صور عائلية / إدنوديو كنتيرو Ednodio Quintero


صور عائلية / إدنوديو كنتيرو Ednodio Quintero


 صور عائلية

 الكاتب: إدنوديو كنتيرو Ednodio Quintero (فنزويلا، 1947) 

 اختيار وترجمة: سعيد بنعبد الواحد

 نصوص قصصية (قصيرة أو قصيرة جدا) من إسبانيا والبرتغال وأمريكا اللاتينية 



 "وهذه صورة ابننا الوحيد الذي مات عشية عيد ميلاده الخامس". باردةً مثل سكاكين، شقت كلمات المرأة العجوز هواء الممر. وعلى الفور، ودون أن تعطيني فرصة لأسترجع أنفاسي، أو على الأقل لأتكئ على كرسي، صدرت جملة أخرى من ذلك الخطم الحاد: "ستدرك، يا سيدي، أن الأمر يتعلق بخسارة لا تعوض بالنسبة لزوجين في الأربعين؛ لكننا لم نستسلم. حاولنا ولم نفلح. منذ ذلك الحين، وهبنا أنفسنا ليلا ونهارا للعناية بذكراه". وبينما هي تتكلم، كانت العجوز تدع أصابعها الصفراء تنزلق فوق الصورة. تخيلتُ كثيرا من السخط في تلك اللمسة المطولة. بحثتُ فلم أجد أثرا للألم على سطح ذلك الوجه الذي شحب حتى كاد أن يصبح شفافا. حائرا، أطللت على ضفاف عينيها الرماديتين، ولم أستطع أن أرى سوى وجهي يسبح في بئر من المياه العكرة. مذهولا، ابتعدت عن الممر، ثم وقفت لحظة وأسندت ظهري إلى شجرة ليمون وأنا أتأمل السحب المتراكمة فوق الهضبة أمامي. لونها الرمادي المائل إلى الزرقة ينبئ بعشية ممطرة. وكان الوادي الذي يهدر في أسفل السفح والمحمل بجذوع أشجار وبنعاج وبآلاف من الأوراق اليابسة، قد تحول إلى حاجز يمنعني من الهروب: الجسر الوحيد الموجود جرفه الفيضان بعد نصف ساعة من وصولي. هكذا إذن سأجدني مجبرا على قضاء الليلة ونهار الغد وليلة أخرى تحت سقف مستشفى المجانين ذاك. بلغ بي تفكيري لحظة أن العجوز كانت تهذي. استبعدت هذه الفكرة وعوضتها بأخرى أكثر اطمئنانا: لأنها لا تريد أن تقبل تقدم عماها، كانت العجوز تتصرف بطريقة طبيعية، وهو السبب في أنها لم تكن تستطيع أن تميز بين المستوى الأول لصورة كلب رعي وبين صورة ابنها الوحيد، الميت عشية عيد ميلاده الخامس. اشتد المطر. تجولت أنا وكأني وحش في قفص بالممرات والصالات والغرف، وتمكنت من رؤية كمامات، وسلاسل، وأطواق، وتماثيل من طين، وأقنعة وأشكال من إسمنت، وصور مكبرة، ورسوم، ومنقوشات... ضاعف تراكم رموز تلك الطقوس العائلية الغريبة حيرتي. لوكنت قد نمت تلك الليلة لكان نومي مجازفة. استشعرت بأنني ما أن أغلق عيني حتى يدخل قطيع متهاطل من كلاب الرعي من النافذة، ويمزق بأنيابه وعضاته أحب صور حلمي إلي. اشتغلت بتفكير حاد، كان نتيجة لليالي البيضاء، في البحث عن تفسير مرض لمسألة الكلاب. قبل مطلع الصباح اهتديت إلى احتمالين اثنين. الأول: الزوجان، أمام استحالة أن يكون لهما أبناء، قررا تبني كلب رعي. الثاني: المرأة ولدَت الكلب فعلا. وفي كلتا الحالتين، كان الموت نهاية لائقة. نهضت باكرا جدا، جائعا وتعبا، وأنا مستعد ألاّ أترك الجنون يتملكني. انتظروا، لا تنصرفوا. هناك احتمال ثالث لمحته عندما بدأنا كلنا ننبح عند نهاية وجبة الإفطار.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-