته إلى حقيقة الكوجيطو "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، عاشت الأنا الديكارتية عزلة أنطولوجية مطلقة بعيداً عن الآخرين، فوجود الأنا هو وحده اليقيني والضامن ليقين كل وجود آخر، فوجود الأنا حقيقة يقينية بديهية لا تقبل الشك أما الغير فوجوده افتراضي استدلالي قابل للشك.

سارتر : وجود الغير ضروري لتحقق الأنا وعيها بذاتها.

يؤكد سارتر أن وجود الغير ضروري لوجود الأنا لتحقق وعيها بذاتها، فرغم أن وجود الغير يحد من حرية الأنا ويفقدها عفويتها وتلقائيتها، ما دام أنه ينظر إليها كموضوع وليس كذات حرة واعية، إلاّ أنه يبقى مع ذلك، الوسيط الذي لا غنى عنه بين الأنا وذاتها. إن نظرة الغير إلى الأنا هي التي تمكن هذه الأخيرة من الوعي بكثير من حالاتها النفسية والسلوكية، كتجربة الخجل مثلاً، التي ما كان من الممكن أن يحصل للأنا الوعي لها لولا النظرة التي تتعرض لها أثناء اللقاء مع الغير ومواجهته.

هيجل : وجود الغير ضروري لتحقق الأنا الاعتراف بها.

يعتبر هيجل أن الغير وسيط أساسي لتحقق الأنا الاعتراف بها كذات واعية ومستقلة، فكل من الأنا والغير يسعى لنزع الاعتراف به كذات حرة وواعية، إلا أن هذا الاعتراف لا يمنح بشكل سلمي، وإنما ينتزع عبر صراع يخاطر فيه الطرفان معا بحياتهما حتى الموت، ولكن الموت الفعلي لا يحقق هذا الاعتراف، بل يحققه استسلام أحد الطرفين بتفضيله حياة التبعية على الموت والفناء. وبالتالي فوجود الغير، حسب هيجل، ضروري لوجود الأنا، ما دام أن السيد لن يكون سيدا إلاّ بوجود العبد الذي يعترف له بهذه السيادة.

المحور الثاني : معرفة الغير.

الإشكال : هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟

سارتر : معرفة الأنا للغير معرفة مستحيلة.

يؤكد سارتر على استحالة معرفة الأنا للغير بسبب النظرة التشييئية، فالأنا تنظر إلى الغير كموضوع خارجي وتسلبه كل معاني الوعي والإرادة والمسؤولية، فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية، وما أن ينتبه إلى أن أحداً ما يراقبه وينظر إليه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. إنّ حالة التحول هاته هي التي تجعل من معرفة الأنا للغير معرفة خارجية وسطحية لا ترقى إلى مستوى المعرفة اليقينية الحقة.

ماليبرانش : معرفة الأنا للغير معرفة تخمينية.

يؤكد ماليبرانش على صعوبة معرفة الغير لأنه ذات أخرى مختلفة عنا، وأقصى ما يمكن بلوغه هو محاولة إسقاط فرضيات تدعي أن ما نشعر به هو نفسه ما يشعر به الآخرون ما دام أنهم من نفس فصيلتنا، إلا أن مبدأ الإسقاط والمماثلة هذا، ليس فعالا لمعرفة الغير، خاصة، حين يتعلق الأمر بالأحاسيس والانفعالات الذاتية. وبالتالي فمعرفة الغير تظل معرفة احتمالية تخمينية وليست معرفة يقينية، ما دام أن الأنا لا تستطيع أن تنفذ إلى أعماق الغير لإدراك حقيقة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته.

ميرلوبونتي : معرفة الغير ممكنة بالتواصل معه.

يرى ميرلوبونتي أن نظرة الغير لا تحول الأنا إلى موضوع، كما أنّ نظرة الأنا إلى الغير لا تحوله إلى موضوع، إلا إذا كان أحد الطرفين مجهولاً بالنسبة إلى الآخر أو متعاليا عليه، ولكن ما أن يهم الغير بالحديث إلى الأنا أو العكس، حتى ينشأ نوع من التواصل والحوار بينهما، ممّا يؤدي إلى تحقيق معرفة يقينية ببعضهما البعض، أساسها التعاون والمشاركة. فالأنا، حسب ميرلوبونتي، قادرة على معرفة الغير، والنفاذ إلى أعماقه إذا تخلت عن تعاليها، وحقّقت شرط التواصل اللغوي والوجداني معه، واعترفت به كذات واعية، حرة ومستقلة.

المحور الثالث : العلاقة مع الغير.

الإشكال : هل العلاقة مع الغير علاقة صداقة أم علاقة غرابة؟

كوجيف : علاقة صراع وهيمنة لنزع الاعتراف.

يرى كوجيف أن العلاقة بين الأنا والغير علاقة صراع دائم يتأسس على مبدأ الهيمنة والرغبة في نزع الاعتراف، فكل من الأنا والغير يسعى لنزع الاعتراف به كذات حرة وواعية، إلا أن هذا الاعتراف لا يمنح بشكل سلمي، وإنما ينتزع عبر صراع يخاطر فيه الطرفان معاً بحياتهما حتى الموت، ولكن الموت الفعلي لا يحقق هذا الاعتراف، وإنّما يحققه استسلام أحد الطرفين بتفضيله لحياة التبعية على الموت والفناء.

كونت : علاقة تكامل وتضامن.

يعتبر أغوست كونت أن الإنسان مدين للإنسانية بحياته وثروته ومعارفه... فما كان له أن يحافظ على بقائه ويبلغ أشده لولا الحماية التي وفرها له الآخرون من آباء وأبناء وأصدقاء...إنّ وصول الإنسان إلى الحالة الوضعية، التي تمثل حالة نضج العقل البشري، تحتاج إلى تجاوز المصالح الشخصية والسعي لتحقيق المصالح العامة المشتركة، الشيء الذي يقتضي انفتاح الأنا على الغير ونسج علاقات تكامل وتعاون معه.

كريستيفا : علاقة الأنا بالغير علاقة صداقة.

ترفض كريستيفا اعتبار الغريب هو ذلك الدخيل الأجنبي الذي يهدد وحدة الجماعة وانسجامها، وتؤكد بالمقابل أن الغريب حقا، هو ذلك الذي يسكن دواخلنا على نحو غريب، إنه ذلك المكون اللاشعوري المعبر عن تناقض الذات وتمزقها. الشيء الذي يفرض على الأنا أن تتخلى عن كل أشكال النبذ والإقصاء والتهميش تجاه الغير الغريب وتسعى جاهدة لنسج علاقات صداقة معه، أساسها الحوار والتسامح والاحترام المتبادل.


تعليقات