من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس : لا أنتظر انتصاراً ولكن أملاً


من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس :  لا أنتظر انتصاراً ولكن أملاً


من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس 

الأربعاء أول جوان 1949  


لا أنتظر انتصاراً ولكن أملاً. 



حبيبتي

يجيء الليل سريعا، وينتهي آخر يوم لي أتنفس فيه نفس هوائك. هذا الأسبوع كان فظيعا، وكنت أظن أني لن أخلص منه نهائيا. الآن، قد حان موعد السفر. أقول في نفسي ما زلت أفضل الوحدة وحرية البكاء، إذا ما انتابتني الرغبة. وأقول أيضا، لقد حان الوقت أن أقاوم بالتحمل الضروري. ما يجعل أمرنا صعبا، هو صمتك والذعر الذي يخلفه فيّ. لا أتحمل أبدا، صمتك هذا، وصمتك السابق، أراك بجبهتك المعقوفة ووجهك المغلق. يتجمع بين حاجبيك كل غضب العالم. وأتخيلك اليوم أيضا غاضبة، أو غريبة، أو غير معنية، متجاهلة كل هذه الأمواج التي تجتاحني. أحاول جاهداً أن أنسى ذلك كله لدقائق، وأحدثك قبل أن أخرس طوال الأيام القادمة. 


أضع كل شيء بين يديك، وأنا أدرك أنه في الأيام القادمة سيخف الصراع ويشتعل. في النهاية، تنتصر الحياة. في العزلة، الآلام تعمي. لن أطلب منك المستحيل، سواء كنت حية أو منطوية، حافظي على مستقبل حبنا. وما أتمناه، أكثر من الحياة نفسها، أن أعثر عليك من جديد بوجهك البشوش. واثقة ومصممة على الانتصار معي. عندما تصلك هذه الرسالة، أكون في عمق البحر. الشيء الوحيد الذي يساعدني على تحمل هذا الفراق، هذا الفراق المؤلم، هو الثقة التي وضعتها أبداً فيك. كل ما صعب عليّ التحمل، استسلمت لك بلا أدنى تردد، ولا أي سؤال. غير ذلك، أحاول أن أعيش كما أستطيع. 


انتظريني كما أنتظرك. لا تنكفئي على نفسك. إذا لم يكن بإمكانك أن تفعلي شيئا، عيشي. كوني مشرقة، وفضولية، وابحثي عن كل ما هو جميل، اقرئي ما تحبين قراءته، وعندما يحين وقت استراحتك، التفتي نحوي، كما أفعل أنا. 


أعرف الآن عنك وعني أكثر مما كنت أعرف سابقا. لهذا أنا مدرك أن فقدانك هو موتي بشكل ما. لا أريد أن أموت ويجب أن تكوني سعيدة دون أن تشعري بنفسك مهزومة. كيفما كان الطريق الذي ينتظرنا، قاسيا ومؤلما علينا خوضه. 

إلى اللقاء حبيبتي. طفلتي الغالية. إلى اللقاء. قاسية، وناعمة، ناعمة جدا عندما تريدين. أحبك بلا ندم ولا حدود، وبكل ما أملك من اندفاع صريح. ممتلئ بك كليا. أحبك كما الحياة، في سقف سموها. وأنتظرك بكل عناد وإصرار شديد يساوي عشرة أعمار، بحنان لا ينفذ. شعلة الرغبة التي فيّ تجاهك تشتعل، فأزيد عطشا لقلبك. أقبلك. أضمك. 


إلى اللقاء مرة أخرى. غيابك صعب جدا. ولكن كل سعادات الدنيا لا تساوي لحظة ألم تصيبك مني. يوم تضعين يديك مرة أخرى على كتفي، سيكون ذلك أجمل تعويض ختامي. أحبك. لا أنتظر انتصارا ولكن أملا. 


يا إلهي ما أصعب أن نفترق؟ سيغيب وجهك أكثر في ظلمة الليل، ولكني سأعثر عليك ثانية وسط هذا المحيط الذي تعشقينه كلما حل المساء عندما تسرق السماء لون عينيك.

إلى اللقاء. 

قلبي موجوع وممتلئ ألما. ولكني أدرك أن الحياة الحقيقية التي سأسرقها من شفتيك بدءا من اللحظة، ستبدأ بعد شهرين. 

المراسلات، ص 130-131

ترجمة : واسيني الأعرج 

تعليقات