الكاتبة: خوليا أوتشوا Julia Otxoa (إسبانيا، 1953)
اختيار وترجمة: سعيد بنعبد الواحد
"إن الأساس الجوهري لعقل سليم يكمن في مبدإ الدقة الذي ندرك به العالم". اعتاد الخوري "بيترو أسنوغليوني" أن يقول هذا النوع من الجمل الطنانة أثناء أحاديثه التربوية أيام السبت في قاعة البلدية، فيظلُّ مستمعوهُ، الذين يتشكلون في غالبيتهم من أبناء أبرشية قرية "مورانو" الصغيرة، معلقين كأنما ارتفعت أجسامهم لوحدها إلى السماء. خطابُه البلاغي، المصحوب بنبرات مدروسة وصَمْت جُرّب لمرات عديدة، كان له وقعٌ يشبه التنويم المغناطيسي.
ذات يوم، قال لهم إنه سيحدثهم عن الرواية الشهيرة دون كيخوت دي لا مانتشا لصاحبها ميغيل دي ثربانتس، لكن بما أنه اتبع بشكل خاطئ مبدأه الثابت حول الدقة والتحديد الأقصى للأشياء، لم يتجاوز الاستهلال. جرت الأمور كما يلي: فتح "بيترو أسنوغليوني" الكتاب باحتفالية وبدأ يقرأ: "في قرية ما من لامانتشا...". أغلق الكتاب عند هذه النقطة بقوة، وهو ينظر إلى الحاضرين، سألهم: "ماذا يريد أن يقول ثربانتس في نظركم بقوله "في قرية ما من لامانتشا"؟".
في هذه اللحظة، صارت ملامح "بيترو أسنوغليوني" صارمة، وقف، لوَّح بالرواية في يده اليمني، ورفع صوته ليقول بغضب: "من الواضح أن الكاتب لا يحدد الأشياء إلا قليلا. رواية لها بداية فضفاضة بهذا الشكل لا يمكن أن تقدم إلا غموضا، وهْما، خلطا لغويا، تضاربا في الأفكار وفوضى. من أجل خلاص أرواحنا، هذا النوع من الكتب لا يمكن أن يكون له من مصير آخر غير النار".
حدث ذلك عام 2004. وأُحرق الكيخوتي في الساحة الكبرى لمورانو.