الزرافة التي أدركت فجأة أن كل شيء نسبي | أوغوستو مونْتيرّوسو Augusto Monterroso

 

الزرافة التي أدركت فجأة أن كل شيء نسبي




الزرافة التي أدركت فجأة أن كل شيء نسبي


الكاتب: أوغوستو مونْتيرّوسو
Augusto Monterroso

(غواتيمالا، 1921- 2003)

اختيار وترجمة: سعيد بنعبد الواحد

                       


              


في قديم الزمان، كانت تعيش ببلاد بعيدة زرافة متوسطة القامة، غير أنها كانت مغفلة لدرجة أنها خرجت من الغابة مرة فضلّت الطريق.

تائهة كعادتها، أخذت تمشي خبط عشواء من مكان إلى آخر، لكنها لم تجد الطريق رغم أنها انحنت كثيرا للبحث عنه.

وخلال تجوالها بلغت فجا كان يشهد في تلك اللحظة معركة كبيرة.

لم يكن أي طرف مستعدا للتنازل عن ميليمتر واحد من أرضه، رغم أن الخسائر في الأرواح كانت كثيرة من الجانبين.

كان الجنرالات يلقون خطبا حماسية أمام جيوشهم، وسيوفهم مرفوعة إلى السماء، بينما الثلج يكتسب لونا أرجوانيا من دماء الجرحى.

وسط الدخان ودوي المدافع، كانت جثث الموتى من كلا الجيشين تتساقط وبالكاد تجد وقتا كي تسلم أرواحها للشيطان؛ بيد أن الباقين على قيد الحياة يستمرون في إطلاق الرصاص بحماس، إلى أن يأتي دورهم فيسقطون هم أيضا في حركة تافهة، معتبرين أن التاريخ العظيم سيسجلها عملا بطوليا، لأنهم يموتون دفاعا عن رايتهم. وبالفعل، يسجل التاريخ العظيم هذه الحركات أعمالا بطولية، سواء تعلق الأمر بتاريخ هذا الطرف أو بتاريخ الطرف الآخر؛ إذن إن كل جانب يكتب تاريخه الخاص. هكذا كان ولينغتونْ بطلا عند الإنجليز ونابليون بطلا عن الفرنسيين.

ومع ذلك، تابعت الزرافة طريقها حتى وصلت إلى مكان بالفجّ وُضع به مدفعٌ ضخم أطلقَ في تلك اللحظة بالضبط طلقةً مرت على بعد عشرين سنتيمترا تقريبا من رأسها.

وهي ترى الطلقة تمرُّ محاذية لها، بينما كانت تتابع مسارها بعينيها، فكرت الزرافة:

"ما أحسن ألاّ أكون طويلة جدا، لأنه لو تجاوز عنقي ثلاثين سنتيمترا لنسفت الطلقة رأسي، أو ما أحسن أن هذا المكان من الفجّ حيث المدفعُ ليس منخفضا جدا، لأنه لو انخفض بثلاثين سنتيمترا لنسفت الطلقة رأسي أيضا. الآن، أدركتُ أن كل شيء نسبي."




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-