من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : يا إلهي، كم أشعر بالألم.


من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : يا إلهي، كم أشعر بالألم.




من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو 

الاثنين 21 جوان 1949 


يا إلهي، كم أشعر بالألم.


اعذرني. اعذرني حبيبي. وجهك الجميل مرهق. 

نم حبيبي. نم براحة. من حقك أن ترتاح بسلام. 

اعذرني على قبحي. كنت سيّئة جدا. كيف حدث ذلك وأنت كل حياتي؟ 


أحبك كثيرا. ربما لست متعودة على الحب بهذا الشكل. لقد خدعني جنوني الهادئ أحيانا، شديد العنف في أحيان أخرى. لم أعد قادرة على التحكم فيه، على الرغم من أني أتدرّب على تحمله. جنون يتسع فيّ بشكل مخيف، ولا أدري إلى أين سيقودني؟ أصبحت حقيقة أخافه.  

إذا غبتَ عني فجأة، وإذا انتفيت نهائيا، وإذا كان مفروضا عليّ أن أعيش بفكرة أنك لم تعد موجوداً، فماذا سيحدث لي؟ أفكر في ذلك بلا هوادة. إذا كان كلّ هذا النحيب لا يوقظك، في هذا المساء، أظن أني سألبس ثيابي وأركض نحوك لأنك وحدك من يريحني. 

حبيبي. سيمضي هذا الأسبوع والأيام التي تليه، بدونك. كم ستكون قاسية، الشهور التي ستغيب فيها، من سيهدئني ويزرع الأمل فيّ؟ 


حافظ على نفسك. حافظ على نفسك جيدا، في السعادة والحزن. سعيدة دوما أنا من أجلك. كم أحتاج إلى حضورك، ابتساماتك، ضحكاتك التي تشركني فيها، الثقة التي تزرعها فيّ، الأسى والغضب التي تتسبب فيه. 


الآن أعرف أكثر من أي زمن مضى، كم أحبك. أتعرّف أخيراً على هذا الحب الذي يتجاوز أي حدود بين كائنين، الذي يخفي في داخله كل غنى الدنيا وبؤسها. كنت أحس به من قبل، بل حتى أني عاشرته.  اليوم هو هنا. بالضبط هنا. موجود ويمكننا أن نلمسه. 

فجأة أصبت بذعر. أستطيع أن أقولها أنت، لصديقي (أيضا). مرعوبة من شدة الخوف. حتى أني أحاول أن أقاومه. وأتخبط كما لو أنني وقعت في مصيدة. لكن شيئاً ما في داخلي يتمرّد.، يرفض، لا يريد أن يستسلم. 


اسمعني. نعم أحببتُ قبلك. لا سرّ في ذلك. ولكني لم أمنح أبدا أكثر مما أريد منحه. والآن، في اللحظة التي فات فيها الأوان لأمنحك كل شيء، أنت ترفض أن تقبل مني كل شيء، لأن ذلك لا يعني لك شيئا مطلقا، ولا تحتاج إليه، ها أنا ذي أقبل بكل شيء، بالرغم مني، فأنا بلا دفاعات، ولا أقنعة، وهذه هي المصيدة التي نُصِبت لي. كلّ ما فيّ من طاقة، ينتفض ضدها. أو ربما ضد طعم الوحدة المرّ.  

لا. أنت تمنحني الوحدة، لكنك تمنحني الحرية أيضاً. 


لا أعرف ولا أريد أن أعرف. لا جدوى من ذلك ما دام كلّ شيء قد ضاع سلفاً. حكايات لماذا؟ وكيف؟ تنهار كليا أمام فكرة أنك ستغادر، وأنّك ستضحك ربما، أو ستتألم وأنت بعيد عني. ولن أكون هناك للتخفيف عنك بمحاولة النظر إليك، بحب. 

يا إلهي، كم أشعر بالألم. 

لكن لماذا كل هذه الآلام؟ لماذا أحترق إلى هذا الحدّ؟ 

شهران ونصف من الغياب، سيمضيان بسرعة، وستكون بعدها هنا، في متناول يدي.


حبيبي هل يحدث لك أن تشعر بحياتي تنبض في داخلك؟  هل يمكنني أن أمنحك، ولو تمنّيا، بعض السكينة والامتلاء، وطاقة جديدة؟ لو كنت تدري فقط... 

أي إله قاس هذا الذي وضع بين عاشقين قريبين من بعض، هذه الفجوة من الفراغ التي لن نستطيع أبداً أن نسدّها؟ لماذا ممنوعة أنا من معرفة هل هذا الحنان الكبير الذي يملأ قلبي، سيصيبك؟ يطوقك، ويهدهدك هذا المساء، ويمنح نومك السكينة والهدوء، والنعومة التي تشبه هدأة موت القديسين؟ 


لماذا نصرخ دوماً بلا أصوات، ونظلّ نتخبط في عمق الليل؟ لماذا؟ لأجل من هذا كله؟ 


ربما من أجل الآخر؟ من أجلك. لأتمكن فقط من العثور عليك على وجه هذه الأرض، وإلا كيف كنت سأتعرف عليك إذا لم تكن الأوحد الذي سأجدني برفقته، في عزلتي. بعيداً عن وِحدتك وعن وِحدتي، في عمق ما عرفته عنّي، وما عرفته عنك بشكل غريزي، منذ اللحظة الأولى. 


هو ذلك بالضبط. أدرك الآن كم شعرت بنفسي دوما قريبة منك دائما، في ساعات يأسك وعزلتك. كنت أشعر بك مرتاحا، وقريبا. فجأة انتابني إحساس غريب وهو أن الدائرة التي تنغلق من حولنا وعلينا، جعلت كل شيء واضحاً. لم يكن ذلك رؤيا، ولكن نوعاً من وهم يشبه البرق، جميل وكامل وممتلئ. 

طبعا ستقول عني إني مجنونة، وغبية عندما تقرأ غدا هذه الرسالة. ليكن. لكن قلبي كان مثقلا وكان من الصعب عليّ أن أنام دون أن أكلمك. بدا لي أنّه لو حكيت لك عن كلّ ما يدُور برأسي، سأرتاح أكثر. بالفعل، وضعي أفضل. أفضل بكثير. 

لا تسخر مني. أقسم لك أني أردت فقط أن أفضي لك بحبي، وأني أحياناً لا أعرف كيف أتصرّف. ولهذا قرّرت أن أقول لك عن كلّ ما يمر بذهني. أن أفكر معك بصوت مسموع. لم أتجرأ يوما على فعل ذلك حتى لا أزعجك. ولكن بدءا من اليوم، وحتى شهر أوت (أغسطس) أي جنون سأكتبه لك في كراستي الخاصة، وستكون مجبرا على قراءته. التفكير في هذا وحده يضحكني. 

حبيبي. أغادرك وأقبلك كما سترى ذلك بعد قليل.


ترجمة : واسيني الأعرج




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-