قصص أطفال / شجرة مختلفة - زكريا تامر


قصة للأطفال / شجرة مختلفة - زكريا تامر


قصة للأطفال / شجرة مختلفة - زكريا تامر

كانت أشجار البرتقال المنتشرة في البساتين تبغض الكلام وتفضل دائماً الصمت، ولكن إحداها كانت شجرةَ برتقال مختلفةً، فهي تهوى الكلام، ويحلو لها الحديث مع أولاد صغار السن، شاحبي الوجوه، حفاةٍ، يقصدونها لالتهام بعض برتقالها الشهي، وتروي لهم أخباراً غريبةً طريفةً ترغمهم على الضحك طويلاً، فتشعر شجرة البرتقال آنذاك بالراحة والسعادة والرضا كأنها أعطت الناس أطناناً من البرتقال.

وكانت شجرة البرتقال كغيرها من أشجار البرتقال ذات أوراق خضر في الشتاء والربيع والصيف والخريف، ولكن أوراقها تبدلت فجأةً، وفقدت اخضرارها، وباتت صفراً تثير دهشة كل من يراها، فسألها أصدقاؤها الأولاد الصغار عما حدث لها، فأجابت : أنا لست بالمريضة، ولكن الحزن يفعل ما هو أسوأ.

فتصايح الأولاد متسائلين باستغراب : وهل شجر البرتقال يعرف الحزن أيضاً؟

فأجابت شجرة البرتقال : من الطبيعي أن أحزن، فالناس فيما حولي يُجبرون على الهجرة ومغادرة الأرض التي ولدوا فوق ترابها، وأنا أرغب في الهجرة مثلهم، ولكني ملتصقة بالتراب، وأعجز عن التحرك.

وتنبهت شجرة البرتقال بعد أيام إلى أناس كثيرين لا تمنعهم جذورهم المتغلغلة في الأرض التي ولدوا فوق سطحها من الهجرة والسفر إلى أيّ مكان في الدنيا، ولكنهم يفضلون البقاء والعيش في أرضهم، فتضاءل حزنها، وعادت أوراقها خضراً متخليةً عن اصفرارها، فتحلق حولها أصدقاؤها الأولاد مطلقين الصيحات المرحة متناسين أقدامهم الحافية وبطونهم المشتاقة إلى الخبز الطازج واللحم والحليب والفواكه.

وعندما زار الأولاد الصغار بعد أيام صديقتهم شجرة البرتقال فوجئوا باختفائها، وفوجئوا أيضاً بأن أشجار البرتقال وأشجار الزيتون قد قطعت كلها، أما بيوت القرية القريبة من البساتين، فقد هُدمت، فهيمن عليهم غضبٌ لن يزول، ومشوا بأقدامهم الحافية على أرض مغطاة بالأشواك من دون أن يشعروا بأيّ ألم.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-