في الحاجة إلى التكنوقراطية الفعالة
ليس هناك أي هامش للمزيد من التجارب السياسية الفاشلة، الزمن السياسي المغربي أصبح ضيقا بفعل الأزمة الاقتصادية وبفعل المكتسبات السياسية-الخارجية التي دفع بها المخزن خطوات إلى الأمام، والتي جلبت الأنظار والأصوات الخائفة على مصالحها التقليدية في ما لازالت تعتبره - واهمة - مستعمرات (إسبانيا - ألمانيا- تركيا- روسيا- جزء من الفرنسيين والجزائر خصوصا= وإن كانت شبه دولة متهالكة غير أنها تلعب دور البيدق بطريقة متقنة منذ عقود).
يلزم توحيد الصف الداخلي وتشطيب الباكتيريا التي تعتاش على هياكل الدولة منذ الانقلاب على جيش التحرير وتواري العزائم الحقيقية في الظل لتفسح المجال لبرجوازية الشكارة والصكوك التجارية والكائنات البطنية التي يستحكم فيها منطق الغنيمة والقبيلة.
عقل التاريخ السياسي يفترض في هذه اللحظة الهامة حكومة كفاءات انتقالية، وإن كان الكثيرون لا يرون وصول المغرب لمرحلة الخروج من الشرنقة، والتي تحتاج دفعة أخيرة قوية ومركزة دونها تجهض مجهودات عقود طويلة. ولن يتحقق ذلك سوى بالقفز على الوساطة الزائفة للأحزاب بين الشعب والملكية والقطع مع الريع الحزبي الانتخابوي بشكل جذري عبر حل الدكاكين السياسية الاسترزاقية.
هذه الانتخابات التي لم تفرز لنا سوى اللصوص والأقزام السياسية والقراد الذي يمتص دم المؤسسات العمومية من خلال اقتسام الكعكة علانية وسرا من خلال تحالفات كارتونية لا تستند على إيديولوجيا أو تصورات اقتصادية ولا سياسية. مجرد برجوازيات فلاحية بدائية ومريدون طائفيون ماضويون لم ينتجوا يوما رجل دولة واحد، ولا حققوا مكسبا ولا مغنما لكيان الدولة التاريخي ولا للمجتمع.
ما لا يقوله الصوت الأكاديمي الآن، ومن المستحيل أن تفهمه صحافة الدعم السنوي، هو أن المغاربة شعروا ولو تلقائيا وبشكل شعبي لاواعي، باستنفاذ رصيد "البارشوك" الصدئ المسمى أحزاب، من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها. تسعون في المائة فئران تعتاش على الفتات وتعتبر مؤسسات الدولة ضيعات فلاحية للاستثمار الشخصي، لذلك تقدم نفسها في هيئة القطع الصغيرة التي يمكن استعمالها لسد الثقوب، في مقابل ريع الدعم وكعكة الصناديق المهتوكة حرمتها، والباقي غارقون في أحلام الخلافة أو الشيوعية، دون أدنى حس جيوسياسي أو اقتصادي يستتبع ما حصل ويحصل في العالم بعد سقيفة بني ساعدة وسقوط جدار برلين.
لقد أتيحت للنظام شرعية جديدة، عملية، بعيدا عن الإمامة، فمعظم الشباب يحملون وعيا سياسيا براغماتيا الآن، وهي شرعية العمل الاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي الفعال.
ومهما اختلفنا في تصورنا لطبيعة الحكم السياسي الأنجع، يبقى القائم ممكن التوجيه توجيها فعالا، لكن ذلك المسار متعثر حاليا أو مؤجل بفضل تهريج الأحزاب والحكومات الشبيهة بفرانكشتاين، التي يتم تلقيمها كل مرة، أو البحث لها عن قاسم جديد، لمحاربة دونكيشوتية ضد من لم يعد لهم وجود سياسي أو رصيد شعبي أصلا.
أحزاب أصبحت - بحكم قوة الأشياء (في جينالوجيا تكوينها) أو بحكم مسارات تاريخية منحدرة- مجرد مجامع غوغائية ومزادات علنية. لذلك فقرار تنظيم انتخابات مرة أخرى لتشكيل حكومة وبرلمان بعد تجريب العشرات منهما منذ حل حكومة عبد الله إبراهيم وبرلمان الوساطة، يعتبر سيرا في الطريق الخطإ وهدرا للمال العام وللزمن السياسي. يجب أن نكون صريحين مع أنفسنا، ونطالب بحكم مباشر للملكية عبر حكومة كفاءات يختارها القصر، ولا يهمنا في ذلك لا بكاء برلمانات يسار الكاڤيار الأوروبي ولا تقارير المؤسسات الدولية التي ترى ما تريد فقط. بهذه الطريقة فقط يمكن ضمان المحاسبة، لأن الرهان سيتسع ساعتها، وستكون أشياء مهمة على المحك التاريخي.
محمد البوعيادي