منهجية تحليل قصيدة الشعر الحديث


منهجية تحليل قصيدة الشعر الحديث / شعر تكسير البنية

منهجية تحليل قصيدة الشعر الحديث / شعر تكسير البنية



المقصود بهذا الاتجاه الشعري تجرية عرفت البداية في منتصف القرن الماضي بالعراق، ثم انتقلت إلى باقي البلدان العربية. فبعد فقد الثقة في تجربة إحياء النموذج لارتمائها في حضن الماضي وتخليها عن واقع الأمة، وفقد الثقة أيضاً في تجربة سؤال الذات لانعزالها وانغلاقها وارتمائها في حضن البؤس والكآبة، ارتأى جيل عربي جديد أن يتخلى عن هؤلاء وأولئك، وأن يبحث لنفسه عن بديل يتماشى مع واقعه ومخيلته وسياقه العالمي العام. اختار الشعراء الشباب التخلي عن عمودية القصيدة واعتماد بديل إيقاعي يمنح للشاعر حرية أكبر ، كما اختاروا التجديد في التصوير بالتخلي عن التشبيه القريب والاستعارة المحدودة والقائمة على التناسب. أما على مستوى المضامين، فقد اختار هؤلاء الغوص في اهتمامات عصرهم من تحرير وتحرُّر ومساءلة للمستقبل والنفس ومراجعة للقائم بحثا عن الممكن.
نذكر من شعراء هذا الاتجاه نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي من العراق، وصلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي من مصر ويوسف الخال من لبنان وأدونيس من سوريا، وعبد الله راجع ومحمد بنيس من المغرب.... وقد صنف المحتوى التعليمي في المدرسة المغربية هذا الاتجاه إلى تجربتين فرعيتين، وهما :
- تجربة تكسير البنية : والمقصود بها تلك التجربة التي عملت أساسا على التخلي عن عروض الخليل، وعن معاجم الأولين وطرقهم في النظم والتصوير..
- تجربة تجديد الرؤيا : وهي تجربة أعمق من سابقتها بالنظر إلى أنها تجاوزتها لتحويل القصيدة إلى رؤيا تُسائل الإنسان والوجود والمستقبل، وتراجع الثوابت. وسنعمل على تقديم مقترحنا لدراسة شعر التجربتين.

* شعر تكسير البنية *

التقديم :

 نُقدِّم للدراسة بالإشارة إلى ظروف ظهور شعراء تكسير البنية بالتركيز على استنفاذ حركتي الإحياء والذات لأدوارهما في بعث الشعر العربي وتجديده، ورغبة جيل جديد من الشعراء في الارتباط بالواقع والتخلي عن نماذج السابقين، خاصة بعد الأزمات التي عرفتها الأمة من استعمار وضياع فلسطين بكل ما تحمله من رمزية. ثم نذكر زمن الظهور وهو أربعينيات القرن العشرين، وارتباط الشاعر المدروس بالاتجاه لنصل إلى الإشكال، وهو الآتي : ما مظاهر تكسير البنية في النص الماثل أمامنا ؟

٠  الملاحظة وفرضية القراءة :

 نلاحظ الشكل الخارجي للنص فيتبين لنا التخلي عن تناظر الشطرين، واعتماد طريقة جديدة تتمثل في أسطر شعرية تتباين طولاً وقصرا ، فنفترض من ذلك أننا بصدد قصيدة تنتمي إلى تكسير البنية فعلا. غير أننا ندعو إلى التحقق من هذا الافتراض بالدرس والتحليل.
٠ مضامين القصيدة : وهي عبارة عن فقرة نجمل فيه الأهم من معاني القصيدة بالأسلوب الشخصي وبلغة مباشرة. وهذه طريقة تعفي من عناء فهم النص سطرا سطرا.

٠ التحليل : 

وهي مرحلة من الدراسة نقوم فيها بتعميق الفهم وتفصيله، فنُركّز على المعاجم والخصائص الفنية من استعارة وتشبيه وأساليب وإيقاع، على أن نبقى في الغالب مرتبطين بالإشكال المثار في التقديم.
٠ المعاجم : يُفترض أن تكون المعاجم في قصيدة تكسير البنية ممثلة للاتجاه. لذلك ننتظر أن تكون من قبيل:
معجم الذات : خاصة أن الشعراء التكسيريين ظلوا في بعض قصائدهم يمتحون من شعر سؤال الذات، الأمر نفسه ينطبق ما الطبيعة.
معجم المدينة : نجده عند بعض الشعراء الذين سئموا الحياة في المدن الكبرى، وحنوا للريف وصفائه.
معجم الواقع المرير : أو ما شابهه من معاجم تُشير إلى الواقع المتردي الذي صارت تحياه البلاد العربية (استعمار، هزيمة، استبداد...).
معجم التحرر : لأن شاعر تكسير البنية كان يهفو إلى حرية أكبر. وتجدر الإشارة إلى أن المعاجم مهما كانت المدرسة التي تُمثْلُها تُسهم في بناء المعنى والتعبير عن تجارب الشعراء.
٠ الأساليب الفنية في القصيدة : نتدرج في دراسة الأساليب وفق المطلوب في هذا المستوى في ورقة الامتحان. أما إذا جاء المطلوب عاما يحيل على الأساليب الفنية ووظائفها بشكل عام فإنني أقترح اتباع التدرج الآتي : الصورة الشعرية، والأساليب (نعني بها طبيعة الجمل الموظفة في القصيدة) ، والإيقاع بنوعيه الخارجي والداخلي.
- الصورة الشعرية
* التشبيه : ما تنتظره من التشبيه في الصورة عند شاعر تكسير البنية هو تباعد طرفيها خلافا لما كرَّسه نموذج الأولين من تقارب (انظردرس الصورة الشعرية). ما ننتظره كذلك هو أن يرد متناسلا عبر أكثر من سطر.
* الاستعارة : نتوقع أن تكون استعارة حركة تكسير بنية القصيدة القديمة مبنية تتناسل عبر أسطر القصيدة (انظر درس الصورة الشعرية) ، وأن يغيب فيها التناسب خلافا لحركة إحياء النموذج أو شعر بعض شعراء سؤال الذات اللذين عادة ما كانا يناسبان بين المستعار منه والمستعار له.
* الرمز : قد ترد بعض الرموز في قصيدة التكسير فنعمل على الإشارة إلى ما تُحيل عليه من دلالات، رابطين إياها بالمضمون العام للقصيدة.
- أساليب الخبر والإنشاء : نركّز في هذا الإطار على الجمل الفعلية والاسمية من حيث هيمنة إحداها على الأخرى، كما نركز على الجمل الإنشائية والخبرية، وعلى بعض من حالات خروج الأسلوب الإنشائي عن معناه الحقيقي لإفادة معنى آخر يُدرك من خلال السياق. يمكن كذلك التركيز على الضمائر المهيمنة.
- الإيقاع
٠ الخارجي : ندرس في هذا الإطار مظاهر تكسير بنية القصيدة القديمة على مستوى الإيقاع، فتشير إلى التخلي عن نظام الشطرين المتناظرين، وعلى وحدة الوزن والقافية وحرف الروي. فقد اختار شاعر الحداثة إيقاعا جديدا يقوم على السطر الشعري والجملة الشعرية التي تتوافق ودفقاته الشعورية. كما اختار تنويع قوافيه تارة، والتخلي عن القافية تارة أخرى، كما تصرف في الوقفات العروضية والدلالية (انظر درس الإيقاع الجديد) .
* الداخلي : نُعزّز دراستنا للإيقاع الخارجي بالداخلي لنقف على ظاهرة تكرار المتجاور والمتكافئ من أصوات القصيدة ومعجمها وتراكيبها، ونقف على وظيفة ذلك وهي إضفاء جمالية على النص واستمالة المتلقي والتأثير فيه.

٠ التركيب

وهو خلاصة نجمع فيها النتائج التي توصلنا إليها نشير باختصار إلى مضمون القصيدة ومعاجمها وصورها وأساليبها وإيقاعها، ثم ننتقل إلى تمثيل القصيدة للاتجاه الشعري فتجمل ذلك في تكسير البنية العروضية، وتجاوز ذلك إلى الإشارة إلى تكسير بنية التصوير والبنية المعجمية للقصيدة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-