مقتطف من رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز
ترجمة : خالد الجبيلي
على بعد أميال في الأسفل، وقبل ثلاثة قرون، زحف دبور يكسوه غبار الطلع إلى داخل حفرة عند حافة شجرة تين خضراء وفقس في أرجاء حديقة الأزهار المتشابكة المخفيّة في الداخل. يوجد لكلّ نوع من السبعمائة وخمسين نوعاً من أشجار التين في العالم دبور فريد ليخصّبه. وقد وجد هذا الدبور شجرة التين هذه بالتحديد ليكون قدرها. وضع الدبور المؤسِس بيوضه ومات، وأصبحت الثمرة التي لقحّها قبره.
عندما فقّس الدبور، بدأت يرقات هذا الطفيلي تتغذّى على الأجزاء الداخلية لهذه النورة. لكنّها توقّفت عن إتلاف الشيء الذي غذّاها. وتزاوج الذكور مع أخواتهم، ثمّ ماتوا داخل سجن ثمرتهم المخملية. وانبثقت الإناث من حبة التين وطارت، يكسوها غبار الطلع، لتقوم بهذه اللعبة اللانهائية في مكان آخر. وأثمرت التينة التي تركتها وأصبحت ثمرة حمراء أصغر من نقطة النمش على أرنبة أنف دوغلاس بافليك. وأكل بلبل تلك التينة. فانتقلت الحبة الصغيرة إلى أمعاء الطير ثم سقطت من السماء في براز غني وقع في ثنية شجرة أخرى، حيث قامت الشمس والمطر برعاية الشتلة التي نجمت عنها وتجاوزت المليون طريقة من طرائق الموت. ونمت وتسللت جذورها إلى الأسفل وغلّفت مضيفها. مرّت عقود. قرون. ووقعت الحرب، وجرت عملية الهبوط على القمر التي نُقلت على شاشات التلفزيون، وحلّت القنابل الهيدروجينية محلّ الحروب التي كانت تجري على ظهور الفيلة.
تفرّعت أغصان عديدة من جذع شجرة التين، واكتست الأغصان بأوراق كثيرة ذات رؤوس مدببة. وانحنت فروع من الأغصان الأضخم إلى الأرض وأصبحت ثخينة في جذوع جديدة. وبعد فترة، تحوّل الجذع المركزي إلى غابة صغيرة. ثم انتشرت شجرة التين وأصبحت بستاناً بيضوياً فيه ثلاثمائة جذع رئيسي وألفا جذع شجرة صغيرة، مع أنها بقيت كلّها شجرة تين واحدة. بانيان رئيسية واحدة.