مقتطف من رواية البيت الذهبي لـ سلمان رشدي

 

مقتطف من رواية البيت الذهبي لـ سلمان رشدي



مقتطف من رواية البيت الذهبي لـ سلمان رشدي

ترجمة : خالد الجبيلي



لكن في ذلك الوقت، بدأ غورباتشوف يدير حديثاً معه، "إذاً الآن، يا سيد غولدن، بزواجك من هذه الزوجة الروسية الرائعة، فقد أصبحت واحداً منّا، يمكنني أن أقول ذلك، ويمكنني أن أرى أنك رجل على قدر من الأهمية، فاسمح لي أن اسألك..." إلاّ أن هذا لم يكن غورباتشوف الذي يتكلّم، بل مترجمه الشخصي الذي لعله يدعى بافل، ينظر من فوق كتف غورباتشوف، من وراءه كأنه رأس ثان، وكان يتحدّث بسرعة بعد الرئيس السابق، وبدا كأنه يتكلم بالتزامن معه، وهذا يعني أنه إمّا أنه كان أعظم وأسرع مترجم، أم أنه كان يختلق جملاً وعبارات باللغة الإنكليزية، أو أنّ غورباتشوف كان يردد نفس العبارات دائماً. في جميع الأحوال، لم يكن نيرو غولدن في غضبه الشديد والمتزايد من تصرّف فاسيليسا يسمح له بأن يستجوبه ضيف الشرف، فقاطعه ليسأل سؤالاً خاصاً به.

فقال: "حكى لي شركاء في العمل في مدينة لايبزيغ، في جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقاً، قصّة مثيرة للاهتمام، وسأكون مسروراً لأن أسمع تعليقك عليها"..

تجهّم وجه غورباتشوف، وسأله: "ما هي القصّة"، سأل رأسه الثاني، بافل.

"خلال الاضطرابات التي جرت في عام 1989"، قال نيرو غولدن، "عندما لجأ المحتجّون إلى كنيسة توماسكيرتش، كنيسة باخ، أراد الأمين العام للحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية آنذاك، إريش هونيكر، أن يرسل جنوداً مدججين بالسلاح لإبادة جميع المحتجين، ليضع حداً للثورة. لكن لكي يتمكن من استخدام الجيش ضدّ المدنيين، كان عليه أن يتصل بك لتمنحه أذناً بذلك، لكنك رفضت أن يفعل ذلك، ثمّ، بعد أيام فقط، سقط الجدار".

لم ينبس غورباتشوف ولا رأسه الثاني بكلمة.

"لذلك فإن سؤالي هو"، قال نيرو غولدن، "عندما تلقيتَ تلك المكالمة الهاتفية وسُئلت ذلك السؤال، هل كان رفضك غريزياً أم تلقائياً... أم أنك فكّرت في الأمر؟"

"ما الهدف من هذا السؤال؟" سأل غورباتشوف بافل بوجهين مقطبين.

"الهدف هو إثارة مسألة قيمة الحياة الإنسانية"، قال نيرو غولدن.

"وما رأيك في الموضوع؟" سأل الغورباتشوفان.

"لقد علّمنا الروس دائماً"، قال نيرو، لم يكن ثمة شكّ الآن في نبرته العدائية المتعمّدة، "بأنه يمكن القضاء على حياة الفرد عندما تتعارض مع أسباب الدولة. إننا نعرف ذلك جيداً من ستالين، ومن جريمة قتل جورجي ماركوف بواسطة مظلّة سُممّ طرفها في لندن، ومن تسميم المنشق عن الاستخبارات الروسية (كي جي بي) ألكسندر ليتفينينكو بمادة البولونيوم، وذلك الصحفي الذي دهسته سيارة، وذلك الصحفي الذي مات بالمصادفة أيضاً. أما بالنسبة إلى القيمة الإنسانية، فإن الروس يرشدوننا إلى الطريق إلى المستقبل، وهذا ما تؤكده الأحداث في العالم العربي، وسيزداد ذلك قوة وحدّة قريباً. لقد مات أسامة، ولا توجد لديّ مشكلة. لقد ولىّ القذافي، بوووف، فليذهب. لكننا سنرى الآن أن نهاية الثوريين ستأتي على يد الروس قريباً أيضاً، وسيعيش الكثيرون حياة قاسية جداً. لا توجد للأحياء أهمية كبيرة في مخططاتهم العالمية".

خيّم صمت على المائدة. ثمّ تحدّث رأس غورباتشوف الثاني مع أن غورباتشوف نفسه لم يقل شيئاً، "جورجي ماركوف"، قال الرأس الثاني، "كان بلغارياً".

ثم أجاب غورباتشوف ببطء شديد، باللغة الإنكليزية، " ليس هذا هو المكان المناسب لمناقشة هذه المسألة".

"أستأذنك الآن"، أجاب نيرو، مومئاً برأسه. ثم رفع ذراعه فنهضت زوجته على الفور من طاولة أصدقائها ولحقت به إلى الباب. "ليلة رائعة"، قال له لجميع في الصالة، "شكرنا".




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-