نُصوص قصصية | القصة


كيمْ مونْزو



القصة


الكاتب: كيمْ مونْزو Quim Monzó (إسبانيا، 1952)


اختيار وترجمة: سعيد بنعبد الواحد 




عند منتصف العشية، يجلس الرجل إلى مكتبه، يأخذ ورقة بيضاء، يضعها في الآلة الكاتبة ويشرع في الكتابة. تخرج الجملة الأولى فوراً. تليها الثانية. بين الثانية والثالثة، بضع ثوان من التردّد. 
يملأ صفحة، يخرج الورقة من حاملة الآلة الكاتبة ويضعها جانباً، وجهتُها البيضاء نحو الأعلى. يُضيف ورقة أخرى إلى هذه الورقة الأولى، ثم ورقة ثانية. من حين لآخر، يُعيد قراءة ما كتبه، يشطّب بعض الكلمات، يعيد ترتيبها داخل الجمل، يحذف بعض الفقرات، يرمي أوراقاً كاملة في سلّة المهملات. فجأة، يسحب الآلة الكاتبة، يتناول الأوراق المكتوبة، يَقْلبها وبقلم يشطب، يغير، يزيد، ويحذف. يضع كومة الأوراق المصححة يمينا، يقترب مرة أخرى من الآلة الكاتبة ويعيد كتابة الحكاية من أولها إلى آخرها. بعد أن ينتهي، يعود ليصححها مرة أخرى بطريقة يدوية ثم يعيد كتابتها على الآلة. بعد حلول الليل، يعيد قراءتها للمرة الألف. إنها قصة. تعجبه كثيرا. لدرجة أنه يبكي فرحا. إنه سعيد. ربما كانت أحسن قصة كتبها في حياته. تبدو له كاملة تقريبا. تقريبا، إذ ينقصها العنوان. عندما سيجد العنوان المناسب ستكون قصة في غاية الكمال. يفكر أي عنوان يضع لها. يخطر على باله عنوان. يكتبه على ورقة ليرى كيف هو. يبدو أنه لا يليق تماماً. مع إمعان النظر، إنه لا يليق إطلاقا. يشطبه. يفكر في عنوان آخر. عندما يعيد قراءته، يشطبه أيضا. 
كل العناوين التي تخطر على باله تُقوّض القصة؛ فهي إما واضحة أو تُسقط الحكاية في سريالية تُكسر البساطة. أو أنها حماقات تفسد القصة. للحظة فكّر أن يسميها "بدون عنوان"، لكن هذا يفسدها بشكل أكبر. في الواقع، فكر في إمكانية ألا يضع لها عنوانا، ويترك بياضا في المكان المخصص لذلك. لكن هذا هو أسوأ الحلول: ربما هناك قصة لا تحتاج إلى عنوان، لكن ليست هذه القصة؛ هذه تحتاج إلى عنوان دقيق. تحتاج عنوانا يحولها من قصة شبه كاملة إلى قصة كاملة تماما: أحسن قصة كتبها في حياته. 
عند الفجر، يُقرّ بهزيمته: لا يوجد عنوان بما يكفي من الكمال لهذه القصة التي بلغت درجة من الكمال بحيث لا يكفي أي عنوان ليناسبها، وهو ما يمنعها من أن تكون قصة كاملة تماما. مستسلماً (وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يقوم بشيء آخر)، يأخذ الأوراق التي كتب فيها القصة، يمزقها عند النصف ثم يمزق هذا النصف عند النصف؛ وهكذا إلى أن يجعلها فتاتاً.
تعليقات