حُلم ساعة | كايت شوبين


حلم ساعة | كايت شوبين


حلم ساعة


كايت شوبين

ترجمة : سفيان حودة



أعلم أن السيدة ملادر مصابة بمشاكل في القلب ولإطلاعها على خبر مصيبة موت زوجها يجب أن يكون الأمر بألطف ما يمكن.



تكلفت جوزفين أختها بإطلاعها على الخبر، بجمل متقطعة، مع تلميحات مخفية كشفت ما كان طي الكتمان، كان صديق زوجها ريتشارد أيضا هناك بالقرب منها، لقد كان في مكتب الجريدة عندما جاء خبر كارثة سكة الحديد، مع تصدر اسم برينتلي مالارد لائحة الذين "لقوا حتفهم"، لم يستغرق الأمر كثيرا ليتأكد من صحة الخبر حتى استقبل رسالة عبر التيليغراف، وقد عجل لإيقاف أي شخص متهور أو أقل رحمة من الأصدقاء لكيلا يحمل خبر الوفاة.



لم تسمع القصة أكثر مما سمعتها النسوة، فلم تعتريها أية أهمية في قصة الوفاة، بكت لمرة واحد، بكاء مفاجئا بين ذراعي أختها محمولا بالهجر المقفر للزوج، وعندما سكن عنها الحزن انصرفت إلى غرفتها لوحدها، رفضت أن يتبعها أي أحد.



وقفت هناك مولية وجهها نحو النافذة المفتوحة والكرسي المريح والفسيح. وفي ذلك الكرسي جلست، مجبرة بتعب جسدي قضّ جسمها ويبدو أنه بدأ يتسلل لروحها.



يمكن أن ترى في الساحة الفسيحة أمام منزلها أوراق الأشجار في الأعلى ترتجف مع حلول فصل الربيع من جديد، وعبق الشتاء الزكي. في نهاية الشارع كان هناك تاجر متجول يصدح بسلعته. أنغام كانت تتناهى إلى مسامعها من مكان بعيد لشخص كان يغني ولكن الصوت كان خفيفا، وأبابيل من طيور الدوري كانت تغرد فوق رفوف الأسطح.



كانت السماء غائمة، وكانت زرقتها تظهر في ربوع السماء هنا وهنالك بين السحب التي تلتقي وتتكدس واحدة فوق الأخرى من الناحية الغربية التي تقابل نافذتها.



جلست على الأريكة واضعة رأسها على الوسادة فوق الكرسي، جلست ساكنة، عندما جاءتها نوبة من البكاء سدت أنفاسها كطفل صغير ظل يجهش بالبكاء حتى نام وأكمل بكاءه في الحلم.



كانت فتاة شابة، بوجه جميل وهادئ، تتحدث خطوطه عن معاناة وحتى بعض مظاهر القوة، ولكن الآن هناك نظرة سافرة في عينيها، فقد كانت عيناها تحدق في أحد بقع السماء الزرقاء، لم تكن نظرة للتفكر، ولكنها توحي بفكرة ذكية لا تزال معلقة.



كأن شيئا آت إليها وكانت تنتظره برعب، ما هو يا ترى؟ لم تكن تعرف، لقد كان خفيا جدا ومجردا حتى في تسميته، لكن شعرت به، يتسلل من السماء، يصل إليها من خلال اللون والأصوات والعبق الذي يملئ الجو.

ارتفع صدرها وشهقت بعنف، بدأت تتعرف على ذلك الشيء الذي كان يقترب من أن يتملكها، وكانت تحاول جاهدة لصده بكل إرادتها، ولكنها كانت ضعيفة كضعف يديها البيضاوتين. عندما اختلت بنفسها تسللت بين شفتيها كلمة بهمس، قالتها مرارا وتكرارا بهمس "حرة، حرة، حرة". النظرة الخالية ونظرة الرعب التي أعقبتها هاربة من عينيها، فلقد ظلتا شاخصتان وبراقتان، تسارعت دقات قلبها، والدم الدافئ الذي يجري في عروقها هدأ روع كل جزء من جسمها.



لم تكلف نفسها سؤال ما إذا كان هذا فرح شيطاني الذي ساورها، فالنظرة الواضحة والتي لا تساورها الشكوك دفعتها لاعتبار الأمر قليل الأهمية، كانت تعرف أنها ستبكي مجددا وعندما رأت الأيادي الناعمة واللطيفة في كنف الموت، ذلك الوجه الذي لم يرها قط سوى بالحب، ثابت ومكفهر وميت، وفي تلك اللحظة المريرة كانت ترى خلفها سنوات طوال ستكون ملكا لها وحدها وليس لأحد سواها، وفتحت يدها ورحبت بصدرها بتلك الفرحة.



لم يكن أحد ليعيش تلك السنوات القادمة التي ستعيشها لنفسها، لن تكون أية قوة جبارة تفرض عليها رغباتها وفي خضم هذا الإصرار الأعمى الذي يعتقد الرجال والنساء على حد سواء أن لهم الحق في أن يفرضوا إرادة خاصة على إنسان من بني جلدتهم، فالنية سواء كانت لطيفة أو موحشة يجعل من ذلك الفعل أقل جرما بينما كانت تنظر إليه في تلك الفترة التنويرية الوجيزة.



وبرغم ذلك أحبته، في بعض الأحيان، ففي الغالب لم تكن تحبه، لما يهم الأمر الآن، ما الذي يمكن أن يساويه الحب أمام هذه المعضلة أمام هذا التملك من التأكد الذاتي، لأنها تعرفت على أقوى نزواتها.



"حرة جسدا وروحا" ظلت تهمس.



كانت جوزفين جاثية على ركبتيها مع شفتيها ملتصقتان بفوهة المفتاح، تسعى لنيل اعتراف "لويز، افتحي الباب، أرجوك افتحي الباب، ستؤذين نفسك. ما الذي تفعلينه، يا لويز؟ بحق الرب، افتحي الباب".



"ارحلي، فلن أؤذي نفسي" لا، وكانت ترتشف من كأس أكسير الحياة من خلال تلك النافذة المفتوحة.



كانت مخيلتها نشطة تتفكر في الأيام القادمة التي أمامها، أيام الربيع، أيام الصيف، كل أنواع الأيام ستكون لها وحدها، تلت صلاة بسرعة لكي تطيل في عمرها، فبالأمس فقط كانت تفكر بهلع أن الحياة ستكون طويلة.





ونهضت وتوجهت فاتحة الباب في وجه إصرار أختها المزعج، فقد كان نصرا مبينا يشتعل في مقلتيها، ومشت مشية كأنها تملك الدنيا وما فيها، جذبت أختها من خصرها ونزلتا الدرج، كان ريتشارد بانتظارهما في الأسفل.

كان أحدهم يفتح الباب الأمامي بمفتاح المزلاج، لقد كان برينتلي مالارد من دخل، لقد كان أغبر قليلا من أثر السفر، يحمل بثقة حقيبته ومظلته، فلقد كان بعيدا من مسرح الحادثة، ولم يكن يدري أنها وقعت، وقف متصلبا أمام بكاء جوزفين المدوي، حاول ريتشارد أن يسرع ويخفيه عن أعين زوجته.

عندما حضر الطبيب قال إنها ماتت بمرض القلب - ومن الفرح ما قتل.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-