من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : أرتجف من شدة الدهشة والخوف والأمل أيضاً


ألبير كامو




من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو 

الثلاثاء وليس الخميس، 30 ديسمبر 1948.


أرتجف من شدة الدهشة والخوف والأمل أيضا




لا أعرف مطلقا حتى كيف أني مازلت قادرة على العيش. 

وصلتني رسالتك الأولى. أنت تحبني؟ أكيد، وإلا ما أحسستك منشغلاً، من خلال قراءتي لرسائلك، بانكساري وفرحي، لو لم تكن تحبني. إذن، من المؤكد أنك تحبني. 

وهل هناك أمنية أكثر من هذه؟ 


إذن لا تقلق. أنا بخير، بل تنتابني أحياناً نوبات من الضحك من فرط السعادة، أمام حيويتك التي تدفع بها مدينة الجزائر نحو الأقاصي. أنا في وضعية مثالية لحبك بقوة واستقبال كل ما يأتي منك بالضبط مثلما تريده. 


أنا سعيدة. حتى ولو أني لم أستطع النوم طوال هذه الأيام والليالي الطويلة، من شدة التفكير بقوة وبجدية دائمة. في مثل هذه اللحظات بالضبط يحدث أن أستمتع بطعم هذه السعادة غير المسبوقة، الخالية من أي جنون أو عمى. وأشعر حقيقة أنه لا شيء يمكنه الآن أن يدفع بي نحو حالة دوار عابرة ومؤقتة. السعادة غير المسبوقة هنا، جادة، متبصرة، وصارمة، تجعلني أرتجف من شدة الدهشة والخوف والأمل أيضا. تدوخني وتسبب لي قلقا ساخنا، فأشعر بنفسي امرأة... امرأتك.


كيفك؟ كيف أيامك الصعبة هناك، وكيف تعيشها؟ هل أنت حزين؟


ومتى تعود لي؟ ما أطول هذه الأيام، وما أصعبها. 


لماذا تبدو لي الأيام في غيابك، أطول من الأيام التي قضيتها في جيفرني.  لماذا يحدث أن يسعدني هذا الغياب؟ لماذا وأنت تغادرني، زرعت في داخلي فجأة حياة مرتبكة مثل جنين أحمله في رحمي، بكل فخر. 

لماذا يحدث هذا كله، وبشكل فجائي الآن؟ وليس قبل أو بعد، أو أبدا؟ 



هل هي معجزة؟ بركة؟ 

حلمتُ (سامحني). رأيتني خاشعة على ركبتي، وفي أعالي مذبح إيماني، سمعت صوتك يحدّثني. صوتك الذي لا يمكنني أن أشكّك فيه أبداً. 


ومع ذلك، فكل ما يحيط بنا ضدنا. كل شيء، بدون استثناء. أعرف ذلك أكثر من أي زمن مضى. أقلّب المواجع، ثم أقلبها ثانية، وفي كل الاتجاهات، لكن بلا جدوى، لا حلّ في الأفق. هكذا تمضي أيامي وليالي منذ سفرك. 


عد بسرعة حبيبي، قدر ما تسعفك ساقاك. الآن وقد ملكتُ ثقتي اللامحدودة فيك، في نفسي، فينا، تستطيع أن تعلمني كيف أثق في الحياة؟ 


إذن، كل شيء سيحدث من تلقاء نفسه... سآخذك في عمق الرياح والأمطار الغزيرة، وسأسحبك نحو حجارة الشطآن حيث الموج المعطر برائحة عشب البحر. وسأشرح لك أيها "البحيرة التي تحرقها الشمس"، وأحبّب لك هذه الحركة اللانهائية الرطبة والمالحة حيث لا يمكن للمرء أن يعيش إلا في الماضي لأن اللحظة الحاضرة منزلقة ويصعب القبض عليها. 


أحبك. اكتب لي. قبِّل أمك في مكاني، دون أن تشرح لماذا. 

أحبك. عد لي بسرعة. بأقصى سرعة ممكنة. وحاول أن تكون هادئاً ومرتاحاً. أنا قريبة. قريبة جدا منك. ملتصقة بك، عاقلة ومرتعشة... ودافئة. دافئة، أستطيع أن أقولها لك ما دمتَ "ثورا". 


ليلة سعيدة.  


المراسلات ص: 103-104.

ترجمة : واسيني الأعرج 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-