من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس : في غيابك، باريس جزيرة موحشة


Correspondance




من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس 

أول جانفي 1949


في غيابك، باريس جزيرة موحشة



حبيبتي. 

تبدأ السنة الجديدة دون أن أتمكن من ضمك بين ذراعي. لم أشعر أبدا في حياتي بمرارة غيابك، مثلما أشعر الآن. صحيح أنك لم تكتبي لي، وهذا يشغلني بلا حدود. لو لم تصلني رسالتك وبرقيتك، والهزة التي أحدثاها فيّ، لكنت الآن في أسوأ حال. أملي أن تكوني قد كتبت لي منذ ذلك الوقت، لأجدك ثانية. 

ستخضع خالتي لعملية جراحية للمرة الثانية، الثلاثاء أو الأربعاء. يمكنني أن أغادر بعدها بيومين. إذن، سأكون في باريس في نهاية الأسبوع، على أقصى تقدير. ستكون الرحلة ليلية، وسأصل في وقت مبكر إلى مطار أورلي. عليّ أن أنتظر هناك حتى تستيقظي من نومك، وآتي لأراك. ستنتابني الرعشة، وأنا في المصعد، وكأني سأراك للمرة الأولى. 


هل فكرتِ فيّ البارحة، في منتصف الليل؟ 

أنا مثلا فكرت فيك جدا وبكل قواي، وظللت في حالة إصغاء لنداءات الحب. 

تعشيت مع قريب، في أحد النوادي. كانت هناك شابة أزعجتني كثيرا بعد أن أخفقت في جذبي نحوها. في الأخير أخذت الثور من قرنيه، كما يقال، إذ كان يبدو لها من غير اللائق أن يفضّل رجل البقاء وحيداً في عيد رأس السنة. طبعاً من غير اللائق، ولم أكن أرغب في ذلك. تمنيت أن أكون برفقتك. أن أشعر بيديك على كتفي. في الأخير، دفعت ب "الأخت المحسنة"، إلى التخلّي عني. وعندما انتصف الليل، كنت وحيدا في مواجهة البار. حتى عندما انطفأت الأضواء إيذانا بالسنة الجديدة، شربت كأسي وكنتِ معي، بسعادة وحزن ثقيلين. هذه هي حالة الشخص العاطفي كما ترين. ولكن مع ذلك، انتابني إحساس غامر بحضورك، وأني لم أكن وحيداً. ثم عدت إلى البيت تحت سماء مرصعة بالنجوم، الضخمة والدافئة. 


إذا كتبت لي، احكي لي كيف قضيتِ ليلة رأس السنة؟ وأنت بعيدة عني آلاف الكيلومترات، وحيدة أليس كذلك، مثل حالتي؟ 


الأمور اليوم، ليست على ما يرام. أريد أن أعود بأقصى سرعة ممكنك ولقائك. أشعر أن ساعة من الساعات التي تهرب مني، تخرب أثمن ما لدي في الدنيا. وباريس التي تبدو لي اليوم مرفأ يضج بالحياة، حيث أشتهي الهرب نحوه، يمكنها أن تصبح في ثانية، وأنت بعيدة، جزيرة موحشة. 


هذا كله حماقة لا معنى لها. 


أشعر بنفسي هنا، في حالة ضيق ولا حل يريحني إلا لقاءك، ولأجد نفسي معك في الوقت نفسه. 

حتى وقت سفري إلى أمريكا الجنوبية، أتخلّى عن العالم كله، والاكتفاء بالعيش بك وبي.   

قد يكون ما أكتبه رسالة بلهاء، ولكن ربما تكونين قد أحسست بشيء من هذا الحب المرهِق الذي يحييني. أكتبي لي أرجوك، حتى أتحرر وأكون أقل التصاقا بحيرتي. 

حتى ذلك الوقت، احتفظي بي قريباً منك، أمام تلك المدفأة التي أفكر فيها دوما. 

أقبلك وانتظرك. 

المراسلات، ص: 111-112.

ترجمة : واسيني الأعرج





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-