تلكَ البَـراءةُ تَــزْدَهِي..هذا اللِّسَانُ يَنْجَلِي
رَحِيم دَودِي
إلــى فراشةٍ ورديةٍ ودُوريٍّ شَفَقِيٍّ، معاً، ألهمانيَ هذا اللّحن المفْتَقَدَ، وعلّماني -بضربةٍ أنيقةٍ متوحّشةٍ، صخّابةٍ، هادئة- أنّ الـدّنيا، بكلّ قضّها وقضيضها، لا تساوي، أبدًا، ابتسامةَ طفلةٍ بريئة، ولا تُداني، قطعًا، رقصةَ طفل حكيمٍ. إليكما، وللطفولة أينما كانت، أُهدي هذا النشيدَ الصّادق.
تسنيمُ باسمةً تقول:
في الحقل ما ملّ النهارْ
أزهارهُ تتراقصُ،
تنسلُّ من عين السّماءْ:
ضوءًا ينيرُ ولا يخيبْ.
أطيارهُ تتدلى في وهجِ الظهيرةِ والزوالْ.
تسنيمُ راقصةً تقول:
"الحبّ يُولد نظرةً،
الليلُ يَهرق دَمْعَهُ،
الشِّعر بينهما ينوسُ
في قلبٍ راعٍ
لم أرَ صِنْوًا يُدَاني نَظْمَهُ."
تسنيمُ أَحْرَزَتِ النُّهى
فَاقَتْ رحيمَ فَصَاحَةً،
تسنيمُ غاضبةً تقول:
" عقلُ الرحيم يَظُنُّنِي
لا أَفْقَهُ الشِّعر
الذي روّته أمّ فراسه عَسَلاً يَفِيضُ
مِنَ القَفِيرْ.
عَقْلُ الرّحيمِ لا يرى أنّ الطفولةَ تُغْدِقُ
الشّعرَ البريء في قولها.
يا معلّمًا اُنظرْ هُنا
اُنظر أنا، أنا أنتشي باللّحن معجونًا
مِنَ "لْحيَّانِ" و"الأمل" الشّفيفْ."
***
زيادُ، من خَلَلِ الغيومْ،
أنهى حديثًا عابرًا إلى غيمةٍ مرّت هناكْ.
تتشكّل الذراتُ في أَغوارها
رسمًا يُعرِّي شهوةً، أو قُبلةً، أو ليلةً تتورّدُ في خدودِ
قرغيزيّةٍ ماتَ المحاربُ زَوجُهَا
هنا تستعيدُ صوتَهُ المتهدّجَ المتوثِّبَ،
تَحكي مباهجَ عِشْقِهِ لِظِلالِ مَثْوَاهُ الممدّد في الفراغِ على الفراغْ.
***
زيادُ يفهم ما يريدُ
ولا يقولُ ما بَدَا، ما فتّقَ الوعيُ الشقيُّ
من حروفٍ شاحباتٍ، عاجزاتٍ، قاصراتٍ
نائماتٍ في هُلامٍ أوَّلٍ/ أبدٍ بعيدٍ: لا يبوحُ بما تكاثف من رموزٍ
تجتبي شعراءَ ماتَ جِنْهُمْ في وادِ عبقرَ
بَعْدَ دَلقهمُ القوافي النازفاتِ تُلْهِمُ
أعرابَ قد كانوا هنا،
كتبوا سموطًا وثَّنُوها
مركز الأرضِ الشّريفة؛
حيث طفَّأَتِ "الأبابــلُ"
جيشَ أبرهةَ المعاندَ صوتَ ربٍّ لا يُعَانُدُ، لا يُضَارَعُ،
يُبتغى في عزلةٍ تَجْثُو أَمَامه بانقياد.
أعراب بَـــاعوا بخورَ مَقّةَ واشتروا بحديدها
رملاً تَجَوهَرَتِ البحارُ السُّود في قيعانه،
رملاً شظايًا من لهبْ،
رملاً مدافعَ من لهبْ،
رملاً يسيلُ فينتهبْ.
إنَّ الحقائقَ مُرعبهْ.
هيَّا ابتعدْ عن هَجْسِها.
لا تقتربْ لا تقتربْ...
***
زياد يرمِي شظيةً،
زيادُ يذبحُ نجمةً بعيون غاباتِ
الجبلْ.
زياد يُوحي ولا يَزيد.
نظر الصغير نظرةً،
دارتْ عيونه تغمز،
بسمتْ شفاهه تومئ:
"أتظنيني، عمّو رَحيم، متوحِّدا لا يفهمُ،
تفٍّ عليك يا أخرقًا، يا بقةً لا تدركُ
أنّي الأميرُ الصّامتُ، أَلْعَابدُ الصّمتَ الغَميس.
اللفظ عَرِّيــهِ يَقُل ما كتّم الوعيُ العنيدْ.
ثَـــكلتْكَ أمّكَ يا فتى، هَيّا انصرف، هَيّا انصرف."
أطرقْتُ رأسيَ خانعاً،
يمّمْتُ وجهيَ مُذعنًا،
قلتُ: النّباهةُ تُــولَدُ من قلبِ طفلٍ قد أَبَـى
رسمَ الحروفِ على الشِّفاه.
قلتُ: البراءةُ تنجلي في طفلةٍ ورديةٍ.
تسنيمُ أَكْبَرُ من نُجومْ.
زياد أبلغُ من حكيمْ.
تسنيمُ أَسْطع من شموسْ.
زيادُ أفْهَمُ من أبيه.
أمّا الرّحيم فَوهمُه قُبِــرَ، هنا، حين التقى
غيمًا يُقَبِّلُ نجمةً،
حبًّا
يلثِّمُهُ الـمَطَر...