تحضير نصّ الكائنات الرهيبة / د. رؤوف وصفي

 المجزوءة الأولى:  أنواع الخطاب  
الخطاب التخيلي

الكائنات الرهيبة . د. رؤوف وصفي 

                         
تحضير نصّ الكائنات الرهيبة /  د. رؤوف وصفي


 تأطير النص : 

    النص التخيلي نوع من الكتابات الأدبية الممتعة المبنية على موضوعات وقضايا وظواهر تتجاوز أبعاد المنطق والحقيقة والطبيعة ومنها ما لا يخرج عن نطاق تطور التكنولوجيا وآفاق التحول الممكن تحقيقه مستقبلاً (أدب الخيال العلمي). ويدخل ضمن النص التخيلي ابتكار أحداث غير واقعية، محتملة الوقوع بناء على افتراضات معقولة، أو تندرج ضمن العجائبي، أو الأسطورة القائمة على المبالغة والتهويل كقصص الرعب والأبطال الخارقين وحكايات الجدات وقصص الأطفال....

النص التخيلي إذن جنس حكائي عجائبي يولد لدى المتلقي تشويقا وإثارة وذهولاً لا توفره الأجناس الأخرى حيث تنظم العناصر العجائبية الحبكة فيه، وهي عناصر لا وجود لها إلا داخل لغة السرد ومتخيل المبدع والمتلقي .

-  تبرز الصورة كائنات حشرية عملاقة تشبه نملا كبيرا، تحمل رقاقات إلكترونية، أو ربما قطعا معدنية على أرض  موحشة وفضاء مكفهر بألوان ساخنة دالة على ما يشبه دمارا شاملاً. وإلى جانب هذه الكائنات آلة غريبة تشبه محطة فضائية صغيرة، وإنسان ببدلة واقية  كوسمونوتيكية كأنه الناجي الوحيد من كارثة نووية أو النازل الوحيد على كوكب أحمر، مما يوحي أننا بصدد واقع متخيل يشي بانحسار البشر أمام هجوم كاسح لهذه الكائنات الرهيبة. .
-  النص لرؤوف وصفي كاتب عراقي معاصر أسعفه تكوينه العلمي في تأليف روايات الخيال العلمي التي منها: المارد المعدني – رحلة إلى المستحيل... 

-  يدفعنا عنوان النص إلى وضع فرضية أساسية للقراءة مدارها أن أي تغيير في قوانين الكون قد يترتب عنه عواقب وخيمة على مستقبل الإنسان. 

  القراءة التوجيهية :

يدور مضمون النص حول الأحداث الرئيسية الآتية: 

  ـ  استخدام أسلحة الدمار الشامل في الحرب العالمية الثالثة تسبب في اختفاء جل الحياة، وتشويه الفئة القليلة الباقية منها؛ 
  ـ  تفكير الدكتور "م" الناجي من الكارثة،  بعد حصوله على نملة غريبة، في تجريب عالم يحكمه النمل، ويملأه دأبا وسلاما، باستخدام آلة الزمن؛
 -   نقل النمل المشوه إلى الماضي السحيق قبل وجود الإنسان، تأمين شروط التكاثر له؛ 
  ـ  عودة الدكتور "م" إلى المستقبل ليكتشف حضارة متقدمة أسيادها نمل عملاق، سمته الأساسية الوحشية  والعدوان.
  ـ  استنتاج د. "م"،  قبل أن تلتهمه قطعان النمل، ألا مفر من الشر في هذا العالم  وخيبة أمله في السلام.

القراءة التحليلية : 

- يعرض النص أحداثا غريبة مبنية على الاحتمال العلمي والتوقع التكنولوجي؛ مما شحن النص بمعجم تخيلي غرائبي مرتبط بالحقلين المذكورين آنفا، مجسد في ألفاظ مثل: المدينة المعدنية ، قنابل نترونية ، جسور محدبة ، سفر عبر الزمن ، النمل يحكم العالم ، مبان مخروطية ، عالم من الأنفاق، الحرب العالمية الثالثة، عربات بثلاثة أرجل ...

- يقود السرد في النص ضمن المسار التخيلي حدث ممتد من بداية المحكي إلى نهايته، من اندلاع الحرب الثالثة إلى أن التهم النمل الغريب الدكتور "م" الباحث عن السلام بفكرته الجنونية الفاشلة.

- يتميز السرد في النص بوتيرته التعاقبية عبر متواليات جملية حكائية بسيطة على محور زمني خطي متسلسل،  يتولى فيه وظيفة السرد راو يبدو محايدا (ضمير الغائب)، غير أنه في الحقيقة يتجشم رؤية سردية تبدو متحكمة في مجريات الحدث، ومتدخلة أحياناً تدخّلاً مباشراً عبر آليات الحوار في توجيه دفة الحكي ووسم فعل الشخصية المعاكسة بسمات يحاول السارد تمويها أن يقنعنا بعدم تدخله في وظائفها.

-  تتخلل المقاطع السردية مقاطع وصفية تؤثث الأمكنة والأوضاع والحالات، تأثيثا يستمد علاماته من عالم الخيال العلمي.

-  ينحو الحوار في النص منحى ثنائيا أحياناً يترسم معالم الصراع بين عوامل مساعدة وأخرى معاكسة، ويرصد علامات التجاذب بين العامل الذات والعامل الموضوع، وأفق التواصل بين المرسل والمتلقي. وأحياناً أُخرى ينحو منحى أحاديا عبر كلام موجه إلى الذات التي تقف موقفاً حاسماً عليها أن تتخذ إزاءه قراراً مصيريا. 

- يتميز الزمن والمكان بخاصية الغرابة والعجائبية في سياق متخيل يتأرجح بين ثلاثة فضاءات: الحاضر والماضي والمستقبل، وهي فضاءات مغلقة عدائية يغيب فيها الإنسان، أو ينذر وجوده الضئيل فيها باضمحلال. 

-  يتميز أسلوب النص بخصائص فنية وعلمية على مستوى توظيف لغة تكثر فيها التلوينات الأسلوبية، وبعض الومضات التصويرية لملامسة سياقات تعجّ بمواقف الإثارة والذهول والخوف، وعلى مستوى المادة الحكائية المشكلة لمضمون النص، وهي ذات مرجعية متخيلة رغم وجود مؤشرات معجمية تحيل إلى الحقل العلمي، وعلى مستوى البناء السردي وشفافية الوصف وازدواجية الحوار .

 في رسالة النص :

     يوجه الكاتب، من خلال هذه القصة، مجموعة من الرسائل إلى المتلقي منها: التنبيه إلى الخطر الذي تحمله التجارب العلمية غير المحسوبة العواقب رغم ما تقدمه من إمكانات لإسعاد البشرية وجعل الحياة أكثر راحة ورفاهية، ومنها: المخاطر الناجمة عن محاولات التدخل لتغيير قوانين الطبيعة ومبادئ التوازن بين مكوناتها، ناهيك عن استخدام التقدم التكنولوجي في تأجيج الصراعات وإذكاء الحروب التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-