قصص : حُلم - محمد خير الدين

 

قصص : حُلم - محمد خير الدين


قصص : حُلم - محمد خير الدين

• ترجمة : عبدالقادر وساط



عدتُ طفلاً. أقفُ بجانب "ابّا"، في انتظار الأطوبيس الذي يحملني إلى المدرسة. السماء ترشح رطوبة والأرض مِزَقٌ متناثرة، مليئة بالبصاق....الرجال والنساء والكلاب والقطط والخيول التي تجر العربات، كل شيء هنا ينذر بنهاية العالم.

 الأطوبيس تأخر في المجيء. رأيناه ينعطف بعيدا، في طريق غيْر معتاد، متوجها نحو شوارع وساحات لا توجد ضمن مسار الخط 8. في الأخير، قررنا أن نمضي على الأقدام، وأن نتبع خطا مستقيما، في الاتجاه المعاكس، حتى أتمكن من اجتياز الامتحان في وقته. كان امتحانا عاديا للانتقال من سنة دراسية لأخرى. انطلقنا، لكن أبي سرعان ما اختفى. وجدت نفسي وحيدا، عند تلك البناية التي سأجتاز فيها الامتحان.ثم وجدتني بداخلها، ومرّ علي وقت ليس بالقليل وأنا أركض، وفي كل مرة أفتحُ الباب الخطأ، ولم أكن  أرى سوى قاعات فسيحة وممرات طويلة وحجرات تصيبني بالدوار، ورأيت منحدرا يمتد إلى ما لانهاية. وحيثما التفَتُّ أجدُ نجّارين منهمكين في العمل، وأسمع مناشيرَ كهربائية تطلق أصواتا كالغطيط. كان صوتي أنا عبارة عن نعيب (ألا يحقُّ للإنسان أن يقلد طائره المفضل؟) وفي تلك اللحظة بالذات خرج كلب أصهب من أحد الممرات، وأخذني من ذراعي اليمنى، وسحبني منها دون أن ينبح أو يقول شيئا، نظرا لأنني لم أعرب عن أية إرادة أو رغبة. 

•أنا: 

- المعذرة، أنا مازلت صغيرا. قل لي من فضلك: ألا يزعجك أن تطلق ذراعي؟

•الكلب:

- لا يحق لي ذلك.

(كان عندئذ يبتسم لي، أجل كان ذلك الكلب يبتسم.)

•أنا:

-لقد جئت هنا لاجتياز الامتحان.

•الكلب (وهو يضحك أو بالأحرى يبتسم دون أن تظهر أسنانه):

- لقد ضحكوا عليكم. موعد الامتحان هو الأسبوع القادم. 

•أنا: 

- كيف يضحكون علينا؟....أبدا! ذلك غير ممكن....

كان الكلب لا يزال يمسك ذراعي اليمنى ويجرني منها.

•الكلب:

- هم بالتأكيد فعلوا ذلك... بالتأكيد...

كان صوته مبحوحا. كان أصهبَ وكان يبتسم كلما طُلب منه شيء أو طُرح عليه سؤال. لكنه كان يواصل جذبي من ذراعي، أنا الطفل الصغير الذي وجد نفسه تائها هناك، بسبب امتحان لن يكون.




من رواية "رائحة الودك"

 UNE ODEUR DE MANTÈQUE

تعليقات