تحضير نص تطوان لمحمد أنقار
المجزوءة الأولى: أشكال نصية مختلفة
النص الوصفي: تطوان لمحمد أنقار
في إطار النص:
- الوصف التقاط، أو تخيل سمات مميزة أو صفات ظاهرة أو باطنة لشخص أو مكان أو موقف أو شيء ما، وتقديمها في نسق لغوي دال يتيح للمتلقي إمكانية تمثل الموصوف.
- الوصف أنواع مختلفة بحسب زوايا النظر إلى الموصوف: فهو إما مادي يرصد المظهر الخارجي، أو معنوي يسبر الطبيعة النفسية والفكرية والاجتماعية، وقد يكون موضوعيا ينقل الصورة كما هي في الواقع، أو ذاتيا يسقط انفعالات الواصف على الموصوف.
- يضطلع الوصف بوظيفة أساسية في الخطاب السردي، إذ بواسطته يهيئ الكاتب جو الحدث، ويبني سلطة السارد، ويحدد أبعاد المكان ومكوناته وملامح الشخصية ووضعياتها ومواقفها، ودلالة الزمن ومقوماته.
- تجسد الصورة الموازية سوقا شعبيا عشوائيا من أسواق مدينة تطوان تنوعت مؤثثاته بين منصات خشبية أو حديدية وضعت عليها بضائع مستعملة مستوردة معروضة للبيع، ومظلات بألوان مختلفة توفر الظل للباعة والبضائع والزبناء المتحلقين حولها، وتحيط بهذا الفضاء بنايات متصلة بهذا السوق تعلو أبواب المخازن التي توجد أسفلها سقوف من القصدير، والبنايات قديمة مهترئة تعكس معمارا إسلاميا أندلسيا يبدو واضحا من تقوسات النوافد والمدخل الكبير المزين بنقوش وقرميد أخضر، وفي أقصى الصورة مئذنة تدل على وجود مسجد جامع يشي بتشكيل هندسي متميز للمدن العربية في عصر الأزهار.
- العبارات الموضوعة بين مزدوجتين في بداية الفقرة الأولى علامات دالة على أمكنة مشحونة بأبعاد رمزية وتاريخية وحضارية ، فهي من جهة دالة على المعرفة العميقة للسارد بدروب تطوان وتاريخها والتغييرات التي طالتها، وهي من جهة ثانية محيلة على ارتباط وثيق بفضاءات احتضنت طفولته، ولا تزال تحتضن حركته الحاضرة.
فهم النص:
1- المتحدث في بداية النص هو السارد وعلاقته بالأمكنة الموصوفة علاقة ألفة، فقد كانت مسرحا لطفولته ومحضنا لذكرياته الجميلة ولا تزال أفقا لحنينه ولتأملاته، ويؤكد ذلك تعرفه على أسماء الأماكن وملامحها الثابتة والمتغيرة، واهتداؤه بالخريطة الموشومة في الذاكرة في معالمها ومجاهلها، واستعماله ضمير المتكلم.
2- اتخد الكاتب مسارا محددا في رحلته الصغيرة، فانطلق من "النقيبة" معرجا على "تربيعة الكوزة" ثم عابرا جهة "الصباغين" المفضية إلى "باب الخرازين"، لينتهي به المطاف إلى فضاء الغرسة الكبيرة حيث وقف مليا يصف مكوناته.
3- تتسم الأمكنة الموصوفة في النص بسمات متميزة: فتربيعة الكوزة ضيقة ووديعة وحالمة، بينما الغرسة الكبيرة شاسعة وصاخبة، وكلها تتصف بسحر المدن العتيقة وأصالتها، وتختزن عمقا جماليا عجائبيا متنوعا وخالدا يشكل مداخل مادية محسوسة تعكس سحر الحضارة الأندلسية ودفئها، ومداخل معنوية تشف عن العلاقات التي تربط الناس بتلك الفضاءات.
5- الشخصية التي ورد وصفها في ثنايا النص هي شخصية الدلال، وقد رسمها السارد رسما لا يخلو من كاريكاتورية فوجهه أحمر قان، ورأسه أصلع داخل في بقية جسمه، ولباسه ثلاث جلابات صوفية خشنة، غير أن السارد يبدي غير قليل من الإعجاب بهذه الشخصية المتفائلة دائما، المشرقة الأسارير، المتزنة، الدائبة على العمل، الناجحة في إدارة العمليات التجارية، المزهوة بتميزها.
6- تتلخص معالم تغير الأمكنة التي وصفها السارد في اختلاف صورة ماضيها المشرق عن وضع حاضرها الكئيب المفعم بالإهمال والإقفال والاجتثاث الذي طال بعض معالم الفضاءات الموصوفة، مما ترك مرا عميقا في نفسية السارد يتجلى في حنينه إلى الماضي وعجزه عن خلق لحظاته في الحاضر وأسفه لما أصاب بعض الأمكنة من تشوه.
تحليل النص:
1- يمكن رصد الأوصاف الرئيسية للأمكنة البارزة في فضاء تطوان بين الماضي والحاضر من خلال الجدول الآتي:
الماضي
القاعة: فجوة درب مغلق – مكان لبيع السمن والعسل والخضر بالجملة – دلال مشهور
الغرسة الكبيرة: محيط أخضر – نشاط علمي وفني وثقافي – حراك اقتصادي واجتماعي – حركة بشرية دائبة وصاخبة – منظر بانورامي على السطح...
تربيعة الكوزة: ضيقة – ساحرة وحالمة (لغة ألف ليلة وندى الأندلس) – شجرة الجوز
الحاضر
القاعة: فجوة درب مغلق – مخزن لتكديس الملابس المستعملة
الغرسة الكبيرة: إقفال المدرسة – اختفاء عروش العنب والياسمين –
سوق صاخب لملابس مستعملة مستوردة – مآثر قديمة مهترئة بمسحة كآبة – دكاكين ومقاهي صامدة – اختفاء الأهازيج والأغاني الجبلية – درجات السطح خاملة مقفلة...
تربيعة الكوزة: ضيقة – حزينة وكئيبة – أماكن يتيمة – لا تخلو من سحر الماضي – اجتثاث شجرة الجوز
2- تتضح معالم المكان الموصوف في النص باستحضار المحددات الآتية:
* معالم الحضارة الأندلسية : في الطابع المعماري لمكونات الفضاء (الساحات ـ الساحات ـ المقاهي ـ الدكاكين ـ الأسوار ـ الأبواب المقوسة ـ النوافذ ـ المآذن ـ المدرسة العتيقة ـ القصبة...).
* الحضور الثقافي : الأهازيج ـ الأغاني الجبلية ـ العادات والتقاليد ـ اللغة التطوانية ـ أنماط السلوك ـ الملابس...
* جمالية المكان وهندسته : الأحياء العتيقة بساحاتها ودروبها وأبوابها وأسواقها وأسوارها وفضاءاتها الساحرة الدافئة المحيلة إلى عالم ألف ليلة وليلة وماضي الأندلس الندي.
* التغيرات التي طرأت على المكان : اجتثاث شجرة الجوز من تربيعة الكوزة وغياب الأعشاب المزينة لوسط الساحة – إقفال أدراج السطح – اهتراء الجدران والنوافذ والشبابيك – الكآبة المحيطة بالبرج والمئذنة والمدرسة – اندثار عروش العنب والياسمين والأهازيج والأغاني وأجواء الغبطة والألفة...
3- استعان الكاتب في وصف الأمكنة بأداتين: البصر والذاكرة، البصر لالتقاط مشاهد الحاضر، والذاكرة لاستدعاء أوضاع الماضي.
4- وصفت شخصية الدلال في النص من ثلاث زوايا:
* المظهر الجسدي: وجهه محتقن ، رأسه أصلع داخل في بقية جسمه ، يلبس ثلاث جلابات من الصوف الخشن ، مشرق الأسارير ، مبتسم
* الوظهر الاجتماعي: محافظ ، مشهور ، علاقاته الاجتماعية جيدة ، ناجح في عمله
* المظهر النفسي: هادئ ، متزن ، متفائل ، مبتهج ، مزهو
5- لم يكن السارد في وصفه للمكان والشخصية محايدا، بل كان يعبر عن انفعالاته ومواقفه فيما يصف ، ويظهر ذلك بجلاء في إعجابه بجمالية المكان وابتهاجه بصورة الشخصية الموصوفة، وبرمه من صورة الحاضر.
6- يتداخل في النص السرد والوصف، ويتمثل السرد في حركة السارد وتنقلاته بين الفضاءات الموصوفة ومؤثثاتها سواء في الماضي أو الحاضر، بينما يتشكل الوصف من ملتقطات الحواس الحاضرة أو المسترجعة وتداعيات الانفعال المصاحبة لها الثاوية في تعليقات السارد المتعددة.
التركيب
استحوذت ثلاثة أمكنة على المشهد الوصفي في النص: تربيعة الكوزة والقاعة والغرسة الكبيرة، الأولى ساحة ضيقة ساحرة هادئة يبدو السارد معجبا بها مرتاحا إليها، أما القاعة والغرسة الكبيرة ففضاءات تعكس صورتين: ماض جميل ودافئ، وحاضر كئيب ومزعج، والسارد متعلق بالماضي ، برم من الحاضر. وركز وصف الشخصية على شمولية المادة الوصفية في رصدها للمظهر الجسمي والاجتماعي والنفسي المتميز للعلامة الموصوفة. واتسم الوصف عموما بالواقعية والإثارة والتشويق والمزج بين الذاتي والموضوعي، وبث الحياة في الموصوفات الجامدة عبر إلباسها أفعال الإنسان وأحاسيسه.
في رسالة النص
بالإضافة إلى إبراز النص لجمال المدن العتيقة وغناها الحضاري والثقافي، فإن الواصف يدعونا عبر المقارنة التي يعقدها بين خصائص المكان في الماضي والحاضر إلى الاهتمام بهذه المدن وبمعالمها التاريخية ومخزونها الحضاري الموشوم جله في ذاكرة سكانها الذين لا يلبثون إلا قليلا ثم يغادرون فيضيع ما لم يسعفه التسجيل والتوثيق، كما يدعونا إلى المحافظة على البيئة والجمال الطبيعي لهذه المدن حتى لا تفقد أصالتها ورونقها وسحرها الخالد بفعل الإهمال والتشويه والاجتثاث، لأنها تراثنا جزء من هويتنا، والحفاظ عليها مسؤولية الجميع.