من ألبير كامو إلى ماريا كساريس
الأحد 17 جويلييه 1949
ريو دي جانيرو.
لاَ وِجْهَةَ لِهَذا القَلْبِ إلاَّكِ
حبّي.
لقد أصبت بخيبة مفجعة يوم الجمعة، عندما وصلت، ولم أجد أية رسالة منك. لكنها وصلت البارحة، واستطعت أخيرا أن ألقي القبض عليك ولو قليلا، كما أنت، وليس تخيُّلا.
أعتقد أنه قبل الكتابة لك بقلبي، لابدّ أن أجيب عن أسئلتك.
أولا سعيد أن مسرحية "أورفي" هي بصدد الإنجاز. لكني سعيد أقلّ، بسبب البرمجة الخارجية للعروض، في شهر سبتمبر. للأسف، لا نستطيع فعل أي شيء. الأهم من كل هذا، أن أمورك تحسنت قليلاً.
ثانيا يجب أن تقولي لكليرسن أن ينتظر نهاية الموسم، أو بداية الموسم الجديد. لمصلحته أولا، وأفضل للجميع أيضا. مسرحية واحدة تكفي بشكل مريح. في الحالة الذهنية التي أنا فيها، أشعر بنفسي عاجزا عن الدخول من جديد في أي نشاط عام، بكل ما يفرضه ذلك من شروط.
ثالثا أفترض أنك في باريس حتى نهاية جويلييه؟ وفي إيرمونفيل خلال شهر أوت كله.
رابعا. لا رأي لي في رحلة "بياريتس". لا أعرف لا الفوائد من ورائها، ولا الصعوبات التي ستواجهك. في النهاية، القرار يعود لك. ويجب اتخاذه على ضوء مصلحتك.
يبقى السؤال الشخصي. من جهتي، لا توجد لدي إلا رغبة واحدة فيما يخصك، كلما غبت عنك: أن أتأكد من وجودك في غرفة مغلقة بإحكام، حتى عودتي. وما دمت أعرف سلفا أن هذه الرغبة صعبة التحقق، أستسلم لبرنامج خروجك. وهذا كل ما أستطيع فعله. ليس عاشقا من لم يحلم بسجن مؤبد لحبيبته؟
خامسا. كانت هناك دوما في زوايا رسائلك، أشياء تطاردني. لماذا؟ "الآخرون الذين نلتقي بهم، في العمل، في الإذاعات، ناس الصدفة، لا أحب هذه الصدفة. لماذا إذن" أيها الليل، في مثل هذه اللحظات يصبح ملاذي الكتب. التسلية الوحيدة التي أقبل بها. بقية التسليات أرفضها في الوقت الراهن ولا أريدها. مما تخافين في النهاية؟ ألا ترين أن هذه الخشية تضعني داخل خوف مائة مرة أكبر أكثر صعوبة وألما. ربما كنت مخطئا، لأنك رفضت أي توضيح، وأنا أعتذر منك. قلبي يعيش في دوامة عنيفة منذ سفري، ولا شيء يخفف عنه، لا البلاد، لا الوجوه ولا العمل. لا وجهة لهذا القلب إلاّكِ، بحيرتي، وتعاستي البلهاء. لا أدري ماذا يحدث ولست فخورا بنفسي. ولكني أحبك وأحتاج إلى حنانك وتفهمك. رسالتك رائعة، مشحونة بكل ما أحبه فيك، وتنتابني رغبة في الصراخ عشقا فقط، عسى أن تقبلي بي كما أنا، ببلاهتي، مجردا من أي سلاح.
لكن من الأفضل أن أضع أمامك كل التفاصيل التي تطلبينها.
وصلنا يوم الجمعة فجرا. الخليج البحري للمدينة مدهش. أعفيك من التفاصيل التي ستجدينها في يومياتي. بمجرد أن رست السفينة في الميناء، حتى كان الصحفيون قد صعدوا على متنها. صور وأسئلة عن الوجودية. البرازيل من هذه الناحية، لا تختلف عن بقية البلدان. ثم ساروا بنا نحو رصيف الميناء. منذ النزول بدأت الدوامة. أذكر هكذا بدون نظام: فطرت مع كاتبي الذي يحمل اسم حنبعل. بعد الظهر التقيت بمترجم موليير الذي أضاف فصلا ل"مريض الوهم" لأنها لا تكفي لسهرة كاملة. كان هناك فيلسوف بولندي ثقيل كالرصاص، أزعجني، وبيولوجيون وممثلون سود، كانوا يريدون العمل على "كاليغولا". ثم العشاء مع شاعر كاثوليكي مصاب بالسكري، ورجل أعمال، على متن سيارة كريزلر ضخمة يقودها سائق بنياشين، ظل يردد بألم: "نحن ناس فقراء. بؤساء. لا يوجد رفاه عندنا في البرازيل." ولكنني سجلت المشهد كله. يوم السبت، تعشيت مع روائية مترجمة، وناقدة فنية، والتقيت بنفس المناسبة، مع روائيين آخرين وصحفيين، وغير ذلك. أختصر طبعا. يرعبني هذا النمط الحياة، على كل هي المرة الأخيرة. أقيم في السفارة الفرنسية، في جناح فارغ كليا. قادوني نحو أجمل فندق لديهم، على النمط الأمريكي، شكل من أشكل المجمّعات التي تعج بالبشر الغرباء والأغنياء. رفضت بصرامة ذلك بلا ندم. أقيم في بيت، غرفة وحمام، مع شرفة تطل على خليج بحري، برفقة خادم الطوابق الذي يريد أن يختص في هذا العمل، لكنه متردد بين الملاكمة والغناء. وأنام على سرير بلا قاعدة. قطعة خشب تقريبا. بالمقابل أعيش في سكينة ملوكية، وكم أنا في حاجة إلى ذلك.
الباقي من التفاصيل، هناك مدينة مضغوطة بين الجبال والخليج. تعج بالبشر في بعض الأوقات. مشوقة. الليالي جميلة فيها. على مدى الخليج البحري، وعلى امتداد الساحل، يجلس العشاق على الحواجز البحرية. أستمتع أحيانا بالمنظر. ذهبت البارحة مع ممثل أسود (الممثل البرازيلي حنبعل ماشادو) إلى احتفال زنجي ورقصت السامبا. لكني أصبت بخيبة من الطريقة التي يرقصون بها: بشكل خمولي، مع ريتم ثقيل، بلا أية أناقة. ترقصين عشر مرات أحسن منهم. شاهدت قبل أمس احتفالية "ماكمبا"، سأطلعك عليها. هي احتفالية رقص وأغان، حيث يستذكر سود هذه المنطقة الذين أسسوا معا الديانة الإفريقية، والديانة الكاثوليكية، القديسين مثلما، هو عندنا القديس جورج، ولكن بطريقتهم، أي بدعوة القديس للنزول معهم والاختلاط بهم. تخيلي الرقص والأغاني داخل مكان يشبه الكوخ، على الأرض والتربة، حيث تدوم الرقصات الليل كله لدرجة أن يسقطوا على الأرض الواحد تلو الآخر في حالة من الغشاوة المرعبة. استطعت أن أخرج سالما من هذا الرعب الجاذب.
لأكن أكثر دقة: أستيقظ صباحا على الساعة الثامنة، وأعمل على كتابة يومياتي وتأمل الفراغ. أفطر مرفقا. بعد الظهر أتجول في المدينة وضواحيها. ثم الغذاء جماعيا. بعدها يأتي العشاء الفضولي. النوم بين منتصف الليل والساعة الثانية.
اقرأ دون كيشوت، قبل النوم.
المراسلات. ترجمة واسيني الأعرج : ص: 145-148