منهجية تحليل قصيدة سؤال الذات
سؤال الذات
حركة سؤال الذات اتجاه شعري آخر ظهر في نفس السياق الذي ظهر فيه شعر حركة إحياء النموذج، إلا أنه عاب على الحركة الإحيائية انشغالها بالغير سواء أكان هذا الغير ممدوحا أم مرثيا أم متغزلا به وانهماكها في تتبع آثار الأولين بدل التعبير عن الذات وما يُخالجها من مشاعر وأحاسيس. انشغل الوجدانيون بالنفس الإنسانية وهمومها وأحزانها فكانت لديهم حساسية عالية إزاء الدواخل من أسى وأحزان. وقد تعددت مدارس هذا الاتجاه فكانت الرابطة القلمية وجماعة أبولو ومدرسة الديوان. وقد تميز هؤلاء بانفتاحهم على الثقافة العالمية، خاصة أن مجموعة منهم عاشوا بين ظهراني الغرب مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة.
وبسبب هذا المعيش المزدوج بين حضارتين عربية وغربية، نجد شاعر سؤال الذات يفتح الطريق أمام القصيدة للتجديد دون إهمال تقليد النموذج الذي سبقت الإشارة إليه والذي أصله الشعراء العرب من العصر الجاهلي إلى عصر العباسيين. لم يقف الذاتيون على الطلل، غير أنهم ظلوا يميلون إلى الصورة القريبة ولم يحترموا دائما وحدة البيت والقافية وحرف الروي، وإنما نوعوا في ذلك فجاءت القصيدة عندهم من بحرين أو من قواف متعددة وحرف روي متعدد كذلك. نذكر من شعراء هذا الاتجاه جبران خليل جبران، ذلك الكاتب الذي لم يكتف بالشعر وإنما ألف في غيره. ونذكر أيضا ميخائيل نعيمة الذي قضى سنوات بروسيا، وعلي محمد طه الشاعر المصري الملقب بالشاعر الملاح، وأبا القاسم الشابي الشاعر التونسي الذي أضناه المرض فجعل من القصيدة مجالا لرصد معاناته معه. ونذكر أيضا أحمد زكي أبا شادي مؤسس جماعة أبولو. وفيما يأتي نقف على المراحل المنهجية لدراسة قصيدة تنتمي إلى سؤال الذات.
منهجية الدراسة
٠ التقديم :
يتم التركيز فيه على حركة سؤال الذات باعتبارها حركة عملت على إعادة الاعتبار لذاتية الشاعر خلافا لغيرية حركة إحياء النموذج، والتركيز على انفتاح شاعر سؤال الذات على محيطه العالمي بفعل استقراره بالمهجر أو انفتاحه على الثقافة الغربية، مع الإشارة السريعة لارتباط الشاعر المدروس بالاتجاه، وإثارة الإشكال الآتي : ما مظاهر رومانسية القصيدة؟ وما مظاهر التجديد والتقليد فيها ؟
٠ الملاحظة وفرضية القراءة :
قد تبدو رومانسية القصيدة من خلال تراكم ألفاظ دالة على الطبيعة والذات من الأبيات الأولى فيها ، فنفترض انتماءها لهذا الاتجاه. وقد تتعزز فرضيتنا بتنويع حرف الروي أو تنويع نظام الشطرين فيها بحسب مقاطع طويلة وأخرى قصيرة. لذلك نستند إلى هذه المشيرات لنفترض ذلك الافتراض، داعين إلى التحقق منه بالدراسة والتحليل.
٠ مضامين القصيدة : وهي عبارة عن فقرة نجمل فيه الأهم من معاني القصيدة بالأسلوب الشخصي وبلغة مباشرة. وهذه طريقة تعفي من عناء فهم النص بيتا بيتا.
٠ التحليل :
وهي مرحلة من الدراسة نقوم فيها بتعميق الفهم وتفصيله، فنُركّز على المعاجم والخصائص الفنية من استعارة وتشبيه وأساليب وإيقاع، على أن نبقى في الغالب مرتبطين بالإشكال المثار في التقديم.
٠ المعاجم : يُفترض أن تكون المعاجم في قصيدة سؤال الذات ممثلة للاتجاه. لذلك ننتظر أن تكون من قبيل:
* معجم الذات : وهو ألفاظ تحيل على الشاعر إما بواسطة ضمير المتكلم المنفصل (أنا) أو المتصل (أحسست)، أو من خلال أسماء أو صفات تعود على الشاعر (الحزن والسهر، حزني، سهري...) ،
* معجم الطبيعة : وهو ألفاظ تحيل على الطبيعة من شجر وسماء وماء وعصافير ... وتجدر الإشارة إلى أن الغالب في تجربة سؤال الذات هو علاقة التفاعل بين معجم ذات الشاعر ومعجم الطبيعة. لذلك فهذا النوع من الحقول الدلالية يُسهم في نقل تجربة الشاعر إلى القارئ بشكل جلي وواضح،
- بالنظر إلى تخلي الشاعر الذاتي عن الغيرية وتركيزه على الذاتية، فإنه عمل على تبسيط لغة القصيدة. لذلك لا بأس من الإشارة إلى بساطة ألفاظ القصيدة. إلا أنه في حالة تراوح القصيدة بين التجديد والتقليد فإنه بالإمكان العثور على ألفاظ قديمة، الشيء الذي يُخوِّل لنا إمكانية الحديث عن المعجم التقليدي والتمثيل له بما يُناسب من القصيدة.
٠ الأساليب الفنية في القصيدة
- نتدرج في دراسة الأساليب وفق المطلوب في هذا المستوى في ورقة الامتحان. أما إذا جاء المطلوب عاما يحيل على الأساليب الفنية ووظائفها بشكل عام فإنني أقترح اتباع التدرج الآتي :
الصورة الشعرية، والأساليب (نعني بها طبيعة الجمل الموظفة في القصيدة) ، والإيقاع بنوعيه الخارجي والداخلي.
- الصورة الشعرية
* التشبيه : قد يتبع الشاعر الوجداني طريقة القدامى في التشبيه بحيث يُقارب بين الطرفين المشبه والمشبه به. في هذه الحالة، ندرس التشبيه على غرار ما نقوم به مع الإحيائيين. غير أنه قد يتميز فيبني التشبيه بعناصر الطبيعة التي صارت تحل عنده محل الإنسان، فنقوم في هذا الصدد ببيان صياغة هذا النوع من التصوير بألوان الطبيعة. أضف إلى ذلك ارتباط التشبيه بذاتية الشاعر ووجدانه.
* الاستعارة : قد يتبع شاعر سؤال الذات القدامى في الاستعارة فترد عنده يتناسب فيها المستعار منه والمستعار له. في هذه الحالة ندرس الصورة الاستعارية على غرار دراستها لدى حركة إحياء النموذج. إلا أن شاعر سؤال الذات قد يبتعد عن القدامى فيقيم استعارته على التشخيص، فيعامل المعنويات والكائنات غير البشرية معاملة البشر في إطار ابتعاده عن الإنسان الشرير وتعويضه بعناصر الطبيعة التي اضطر إلى أنسنتها كي يجد المخاطب والرفيق.
- أساليب الخبر والإنشاء : نركّز في هذا الإطار على الجمل الفعلية والاسمية من حيث هيمنة إحداها على الأخرى، كما نركز على الجمل الإنشائية والخبرية، وعلى بعض من حالات خروج الأسلوب الإنشائي عن معناه الحقيقي لإفادة معنى آخر يُدرك من خلال السياق. يمكن كذلك التركيز على الضمائر المهيمنة ؛ فقد يهيمن ضمير المتكلم، مثلا، فيفيد في الإجابة عن الإشكال مادامت قصيدة سؤال الذات قد اهتمت بالذات أكثر من اهتمامها بالغير.
* الإيقاع
٠الخارجي : ندرس في هذا المستوى من التحليل الأساسي في البنية العروضية في القصيدة. فإذا كانت عمودية موحدة الوزن والقافية وحرف الروي درسناها على غرار دراستنا لقصيدة إحياء النموذج. أما إذا خرجت عن العمودية، فإننا نقوم برصد تنوع قافيتها وحرف رويها ، وتنوع بحورها إن أمكن ذلك.
٠ الداخلي : نُعزّز دراستنا للإيقاع الخارجي بالداخلي لنقف على ظاهرة تكرار المتجاور والمتكافئ من أصوات القصيدة ومعجمها وتراكيبها ، ونقف على وظيفة ذلك وهي إضفاء جمالية على النص واستمالة المتلقي والتأثير فيه.
* التركيب
وهو خلاصة نجمع فيها النتائج التي توصلنا إليها. نشير باختصار إلى مضمون القصيدة ومعاجمها وصورها وأساليبها وإيقاعها، ثم ننتقل إلى الوقوف عند مظاهر رومانسيتها ومظاهر التقليد والتجديد فيها. أما الرومانسية فيتعين أن تظهر في حضور الذات والطبيعة وما يرتبط بهما من حزن ومعاناة وتأمل في الكون والوجود. وأما التجديد فيتعين أن يظهر في تبسيط المعجم وحضور معجم الذات، وبناء الصورة على الطبيعة واعتماد التشخيص، بالإضافة إلى تنويع القافية وحرف الروي. وأما التقليد فلن يخرج عن ما أوردناه بخصوص شعر حركة إحياء النموذج من معاجم تقليدية وتشبيه قريب واستعارة مناسبة وإيقاع خارجي عمودي يوحد الوزن والقافية وحرف الروي.