تحضير نص التكنولوجيا والثقافة للمهدي المنجرة

          التكنولوجيا والثقافة للمهدي المنجرة 

تحضير نص التكنولوجيا والثقافة للمهدي المنجرة



 المجزوءة الثانية: قضايا معاصرة  -  الإنسان والتكنولوجيا 

 التكنولوجيا والثقافة للمهدي المنجرة 

مدخل مفاهيمي

- ارتبطت التكنولوجيا بالإنسان منذ وجوده باعتباره صانعا لأدوات استخدمها لصالحه انطلاقا من خبرات وتجارب. لكنها ارتبطت في المجتمع المعاصر بصنع آلات وأجهزة معقدة ومؤسسات مرتبطة بها استنادا إلى معطيات تقنية ومعارف ومهارات بالغة التعقيد والدقة.

- تعددت تعريفات التكنولوجيا، غير أنها كلها تصب في كونها تطبيقات عملية لمعارف وخبرات في تصنيع منتوج وإنشاء المشروع الملائم له.
- تتطور التكنولوجيا مع تطور العلم والمعرفة، وتعمل بدورها على تطوير المتغيرات الأخرى في كل مجالات الحياة.

- تتضمن التكنولوجيا جانبين:
  * جانب مادي: يرتبط بالآلة والتفاصيل الفنية والهندسية المتصلة بتكوينها وصيانتها واستخدامها.
  * جانب وظيفي: يتعلق بالمجال المعرفي والخبراتي المحيط باستخدام الآلة طبقا لتخطيط محدد وقرارات معينة تنظم الإنتاج وتتيح النمو وتمكن من توليد تكنولوجيا وعلماء وطرائق جديدة وتطبيقات أكثر دقة وسرعة وفعالية.

- يرتكز المجتمع الحديث ارتكازا أساسيا على التكنولوجيا لاهتمامه بالإنتاج وتحسين الأداء والخدمات كما وكيفا، لذلك يقال إن التكنولوجيا صانعة العالم الحديث، وبالنظر إلى الوسائل المستخدمة في النقل والاتصال والاقتصاد والإعلام والفن والخدمات وغيرها يتبين صدق هذا القول، حتى إنها تجاوزت بعدها الآلي الصرف لتقوم بدور الدماغ البشري في تحليل النظم وإنجاز العمليات المعقدة بكيفية أسرع وأدق وأضخم في مجالات حساسة ترهن حياة الإنسان وصحته ومستقبله وأمنه.

- رغم التطور الهائل للتكنولوجيا في المجتمع الرقمي الراهن، وما أتاحته للإنسان من قدرة على معالجة الكثير الظواهر والمشكلات والسيطرة على الموارد والطاقات بالكفاءة والسرعة الفائقتين، فإن للتكنولوجيا وجه آخر غير جميل بالمرة يسهم في تغريب الإنسان وقتل إرادته والتلصص على خصوصياته وتدمير قيمه الاجتماعية والثقافية والأخلاقية.

سياق النص 

النص للمهدي المنجرة، باحث مغربي في الدراسات المستقبلية، وخبير في العلوم الإنسانية، يروم بلورة رؤية تصحيحية لتشكل الفعل التكنولوجي في المجتمع عبر التغلغل في المكون الثقافي الواعي الذي يصنع الذات ويحفز على الإبداع، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال استيراده أو نقله أو تحميله في مجتمع مؤشرات التنمية الإنسانية فيه ضعيفة جدا، وتطوره الديموقراطي شكلي هش غير متجذر، وتبعيته ظاهرة قاهرة، مجتمع تنعدم فيه الإرادة واحترام الإنسان ويقمع الحريات ويعيق الطاقات والقدرات وتنتشر فيه أشكال التخلف القاتلة.

ملاحظة النص

يتألف عنوان النص من كلمتين عطفت إحداهما على الأخرى للتأشير على نوع من العلاقة الضرورية القائمة بينهما، والتي يحاول النص تجليتها بدقة، وبيان شروط قيامها وضمانات استمرارها في واقع معولم تزحف فيه التكنولوجيا على الحياة بشكلين مختلفين: شكل يؤصل النمو والتطور والإنتاج والإبداع والسيادة، وشكل يكرس التخلف والجمود والتبعية والاستهلاك السلبي.

فهم النص

يعرض النص حزمة من التصورات المرتبطة برصد العلاقة بين التكنولوجيا والثقافة نجملها كالآتي:

- الشروط التي اقترحها المنجرة لحل معضلة التقدم التكنولوجي في البلدان ناقصة التنمية تتلخص في دمج التكنولوجيا في نمو الذات المعرفية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الواعية والمبدعة حتى تصير جزءا من هويتها يتطور بها ومعها باستمرار.

- رفض الكاتب خيار نقل التكنولوجيا، وتبنيه اختيار التمكن منها، لأن الأول كذبة امبريالية تستهدف توسيع التدخل في اقتصاد الدول النامية وسياستها بمقابل مادي وجيو-سياسي مدمر، أما الخيار الثاني فيدخل التكنولوجيا في الثقافة باعتبارها مكونا عضويا جوهريا ديناميا يستنفر الطاقات الخلاقة ويولد الإنتاج والإبداع ويضمن التقدم والاستقلالية في القرار.

- تأكيد الكاتب على دور القيم الثقافية الحرة المشبعة بالعلم والمعرفة والابتكار والجرأة على التغيير، وعلى دور الإرادة السياسية في تأمين أنساق الحرية والدعم لأصحاب المواهب ضمن سياق ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان، دورهما في تجذير الانتقال إلى المجتمع التكنولوجي المتقدم.

- تمثيل الكاتب لاندماج التكنولوجيا بالثقافة وانصهار العلم في الإرادة بالنموذج الياباني القائم أولا على استيراد المواد التكنولوجية وفهم آلياتها وتحليل جزيئاتها، ثم إعادة تركيبها بمقاييس وأذواق تعكس القيم اليابانية بما فيها من ثقافة ومجتمع واقتصاد، كما تعكس الرغبة في الإبداع الذاتي والخصوصية اليابانية المتحدية.

- تنصيص الكاتب على أن هدر المجتمع العربي الإسلامي لموارده المالية والبشرية في ظل سياسات غير رشيدة يعيق تقدمه ويوسع الفجوة التكنولوجية بين التابع المتخلف وسيده الغربي المتقدم.

تحليل النص

- يغلب على النص حقلان دلاليان هما حقل التكنولوجيا وحقل الثقافة، وحقل الثقافة أوسع وأكثر امتدادا في النص بحكم العلاقة الاقتضائية المعلن عنها في العنوان، والمفصلة في النص بكل ما يحيل عليه امتلاك التكنولوجيا المتقدمة من رهان ثقافي هو في الأصل قدرات معرفية وطاقات مهارية وإرادة سياسية وخيارات سوسيو-اقتصدية تعمل على توطين التكنولوجيا في السلوك اليومي والفعل الثقافي المتجدد والذات الراغبة في الابتكار والإبداع وتحقيق الوجود المتميز المرفه والمستقل، وصناعة المستقبل الآمن والقوي في نفس الوقت، ضمن كيانات أممية تتجدد في سياق رقمي معولم يفرض فيه التقدم التكنولوجي المطرد للاقتصاديات الكبرى رهانات صعبة على الدول النامية. ومن شأن إلقاء نظرة سريعة على المواد المعجمية المشكلة للحقلين الدلاليين في الجدول الآتي:

حقل الثقافة
الثقافة ـ التنمية ـ الإبداع ـ الدعم ـ الوجهة الثقافية والعلمية ـ الحقيقة الإنسانية ـ الاقتصاد ـ البيئة ـ التجديد ـ البحث والإبداع الذاتي ـ اكتساب المعرفة ـ تنشيط الابتكار ـ نسق ـ قيم ـ الفكر ـ التغيير الاجتماعي ـ الاستيعاب ـ انصهار العلم والثقافة ـ الخصوصية ـ الذوق ـ الإرادة السياسية ـ المواهب العلمية والفنية ـ الحرية ـ احترام الإنسان ـ

 حقل التكنولوجيا
 القدرات ـ العملية الإبداعية  التقنيات الأجنبية ـ العلوم التطبيقية الجاهزة ـ التقدم التكنولوجي ـ نقل ـ استيراد المنتج التكنولوجي ـ الفنيين ـ التشغيل والصيانة ـ تحليل المواد ـ الإبداع التكنولوجي ـ المراكز العلمية والتكنولوجية
 
أن تسعفنا في فهم طبيعة العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا، والتي تقودنا في نهاية المطاف إلى أن مجال الثقافة يستوعب التكنولوجيا ويصهرها ضمن مكوناته، ويدخلها ضمن النشاط الإنساني الذي ينبغي التمكن منه والمشاركة في بنائه وتطويره، وتأمين فعاليته والاستفادة العامة منه في مجالات العلوم والخدمات وتطوير الحياة العامة.

- يتميز النص بصلابة المحمولات المنطقية بسبب استنادها إلى الرؤية العلمية الدقيقة، واستقرائها للوقائع والنماذج المجربة، وارتهانها إلى استنتاجات مبنية على فرضيات صحيحة، ومسلمات معقولة، ولذلك فهو حين يعتبر نقل التكنولوجيا باستيراد الأجهزة والمعدات والفنيين والمشاريع من الأجانب، وإسقاطها في واقع ثقافي يهيمن فيه حرس قديم محافظ مستفيد من أوضاع التخلف، عملية مغشوشة ، حين يعتبر هذا النقل كذلك، فإنما يصدر عن منطقين:

 منطق الواقع والتجربة، ومنطق النظرة العلمية التي تربط النمو بالقدرات الذاتية والذكاء الفردي والإرادات الحرة القوية والمجتمع الحيوي المتجدد والثقافة الديموقراطية التي تحترم الإنسان وتقدره وتدعمه، ويقدم أمثلة لذلك من بلدان شرق آسيا التي تسير بسرعة في درب التقدم التكنولوجي بمؤهلاتها الذاتية وهوياتها الثقافية المرنة المستوعبة والمبدعة، كما يقدم أمثلة أخرى من البلدان العربية الإسلامية التي تستورد التكنولوجيا ضمن ثقافة الاستهلاك السلبي والترف المبذر للموارد والامكانات الاقتصادية الهائلة بما يخدم الشركات الأجنبية والدول الرأسمالية، ويحقق نوعا من النمو الشكلي غير آمن ولا مستقر، ولا يضمن احترام الإنسان لذاته ولا يصنع هوية ولا تميزا ولا إرادة حرة مستقلة، ويدفع بالأدمغة المحلية إلى الهجرة إلى حيث تتوفر شروط  التنمية الحقيقية، أما البلدان العربية الفقيرة نسبيا كالمغرب مثلا فاستيراد التكنولوجيا وتنزيلها العمودي الإسقاطي يزيد من نسب التخلف والكلفة المادية والتخبط الثقافي والانكماش الاقتصادي ، ويوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء.

- أسلوب النص أسلوب حجاجي تقريري يقوم على التفسير والتفصيل وتقديم الأطروحة وعرض الاستدلالات واستدعاء الأمثلة والشواهد وترتيب النتائج ، ويتوسل بالجمل الخبرية الصريحة المعنى، والجهاز الاصطلاحي الدقيق الحامل للمفاهيم والتصورات المرتبطة بحقل الثقافة والتكنولوجيا وامتداداتهما وتقاطعاتهما، ويحشر الأدوات الداعمة للمنطق الاستدلالي الحجاجي من توكيد ونفي وتفصيل واستدراك واستنتاج، ويخلق مناطق تعبيرية للإثارة باستخدام الوصف والسرد والسخرية والمقارنة لتثبيت التصورات الصحيحة، ونسف المغالطات والأطاريح الهشة المدحوضة، ومناطق أخرى محدودة وعفوية لا تخلو من جمال وتأثير هي في الأصل مرتبطة بالطبيعة الخلاقة للغة كقوله : "ينمو داخليا في قلب الحقيقة الإنسانية".

تركيب وتقويم

ينتقد النص خرافة نقل التكنولوجيا بالشكل الإسقاطي باعتبارها تضلل فهمنا للعلاقة بين العلم والتكنولوجيا من جهة، وبينها وبين أنساق القيم من جهة أخرى، فنقل التكنولوجيا في الدول النامية ينحصر بكل بساطة في شراء أدوات وآلات وفتح المجال أمام مشاريع، وسيبقى ذلك مجرد إجراء شكلي يعمق الهوة بين البدان المصنعة وتلك السائرة في طريق النمو، طالما لم تستطع هذه الأخيرة تدجين التكنولوجيا بقيمها بما يسمح بالتعددية الإبداعية، ويضمن مشاركة الدول النامية في بناء المشهد الحضاري العالمي باعتبارها دولا منتجة تتقدم وتقلص الفجوة المعرفية بينها وبين المنتجين الكبار. كل هذا عرضه المنجرة في أسلوب حجاجي ناصع يحبل بالاستدلالات من الواقع والتاريخ ونتائج العلوم والدراسات ذات الصلة، وبلغة راقية مترعة بأساليب التوكيد والإيضاح والتفسير والاستدراك والتفصيل والاستنتاج ومعجم التكنولوجيا والثقافة وصيغ الإثبات والنفي ودلالات التنويه والانتقاد، وبأسلوب خبري مباشر في الغالب عدا بعض الومضات الجميلة المشرقة حين تنزاح اللغة عن محمولها المباشر دون أن تفقد وظيفتها الإفهامية الدقيقة والإقناعية الصارمة. 



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-