من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس : مكتئب ولا شيء في رأسي غيرك



من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس : مكتئب ولا شيء في رأسي غيرك




من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس 

الاثنين مساء، 3 جانفي 1949


مكتئب ولا شيء في رأسي غيرك



لم تصلني إلا اليوم رسالة الخميس. 

كنت أعرف سلفا أن احتفالات وعطل عمال البريد، مسؤولة عن تأخر وصول الرسالة، لكنّني في هذه الأيام أشعر بنفسي عصبيا. البارحة بعد عودتي إلى البيت بدأت أكتب لك رسالة مجنونة قليلا، ثم اخترت بعدها النوم والسكينة والانتظار. في الوقت نفسه كانت هديتك الثمينة (الرسالة) تسافر نحوي. وصلتني هذا الصباح. 

واضح أنك بين يومي الخميس والأحد لم تكتبي لي، مع أنه ليس صعبا كتابة رسالة تجلب لي السعادة. هناك أشياء تكتبينها أحيانا، دون أن تدري، تسعد قلبي أكثر من سخاء السماء كلها. 


أكتب لك بسرعة لأقول لك هذا. لقد تم تأخير العملية الجراحية الثانية أسبوعا آخر على الأقل. مضطر للعودة دون انتظار العملية. أكّد لي الطبيب على نجاحها. هذا يعني أن المسكينة ستتأجل وفاتها بسنتين أو ثلاث سنوات أخرى. كل ما كانت تريده (خالتي) هو رؤيتي، وهي من شجعني على العودة (هي لا تعرف طبيعة مرضها). سأحاول أن أحجز في أقرب رحلة. وقد أصل لحظة وصول هذه الرسالة. سأكلمك في حالة ما إذا كنتِ قد قررتِ السفر في اليوم نفسه، إلى المحيط. 


في الحقيقة لم أعد قادرا على التحمل هنا. مكتئب ولا شيء في رأسي غيرك. 

سأعود محملا بمشاريع حقيقية: نحن، وبعدها عملنا. لابد أن أنتهي من كتابة مسرحيتي، وكتابي عن الرجل المتمرد. ساعديني على إتمام ذلك. تستطيعين، بتذكيري مثلا بضرورة احترام النظام. أن تهزيني كلما تراخيت أو تشتتُّ. 

أريد أن أبتعد عن كل شيء، إلا عن مشروعي، طوال المدة اللازمة. 

أحبك، جميلة ومتوحشة، مثلما أشتهي رؤيتك في هذه اللحظة. 


أفكر فيك وأراك، كما في ذلك الفيلم حيث أحببتك بقوة: أجمل الوجوه، روح شفافة، ألم... نعم، كم كنت جميلة كما تتقنين فعل ذلك أحيانا وأنت معي، كما في تلك اللحظة الحادة التي يتماهى كل شيء، حيث لا سعادة ولا شقاء، الحب وحده، بصمته هو السيد. تشبهين تلك السواحل التي تعشقينها حيث لا نهاية لامتداد السماء. 


أحبك. 

أتمنى أن تكون هذه آخر رسائلي قبل وصولي. سنعيش بعدها معا، الواحد بالآخر. أي قوة وأي سعادة أشعر بهما الآن؟ مثل اللحظة التي سأقبلك فيها. 

قريبا. 


فكرت فيك طويلا هذا المساء، أثناء العرض الشهري لمسرحية: حالة حصار. قرأت في الجرائد المحلية أنه سيتم استبدال المسرحية بعرض آخر لمارسيل آشو. أتمنى أن يحتفظوا على الأقل بعرض فصلي. 


المراسلات: ص: 114-115


ترجمة : واسيني الأعرج 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-