مقتطفات من رواية "ما بعد الحكاية" The Overstory للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز
في البدء لم يكن هناك شيء. ثمّ أصبح كلّ شيء.
ثمّ، في حديقة عامة واسعة في مدينة غربية بعد الغروب، الهواء يمطر رسائل. امرأة جالسة على الأرض، متكئة إلى جذع شجرة صنوبر. لحاء الشجرة يضغط بقوة على ظهرها، بقوة كما هي الحياة. إبر الصنوبر تنشر عطراً في الهواء وتبعث همهمات في قلب الغابة. تشنّف المرأة أذنيها لتنصت إلى أكثر الترددات انخفاضاً. تسمع الشجرة تقول أشياء، في كلمات قبل الكلمات.
تقول: الشمس والماء أسئلة جديرة بالإجابة عنها إلى ما لا نهاية.
تقول: يجب أن يعاد اختراع الجواب الجيّد مرات عديدة، بدءاً من الصفر.
تقول: إن كلّ قطعة أرض تحتاج إلى طريقة جديدة تتشبث بها. هناك طرائق تمدّ فيها أغصانها أكثر مما يمكن أن يمدّه غصن شجرة أرز. شيء يمكنه أن يسافر إلى كل مكان، على الرغم من أنه ثابت في مكانه لا يتحرك.
المرأة تفعل ذلك تماماً. تمطر الإشارات من حولها كالبذور.
الأحاديث تنتقل إلى أماكن بعيدة هذه الليلة. الانحناءات في أشجار الحور الرومي تتحدّث عن كوارث وقعت منذ زمن بعيد. أشواك أزهار شجرة الشاهبلوط الشاحبة تنفض عنها غبار الطلع، وسرعان ما تتحوّل إلى ثمار شائكة. وتعيد أشجار الحور ثرثرة الريح. وتنثر فواكه الكاكي والجوز رشاويها وتطلق عناقيدها الحمراء القانية. وتلوّح أشجار البلّوط القديمة بنبوءات الطقس في المستقبل. والمئات العديدة من الزعرور البري تضحك على الاسم الواحد الذي أُرغمت على تقاسمه. ويصرّ ورق الغار بأن حتى الموت لا يثير قلقه.
ثمة شيء في رائحة الهواء يأمر المرأة: أغمضي عينيك وفكّري بشجر الصفصاف. البكاء الذي ترينه سيكون خطأً. تصوّري شوكة خرنوب. لن يكون عقلك حادّاً بما يكفي. ماذا يحوم فوقك تماماً؟ ما الذي يطوف فوق رأسك الآن - الآن؟
حتى الأشجار البعيدة تنضم إلينا: كلّ الطرق التي تتخيّلنا فيها – أشجار المانغروف المفتونة تنتصب فوق سيقان خشبية، أوراق جوز الطيب المقلوبة، جذوع شجر الفيل المليئة بالعقد، مبتورة دائماً. نوعك لا يرانا ككلّ أبداً. تفتقد نصفها، وأكثر. توجد دائماً أشياء تحت الأرض بقدر ما يوجد فوقها.
هذه هي مشكلة الناس، مشكلة جذورهم. الحياة تجري من جانبهم، غير مرئية. هنا بالتحديد. خلق التربة. تدوير الماء. التعويض عن العناصر المغذية. بناء الغلاف الجوي. إطعام أنواع من المخلوقات ومعالجتها وإيوائها أكثر مما يعرف الناس كيف يعدّون.
جوقة في الغابة الحيّة تغنّي للمرأة: لو كان عقلك أكثر خضاراً بقليل، لأغرقناك في المعنى.
شجرة الصنوبر التي تتكئ إليها المرأة تقول: أنصتي. هناك شيء يجب أن تسمعيه.