من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : ماذا عليّ أن أفعل لأُسْمِعَكَ صرخة حبي؟


من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : ماذا عليّ أن أفعل لأُسْمِعَكَ صرخة حبي؟




من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو

باريس 23 جوان 1949. مساء


ماذا عليّ أن أفعل لأُسْمِعَكَ صرخة حبي؟ 



ليست هي المرة الأولى التي أكتب فيها لك منذ سفرك. لقد حكيت لك عن أشياء كثيرة لكنك لم تنتبه لها إلا ... في وقت متأخر. كانت لدي الشجاعة، الشجاعة الكبيرة والكثير من التحمل حتى المساء. مشيت أنا وبيتو كثيرا منذ مغادرتك، وكنت ما أزال أملك بعض الشجاعة. جد منهكة، مستسلمة وسط قوقعتي التي حوطت بها نفسي حتى أتحمل. وكاد أن ينهار كل شيء عندما عدت وحيدة إلى البيت. لكني، مع ذلك، قاومت حتى تمددت على سريري، وقتها انهار كل شيء، واستمر لحظات طويلة. 


هذا الصباح، استيقظت من جديد في "حالة موت" في دوامة المبهم واللاشيء، ولكن شيئا فشيئا كل ما يحيط بي يسحبني نحوك. كل شيء يوقظك فيّ، فيمنحني بعض الحياة، وبعض الألم. 


نمت طويلاً تحت الشمس. لا أدري لماذا، لكني لم أتوقف عن التفكير في فيردولو ٍVerdelot. الشمس والشرفة، وربما أنت أيضاً، قبل أن تغيب. فيردولو. ربما لم تفهمني أنت وقلبك؟ مع أن هناك شيئاً حقيقيّاً من وراء انكشاف الوهم، شيئاً لن يتكرّر الآن. وأنا أتصرف بعناد، كان لحظتها في عمق قراري بفكرة عدم اللحاق بك، نفسٌ من الحماقة لم يعد موجوداً اللحظة. الجزء اللامُبَالي الذي أسميته "عشق الأسطورة" لم يعد له أي معنى الآن.

 

حضُورك، أنت، جسدك، يداك، وجهك الجميل، ابتسامتك، عيناك المدهشتان الصافيتان، حضُورك والتصاقك بي، رأسك متخفيا تحت رقبتي، ذراعاك وهما تحيطان بي، هذا كل ما أحتاجه الآن.

 

شيء منك. رسالتك الصغيرة التي وصلتني هذا المساء. ياااه أية سعادة أحدثتها فيّ، وأي شقاء؟ قبلتها دون أن أعلم سرّ ذلك؟ بلا لغة فائضة، ولا رومانسية، أكاد أقول بشهوة لأنها منك وأستطيع لمسها. 


حبيبي. أحاول أن أتسلح بالشجاعة والصبر. أظن أن أقسى الشهور سيكون شهر جويلييه. عليّ تحمله، حيث سيكون أمل رسالة منك قليلاً. لكني لن أتوقف عن انتظار رسالة أولى منك. هذا يمنحتي القدرة على تحمل الوقت. 


بالنسبة للشقاء، متوفّر، لا تشغل بالك. لا تسأل، امرأة فقيرة وبائسة مثلي، لا يصلها شيء منك، ولا حتى أشياؤك الصغيرة، أصدقاؤك، لا شيء. لابدّ أن تكُون سعيدة جدّاً بهذا الحب الذي تركته بكلّ غناه لي وكلفتني برعايته، أشعر بثقل المسؤولية لدرجة الاختناق والموت في انتظار عودتك لتحرّرني منه. ربّما وجدتَني أنَا المتعودة على الموت، نائمة وبلا حراك، يوم عودتك؟ هل تملك القوة الكافية لإيقاظي؟ أما زلت قادراً على أن تكون أميري السّاحر؟

 

في انتظار ذلك، لا تنسَ أنّ عودتك أحتاجها جدا، فعُدْ لي، غير منشغل، مرتاحا، سالما، سعيدا. اهتم بنفسك جيدا حبيبي. أكثر مما تعودت أن تفعل. أكبر دليل للحب يمكنك أن تمنحه لي. كما تلاحظ؟ لم أجُعْ اليوم. وإذا حدث أني لم آكل شيئا ولا شيء في منتصف النهار (يحدث لي أن أقفز فوق وجبة من الوجبات). مساء غضبت من نفسي وأكلت بشكل جيد. 


الآن، الوقت متأخر، وحان وقت ذهابي للنوم، ولكنه من الصعب عليّ تركك. أحدثك منذ فترة طويلة (يمكنك رؤية يومياتي.) لكن فكرة أنها آخر رسالة أبعثها لك قبل الحائط، قبل الوِحدة، يمزقني بشكل فظيع. 


ماذا عليّ أن أفعل لأسمعك صرخة حبي؟ وحتّى يتردّد صداه من وراء البحار، فتركض راجعاً بسرعة إليّ، في كتاباتك الثمينة.


لا تنسني. لا تنسني أبداً. لك أن تعيش كما تشاء، ولكن هذه الحياة لن تشبهك. لهذا ثقتي فيك حبيبي بلا حدود. أنا أصلاً لا أثق إلا فيك. 

أحبك. 


مراسلات، ص: 122-123

ترجمة : واسيني الأعرج

تعليقات