مقتطفات روائية : رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز

 مقتطفات روائية : رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز

ترجمة : خالد الجبيلي

مقتطفات روائية : رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز


الآن موسم الكستناء.

يلقي الناس أحجاراً على جذوع الأشجار العملاقة. ينهمر وابل من ثمار الكستناء من حولهم في بَرَدٍ إلهي. يحدث ذلك في أماكن لا تعد ولا تحصى في يوم الأحد هذا، بدءاً من جورجيا وحتى ماين. في كونكورد، يفعل ثوريو ذلك أيضاً. يشعر أنّه يلقي الحجارة على مخلوق مرهف الحسّ، أحاسيسه أقل من أحاسيسه، ومع ذلك فهو يشعر بصلة قرابة الدم. الأشجار القديمة هي آباؤنا، وآباء آبائنا، بالصدفة. إذا تعلّمت أسرار الطبيعة، عليك أن نكون أكثر إنسانية...


في بروكلين، في شارع بروسبيكت هيل، القادم الجديد، يورغن هويل، يضحك عندما يُسقط تلك الحبات الكثيرة. فكلّما ألقى حجرة أصاب ثمرة. الثمار تملأ مجرفة. يندفع الرجال كاللصوص، يملؤون قبعاتهم وأكياسهم وجيوب سراويلهم بثمار الكستناء بعد أن تتحرّر من قشورها الخشنة. ها هنا، مأدبة أمريكا المجّانية الأسطورية - هبة ريح مفاجئة أخرى في بلد تحصل حتى على فتاتها من مائدة الله مباشرة.


يتناول النرويجي وأصدقاؤه في حيّ بروكلين نايفي يارد حبات الكستناء بعد شيّها على نار كبيرة يشعلونها في بقعة في الغابة خالية من الأشجار. حبات الكستناء المتفحّمة لذيذة إلى درجة تعجز الكلمات عن وصفها: حلوة ولذيذة، دسمة مثل حبة بطاطا مدهونة بالعسل، ترابية وغامضة في آن معاً. القشور الخشنة تخز، لكنّها مثيرة أكثر من أيّ حاجز حقيقي. حبات الكستناء تريد أن تتحرر من قشرتها الشائكة التي تحميها. كلّ حبّة تتطوع لأن تُؤكل، حتى تنتشر الحبات الأخرى إلى أماكن بعيدة.


في تلك الليلة، ثملاً من الكستناء المشوي الذي تناوله، طلب هويل يد فيي بويس، الفتاة الإيرلندية التي تعيش في أحد تلك البيوت التي تحيط بها أشجار الصنوبر على بعد شارعين من بيته، عند حافّة فين تاون، للزواج. لا يحقّ لأحد يعيش على مسافة ثلاثة آلاف ميل أن يعترض على زواجهما. سيتزوّجان قبل عيد الميلاد. وفي شهر شباط (فبراير) حصلا على الجنسية الأمريكية. وفي الربيع، أزهر الكستناء ثانية، نوارات طويلة، خشنة الوبر تتأرجح في الريح مثل مويجات يعلوها الزبد في نهر هدسون الأخضر الضارب إلى اللون الأزرق.

تعليقات