من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس : أريد أن أصرخ أحياناً

من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس : أريد أن أصرخ أحياناً




من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس.

الأحد 26 جوان1949. 


أريد أن أصرخ أحياناً



حبيبتي. 

يوميان قبل أن أغرق في تلك القطيعة  التي لا أستطيع حتى تخيلها. 

يومان صعبان تؤثّثهما الليالي الحزينة المليئة بالصور السيّئة. إني أختنق حقيقة. بعض جملك التي تقْتَفي خطاي بلا توقف، ضيق بدء الرحلة، الكذب، الكذب بالخصوص، لأن حياة كاذبة لا أريدها. أريد أن أصرخ أحياناً.  

من حسن حظي، وصلت رسالتك في أشدّ اللحظات قسوة، فهزني الحب الذي فيها، الحنان الذي احتوته، أشكرك من كلّ قلبي. نعم. في مثل هذه الحالات، يحتاج المرء إلى الكثير من الشجاعة والقوة. لا تذهبي أرجوك، لا تتركي تلك الشعلة التي فيك، تنطفئ. سأحاول أن أستعيد أنفاسي هناك، وطاقتي وقوتي، وسأعود ممتلئاً بالحيوية اللازمة التي تسمح لنا بأن نظل في مستوى ما نحن فيه. 

هذه العودة حبيبتي ليست إلا أنت بملامحك الطيبة. 


جسدك...  تنهكني الرغبة بعض الوقت. ولكنها لا تتوقف عند حدود اللذة فقط، تتجاوزها إلى أبعد من ذلك، باتجاه ما هو أكثر سرية وعظمة فيك، وهو ما أتعطش له بشكل دائم. 


على كل، حتى صباح اليوم كنت منهكا، حينما طارت بي رسالتك بعيداً. افترضت أنها آخر رسالة أقرأها لك هذا الصباح، قبل أسابيع طويلة. وكنت ضائعاً. محروماً منك، وضائعاً. مع أنه عليّ أن أتجاوز هذه الكآبة اللعينة. سيساعدني البحر على ذلك. 


أشعر ببعض الخجل من نفسي، إحساسي بالجبن والرخاوة. لكن بعد العودة، ستجدينني أكثر قوة من أجلك ومن أجلي. ولكني أفضل ألا أتحدث الآن عن هذه العودة. 


حبيبتي الغالية، أفكر في وجهك المفرح: هو قوتي الحقيقية، وأملي. حافظي علينا. كوني جميلة دوما. واضحة وقوية. حضّري نفسك للسعادة المثلى، الواجب الوحيد الذي علينا القيام به. ولكن لا ترفضيني أبداً. استسلمي لي ليس كما يستسلم المرء لقدر فوق طاقة الإنسان، ولكن كما نستسلم لرجل بكل عظمته وضعفه. 

انتظريني حبيبتي، سأضع بين يديك، نفسي، وحبنا خلال هذا الغياب، بثقة عمياء بشكل مطلق. 

أقبلك بيأس دون أن أستطيع التنصل منك، ولا من الأرض التي تتنفسين عليها. 

إلى اللقاء. إلى اللقاء حبيبتي.



رسالة يوم الاِثنين 27 جوان 1949.


في آخر لحظة، هذه رسالة صغيرة فقط لأحيطك علما بخبر جميل. السفينة ستتوقف في مدينة داكار، في حدود 6 جويلييه. يمكنك أن تكتبي لي على العنوان التالي: 

A.C à bord du vapeur français CAMPANA, aux bons soins de la société des messageries du Sénégal. 35 Boulevard Pinet Laprade, Dakar. 


احسبي الوقت الذي تستغرقه الطائرة وابعثي لي رسالة، رسالة مطولة جدا يمكنها أن تملأ علي الخمسة عشر يوما القادمة من الصمت. احتمال أن أتمكن من الكتابة إليك. 

حبيبتي. لا تهتمي برسائلي المجنونة التي تصلك من حين لآخر، باستثناء جنون الحب الذي تحتويه. 

على متن السفينة سأكون شقيا لكن شريفا، وسأكتب لك بشكل أجمل. 

إلى اللقاء حبّي. 

سأمحو كل ما سبق من كلمات لا معنى لها على الورقة. 

حضورك هو ما أحتاج إليه، وأنتظره. 

المراسلات. ص: 124-125


ترجمة : واسيني الأعرج 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-