قراءة في رواية "ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي

 قراءة في رواية "ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي

"يقظة الصعود الأعزل نحو ثورة لم تقع!"

سعيد منتسب 

قراءة في رواية "ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي



+ رواية "ثورة الأيام الأربعة" تقول لنا إن "الأشياء ليست على ما هي عليه في الواقع"، وأنها حصلت ليس كما أريد لها أن تحصل، بل حصلت بطريقة أخرى. وهنا أستعير كلمات مونتاني: "لو كان الباطلُ مثلَ الحق، له وجهٌ واحدٌ فقط، لكنّا عرفنا أين نحن بشكل أفضل، لأنّ كل ما كان علينا فعله هو تصديق العكس تماماً لما يخبرنا به الكاذبُ. لكن عكس الحقيقة يحمل ألف وجه، ويمتد على مجال غير محدود"، وهنا يمكننا أن نتحدث عن تنوع السرديات وتعدد المنظورات السردية: سردية قادة الثورة، سردية الثوار، سردية العسكر، سردية الشهود، سردية المؤرخ، سردية الوشاة والخونة.. إلخ، وكلها تناولت أحداث مولاي بوعزة من زاويتها الخاصة. نستحضر هنا سردية الجناح المسلح للحزب الاتحادي بقيادة الفقيه البصري، أو شهادات الفاعلين المباشرين، مثل عبد الله المالكي وإبراهيم أوشلح ومحمد العروسي والبشير الزين.. إلخ. والحق أن مجموعة التزنيتي في خنيفرة لم تكن وحدها في قلب "الثورة"، بل هناك مجموعات أخرى: مجموعة تنغير بقيادة سيدي حمو عبد العليم؛ مجموعة كلميمة بقيادة محمد بنونة؛ مجموعة فكيك بقيادة محمد ساعة. كما أن هناك مجموعات أخرى بالدار البيضاء ووجدة وآسفي، و"أبطالا" آخرين ذاقوا الأمرين، فلوحقوا وعذبوا وأقبر بعضهم أحياء يرزقون، أمثال القاسمي وأومدة وأمهروق..

+ من الواضح جدا من الوقائع التي سردتها الرواية أن "الثورة" لم تكن في مأمن على نفسها من "الحقيقة الروائية"، أو من سلطة التخييل الروائي الواسع الذي يبيح لنفسه ما لا يباح. ذلك أن هذه السلطة لا يمكنها أن تنتج بديلاً آمناً لاستقرار الحقيقة التاريخية حتى بعد أن تنتقل هذه الحقيقة إلى بُعد لم يعد في متناول أيدينا بسبب مرور الزمن عليها. ولهذا تقترح علينا رواية "ثورة الأيام الأربعة" قراءة خاصة لأحداث مولاي بوعزة، وقيام "جمهورية الأيام الأربعة" تأسيساً على ثورة لم تقع، وإن وقعت، فهي ضد قلعة مهجورة في الجبل، وضد جنود متخلى عنهم!

+ إذا كانت الحقائق تفرض نفسها من خلال عنادها بين قوة الثبات وسلطة المحو (أو النسيان)، فإن الفشل، في الرواية، موسوم بطابع نهائي لا يمكن الرجوع عنه أو تجميله، كما هي السمة البارزة لجميع الأفعال الثورية. لا يمكن أن نسمي هذا الفشل تاكتيكا أو غارات أو مسيرات كما دأب على ذلك الثوار في أكثر من مكان في العالم. وهذا ما يعيه السارد الذي يقدم لنا وجهة نظر المهزوم أو القربان، بل تردده وارتيابه وخيباته وانهزاميته.

+ لا يقدم السارد حكاية، أو مجرد وجهة نظر تحتمل الدحض أو التصديق، بل يقدم شهادة (ص: 369). والشهادة، كما نعلم، تنهض على محددات ومرجعيات لا تقل ثقلا، كالصدق ومطابقة الوقائع (التاريخ)، والتيقن من الذاكرة (تجنب مطبَّات التخييل)، وإسقاطات الحاضر على زمن الأحداث، مما يطرح علينا بقوة إشكاليات الزمن والتأريخ والمنظور الذاتي والتاريخي. وهذا ما انتبه إليه جاك لوغوف حين أشار إلى "المشكلة التي تظهر بشكل مستمر أثناء بناء الحدث التاريخي؛ ويتعلق الأمر بثنائية الموضوعية والذاتية في الكتابة التاريخية، فهناك من يتساءل عن براءة الوثيقة الموظفة ومدى خطورة اعتمادها في بناء المعرفة التاريخية؛ فالمؤرخ بهذا المعنى ابن بيئته يتأثر بالأحداث السياسية والاجتماعية... سيما عندما يكون جزءا من "الفاعل التاريخي"..".

+ تطرح "الشهادة"، في الرواية، قضية الميثاق السيرذاتي، وفق التوسيع الذي وضعه فيليب لوجون لهذا المفهوم، في كتابه "أنا أيضا"، ليشمل أشكالاً أخرى، كالشهادة واليوميات والتخييل الذاتي والمحكي الذاتي والرسائل الحميمية ومحكي الحياة، وغيرها من المغايرات المتحققة ضمن هذا الشكل من الكتابة، والتي يجترحها الكتاب بهدف التعبير عن حيواتهم، وتسليط الضوء على مرحلة من مراحلها في أبعادها الفكرية أو الحياتية الخاصة. وهو ما يطرح على الروائي هذا السؤال: هل منطق السرد هو ما أملى هذه الشهادة (الشاهد هو الذي يحكي/ يدوّن)؟ أم أن الشهادة أملتها الحقيقة التاريخية، لكن وفق أي منظور؟ هل هو منظور التاريخ الموضوعي إن كان هناك فعلاً تاريخ موضوعي، أم من منظور "التاريخ المضاد". نقرأ في الصفحتين 197/198: "أريدك يا أستاذ أن تكون مؤرخ الثورة، سجل كل ما تراه، كل ما يحدث أمامك ستحتاجه الأجيال القادمة، قلت لك في أحاديثنا الطويلة إن تذكرت، إن المخزن وحده في هذه البلاد يوثق، لا ينسى، وحده يملك أرشيفاً ويحكم بذاكرة قوية تتذكر كل شيء، علينا أن نفعل الأمر نفسه، تاريخ مغرب جديد يبدأ اليوم".
تعليقات