تحليل نص الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي/ سلمى خضراء الجيوسي



منهجيّة تحليل نص نظريّ: سؤال الذّات




 تحليل نص الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي/ سلمى خضراء الجيوسي

منهجيّة تحليل مقالةٍ أدبيّة/ نصٍّ نظريّ: سؤال الذّات        


المرجع: الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي/ سلمى خضراء الجيوسي؛


  للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية                                      



ظهرت الرومانسيّة العربيّة في أوائل القرن العشرين اِستجابة لمجموعة من المتغيّرات التاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، حيث هيمن على المجتمعات العربية مناخ يسوده القهر، والفقر، والتخلّف، والمعاناة... ومن هنا لم تعُد المدرسة الكلاسيكيّة قادرة، بقيمها التقليديّة، القائمة على تمجيد النموذج القديم، وبأساليبها المستلهمة من العصور العربية القديمة، على مواكبة المرحلة التاريخيّة التي عايشها الشعراء الرومانسيون، الذين التفوا حول مبدإ الحرية والطلاقة، والتعبير عن دواخل النّفس، قصد تحرير الإنسان من سلطة القهر، والتطلّع به إلى عالم مثالي، تؤثث فضاءاته عوالم الطبيعة، أو عالم الغاب بشكل عام. وقد ساعد على ترسيخ المذهب الرومانسي لدى هؤلاء الشعراء اِنفتاحهم على الثقافة الغربية، وترجمة نصوص أدباء الرومانسية من أمثال: فكتور هيجو، لامارتين، وألفريد دي موسيه، وكولريدج... وإذا كانت الرومانسية مذهباً شعريّاً بالأساس، فهذا لا ينفي الدّور الذي لعبته الكتابات النظريّة والنّقدية في ترسيخ هذا المذهب وتوجيهه، ويأتي ضمن هذه الكتابات ما تقدّمه سلمى خضراء الجيوسي في هذا النصّ الذي يحمل عنوان "الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي".


إنّه بمجرّد قراءتنا للعنوان وللسّطر الأول من النصّ، نستطيع أن نفترض بأنّ الأمر يتعلّق بطرح نظري تُعالج فيه الكاتبة موضوعاً يرتبط بتجربة "سؤال الذات" في الشعر العربي الحديث.

إذن، ما هي القضية الأدبيّة التي يطرحها النصّ؟ وما هي عناصرها الجزئيّة؟ وما هي المفاهيم الكبرى المؤطّرة للنصّ، والمنهجية المعتمدة، والأساليب الموظّفة في معالجة قضيّته؟ وإلى أيّ حدّ تمكّنت الكاتبة من أن تقدّم تصوّراً نظريّاً واضحاً حول الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي؟



تتلخّص القضيّة المحوريّة التي تناولتها الكاتبة في اِعتبار الحركة الرومانسية في الأدب العربي تحطيماً للقيم والمبادئ الفنيّة التي قامت عليها المدرسة الكلاسيكيّة، مع ملاحظتها أن الحركات الرومانسية العربية لم تكُن متشابهة من حيث وظائفها، والدليل على ذلك وجود اختلاف بين رومانسية المهجر الأمريكي، والرومانسية المصرية واللبنانية. أمّا العناصر الجزئيّة (أو الفرعيّة) التي تطرّق إليها النصّ، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
-     اختلاف الرومانسية العربية عن الرومانسية الغربية من حيث عدم قيام الأولى على أية فلسفة واضحة باستثناء الأفكار الجبرانية؛
-     اعتبار الرومانسية العربية الشعر تعبيراً عن دواخل النّفس؛
-     سعي الرومانسية إلى تغيير المحتوى والمضمون، بالقدر نفسه الذي سعت فيه إلى تغيير الشكل واللغة والصورة؛
-     تأثّر الشعراء الرومانسيين بالحياة الغربية من حيث التقدّم والحريّة الشخصيّة، مع ملاحظتهم غياب ذلك في أوطانهم الأصليّة؛
-     اعتبار الشعراء الذين هاجروا من لبنان إلى أمريكا المؤسسين الحقيقيّين للحركة الرومانسية العربية؛
-     انتقال الرومانسية من المشرق العربي إلى المغرب العربي عن طريق الشّاعر أبي القاسم الشابي الذي تأثّر بجماعة أبولو، مستلهماً الأوضاع الاجتماعية والسياسية لبلده فضلاً عن مأساته الخاصّة.

   



ولقد استعملت الكاتبة، في معالجة القضيّة السالفة الذكر، مصطلحات ومفاهيم، ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحركة الرومانسية، من قبيل: الهروبية- الانطوائية- الحرية الذاتية- الحياة العاطفية- الماسوشيّة- الإثاريّة.
وإذا كانت الهروبية والانطوائيّة تعنيان ابتعاد الشعراء الرومانسيين، خاصة المصريين منهم- كما ترى الكاتبة- عن الواقع ومشاكله وقضاياه وانشغالهم بعوالمهم الذاتية وحياتهم العاطفية، وذلك سعياً منهم إلى الحريّة الذاتيّة، فإنّ الماسوشيّة والإثاريّة يصبّان في نفس الاتجاه من حيث قيامهما على تمجيد الذات والدخول في علاقة عدائيّة مع الواقع.
ومن الناحيّة المنهجية، اتبعت الكاتبة الطريقة الاستنباطيّة؛ حيث حدّدت في الفقرتين الأوليين الأسس الكبرى التي وجّهت الحركة الرومانية العربية، ثم سعت في ما تبقّى من النصّ إلى تفصيل تجليّات هذه الأسس عند شعراء الرومانسية في كلّ من أمريكا ولبنان ومصر وتونس، مع تسجيلها لبعض الفروق بين شعراء الرومانسية العرب التي لا تحجب الفلسفة العامّة التي تؤطّر الحركة الرومانسيّة وهي الحريّة، والتغنّي بالذات، ونبذ التّقليد.

كما وظّفت الكاتبة عدّة أساليب حجاجيّة للدفاع عن أطروحتها التي لخّصتها في الفقرة الثالثة من النصّ، وهي أنّ الرومانسية العربية بوجه عام رومانسية تتسم بالانطوائيّة والهروبية، والابتعاد عن الواقع، مفنّدة بهذا نقيض الأطروحة التي يمثّلها بعض النقّاد الذين يعتبرون الشعر الرومانسي "انعكاساً صادقاً للتغيير السياسي".


ومن هذه الأساليب الحجاجية نذكر؛ المقارنة: التي حضرت بشكل مكثّف في النصّ، حيث وجدنا الكاتبة تقارن بين الحركة الرومانسية في مصر ولبنان والمهجر الأمريكي، وتقارن أيضاً بين الرومانسية العربية والرومانسية الغربية. كما استعانت الكاتبة أيضاً بـ التمثيل: حيث قدمت أمثلة تدعم موقفها كإشارتها إلى كتابي: "الاعتراف"، و"مذكرات إبليس" لعبد الرحمن شكري. ونلاحظ كذلك حضور أسلوب الإخبار في النصّ، والذي وظّفته لإعطاء معلومات متعلّقة بتاريخ الحركة الرومانسية وتطوّرها.

وبهذا ننتهي إلى أنّ الكاتبة قد تمكّنت، من خلال هذا النصّ، أن تقدّم تصوّراً نظريّاً عامّاً عن الرومانسية العربية ومبادئها، والتي لخصتها في سعي الشعراء الرومانسيين إلى تحطيم الأسس الكلاسيكية للشعر، والدعوة إلى الحرية والتعبير عن دواخل النفس، والتجديد في المحتوى والموقف والشكل، مع ملاحظتها أن الرومانسيّة العربيّة اتسمت ببعض الجوانب السلبية كالهروبية، والانطوائيّة، والبعد عن القضايا الاجتماعية والقوميّة. وقد استعانت لإثبات أطروحتها ونفي نقيضها بجملة من الأساليب الحجاجية كالمقارنة والتمثيل، والإخبار، والوصف، والاستعانة بروابط حجاجية تفيد الإثبات تارة، والنفي تارة أخرى، فضلا عن روابط لغوية منطقيّة. 








حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-