من رسائل هنري ميللر إلى أناييس نين

من رسائل هنري ميللر إلى أناييس نين


 من رسائل هنري ميللر إلى أناييس نين


ترجمة : خالد الجبيلي

باريس، تشرين الأول (أكتوبر) 1931

Café de la Liberté

(مقهى الحرية)


إذا رأى صديقي الحصيف، الطيب القلب، ريتشارد غالن أوزبورن ذلك مناسباً، فإنك ستتلقين عدة صفحات من الكتاب الذي أعمل عليه الآن (مدار السرطان)، الرواية التي أوقفتها منذ فترة لأنني وجدت، عندما قمت بمراجعتها منذ أيام، أنها بحاجة إلى إدخال تعديلات جذرية وشديدة عليها. فإذا أرسلتها إليك في وضعها الحالي، فإنك ستتخذين موقفاً متحيّزاً ضدي.

ومع أنني أعمل على هذه الصفحات القليلة، فإني لا أبالي كثيراً سواء أحظيت قبولاً أم لقيت نفوراً. إنها تمنحني (في الوقت الحالي) قدراً من المتعة أو الشعور بالرضا.

لكن تنتابني بعض المخاوف. ففيها أشياء فظة. ولم أبدأ حتى الآن في إدخال تعديلات عليها - لم أغيّر كلمة واحدة فيها. سأفعل ذلك فيما بعد، ربما بعد زمن، عندما أشعر بأنني نضبت.

في الحقيقة، حدث انقطاع دام ثلاثة أسابيع، منذ أن وصلت زوجتي. فقد توقف كلّ شيء منذ أن جاءت. لم أعد قادراً على أن أجد نفسي. شعرت بأنني فقدت شيئاً.

في جميع الأحوال، من المحتمل أن أجلب معي الصفحات المتبقية وبعض الملاحظات اليومية والرسائل، إذا كنتِ مهتمة بذلك. وأنا أريد أن تكوني مهتمة. أشعر بسعادة كبيرة للحفاوة والضيافة والتعاطف والودّ الذي أبديته لي. لكن، في الوقت نفسه، أشعر بحساسية شديدة - الخوف من أن يُساء فهمي، أو من شيء لا أستطيع تحديده، لكنه قريب من ذلك. فلا أريد أن تُؤخذ عني فكرة بأنّ لديّ عقل قذر. لكنني لا أريد، في الوقت نفسه، أن أخفف من قوة الكتابة، لأدافع عن نفسي، وما إلى ذلك. أريدها أن تقف (أو تسقط) كما هي، بعلاّتها. أعرف أنها ستكشف الكثير عني، ولا أملك إجابة على كلّ ذلك. سيعرفني الناس دائماً أكثر مما أعرفه عن نفسي.

لذلك، من باب المجاملة، اتخذت هذه الخطوة بأن طلبتُ من أوزبورن أن يقرأها أولاً. فقدرتي على الحكم على الأمور ضعيفة جداً. فأنا لا أجيد كثيراً تلك الأمور المتعلقة بالكياسة والدبلوماسية، وما إلى ذلك. إني أكره كلّ هذه الأشياء. أعرف أنني في حماستي تجاه الناس، قد أرتكب أخطاء فادحة. لذلك، أفضّل ألاّ أرتكب مثل هذه الأخطاء. أفضّل أن أبقى صديقك ولا أريد أن أجرح مشاعرك بلغة فجة. لعلي أبالغ في ذلك، وأصنع من الحَبّة قُبّة. لن أقول أكثر من ذلك.

سأكون في غاية السعادة لزيارتك مرة أخرى يوم السبت، وأرى الخادمة الصغيرة أيضاً، والكؤوس المتلألئة والرفوف المليئة بالكتب. عندما دخلت إلى منزلك غمرني شعور رائع بالسلام والأمان. يوجد هنا أناس يعيشون حقاً، قلت لنفسي. تابعي حياتك بهذه الطريقة. لا تخافي من التنازلات. يضطر المرء دائماً إلى تقديم تنازلات بطريقة أو بأخرى. لكني أرى حياتكم جميلة – حياتكِ أنت، يجب أن أقول. هكذا - الوحدة، الانسجام. صدّقيني، لقد تأثرت من أعماقي.


المخلص،

هنري ميللر

تعليقات