من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : لو فقط تستضيفني قليلاً في داخلك.


من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو : لو فقط تستضيفني قليلاً في داخلك.





من ماريا كازاريس إلى ألبير كامو

السبت مساء، أول جانفي 1949


لو فقط تستضيفني قليلا في داخلك.



حبيبي

ها أنا ذي مستسلمة للحديث معك، ألصق شفتي بشفتيك. إلا أن (بي رغبة للضحك من فرط السعادة) السعادة الكثيرة والكثيفة والمرتبكة جدا، أكبر من أن أتحملها. لكن لا تهتم، كل هذه الأشياء التي تتزاحم في داخلي بقديمها وجديدها، تتداخل بفوضى، لكني أشعر بلذتها وهي تقطر كأنّها عصير مصفى. مثقلة بالنسغ، ولا أتخيلها تنطفئ هكذا بمجرد الرغبة في ذلك.



خائفة. 

أنا أيضا أخاف. مرعوبة. وإذا كنت تراني منكفئة على نفسي، أحاول أن أخفي في داخلي هذا الكنز الذي اكتشفته فجأة، لابد أنك تشعر على الأقل براحتي الفجائية، فيدفعك ذلك إلى خشية أقل عليّ. 

وعلى كلّ، يلاحَظ ذلك بسهولة. لكني خائفة ولا أعرف لماذا، ولأول مرة في حياتي، أهرب بنظري عندما ينظرون إليّ كثيراً.  


أما عن سبب هذا الخوف ومصدره، أنتظرك حبيبي، لنوضح ذلك معا نحن الاثنين. لو تستضيفني في أعماقك قليلا، كما ستفعل، سأكون أخيراً شفافة بشكل مطلق. 

ومع ذلك فالأمور ليست بكل هذا السوء. فأنا أرى من وراء الستار، كل شيء، بطيبة واستكانة ربما لأني أرى الأشياء بمودة ربما لأني أحب كل ما يحيط بي. 

بالنسبة لوضعنا، فأنا أؤثّثُ يومياتي بالحب. كل حياتي اليوم، هي حب. جزئية صغيرة مستقلة، أسوقها لك كمثال توضيحي: مثلا، فاجأت نفسي أشتهي طفلا منك وأراك بالقرب مني يوم الوضْع. 


آه حبيبي لا تعذب نفسك. ليس مهما، لقد تراجعت بسرعة عن هذه الرغبة. لا يمكن لأمر مثل هذا أن يحدث، ولم أشعر إلا بثقل ألم عميق وهادئ جدا. 

لا تقل شيئا عن حبّنا لأمك. هي بعيدة جدا، بحبها الكبير لك، يمكن أن يهزها ذلك بعنف. وأكثر من هذا، لا تفتح الموضوع مع أي كان. 


أنا خائفة.

لحظة، كلمني أنا فقط بقناع شخصية ثانية. لن تجد من يسمعك بجدية مثلي. 

حبيبي. 

فكر جيدا. نعم، لقد وصلنا إلى درجة من القبول والاستسلام لبعض، لا قوة تستطيع فيها تفريقنا أبدا. لهذا، قبل أن نقرر، فكر جيدا. لا قوة تدفعك للتوبة عن حماقة ندمت عليها، كما في المرة الماضية.  

الأمر خطير جدا ولنا من الأعداء ما لا يمكن عده. عد بسرعة وأخرجني من هذا الحزن الذي ينتابني كلما بقيتُ وحيدة، برفقتنا فقط. 

تعال بسرعة. أنا بانتظارك بكل اندفاعي نحوك، أصلي، وأصلي، ثم أصلي. 

أضمك وأقبلك بقوة. أحبك.


اُكتب لي. لا يمكنك أن تتخيل السعادة التي تمنحها لي حروفك وخطوطك الغالية. تعكس نظرتك وبعض ابتسامتك. 

وصلتني ورودك. كنت أنتظرها. لقد ملأت الدار بسرعة. وأعطت لغرفتي جوا من الفرحة، أكثر مما تمنّيته. 

  


الرسائل. ص. 109-110.  

ترجمة : واسيني لعرج.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-