مُلخّصات اللغة العربية : المنهج الاجتماعي

مُلخّصات اللغة العربية : المنهج الاجتماعي 

 
مُلخّصات اللغة العربية : المنهج الاجتماعي


رصيد معرفي :  المنهج الاجتماعي

التعريف

يعنى المنهج الاجتماعي ببحث العوامل الخارجية التي تحيط بالأدب وتؤثر فيه. ومُحاولة تفسيره في ضوء السياق التاريخي والظروف الاقتصادية والسياسية. ومن ثم فهذا المنهج ينتمي إلى التفسيرات العلية التي تحاول رد الأدب إلى أصوله.
وقد أثارت هذه العلاقة الخصبة والمتشابكة بين الأدب والواقع الاجتماعي الكثير من القضايا الفكرية والفلسفية والجمالية التي درست في النقد الأدبي وكذا في علم الاجتماع.

التأريخ

لعل أقدم تناول مباشر حاول رسم بناء نظري وفلسفي لهذه العلاقة يعود إلى المفكر الإيطالي جيامبتستا فيكو في كتابه المشهور (مبادئ العلم الجديد) الذي تضمن نظريته الفلسفية والحضارية المعروفة بنظرية الدورة التاريخية. وهي النظرية التي بلور فيها، مفهوم نسبية وتطورات الإنجازات الإنسانية في مجالات الفن والفكر. وينبع هذا المفهوم من الإقرار بدور الإنسان في خلق عالمه الاجتماعي، وعلاقاته ومؤسساته، وفنونه الإبداعية، ومن ضرورة تحليل هذا كله تحليلا علميا ماديا.

ومع هيبوليت تين تطورت النظرة الاجتماعية إلى الأدب بإخضاعه لطرائق البحث التي وظفت في العلوم الطبيعية بالصورة التي جعلت الكثيرين يعتبرونه المؤسس الأول للمنهج الاجتماعي بالمعنى الناضج. فقد وسع تين الأفكار الاجتماعية التي سبقته، مُضيفاً إلى بعدي العصر والواقع الاجتماعي بعدا جديدا هو العرق أو الجنس، ومكونا بذلك ثالوث المعروف بالبيئة، والجنس، والعصر. فالعمل الأدبي في رأيه ليس مجرد نوع من عبث الخيال الفردي، ولا هو بالإحساس الجمالي المعزول، ولكنه نقل للتقاليد المعاصرة، وتعبير عن عقل من نوع ما. فالعرق يشمل العناصر الوراثية والتفاعل المتبادل بين الخصائص؛ الجسمية والسمات النفسية، والبيئة تعني لديه المناخ الجغرافي والاجتماعي، والعصر يدل على اللحظة التاريخية. وفي الوقت الذي حدد فيه تين مفهوم البيئة من منطلق وضعي حتمي، كان معاصره كارل ماركس يقدم تعريفا مغايرا للمفهوم ولعلاقة الإنسان بها، وموقفه منها، من منطلق مادي جدلي. ومن ثم جاء التساؤل عن طبيعة العلاقة بين البنيات الاجتماعية والاقتصادية التحتية، والبنيات الفكرية والإبداعية الفوقية، وعن جدليات هذه البنيات المختلفة وآليات تفاعلها. وهذه العلاقة تفسر الكثير من خفايا العمل الفني وقضاياه، باعتباره أحد التجليات الفوقية للواقع الاجتماعي. ومع جورج لوكاتش نجد إعادة نظر في مفهوم الانعكاس الماركسي من خلال الموازنة بين العناصر المباشرة في تلك العلاقة الحتمية، وبين العناصر العميقة والمنطوية على اتجاهات الحركية أو التطور وقوانينها. ومع لوسيان غولدمان تصبح علاقة الأدب بالمجتمع علاقة مركبة لا تحكمها قوانين التشابه السطحي والمباشر ولا حتى مفاهيم الانعكاس المختلفة، وإنما تتشكل أواصرها على مستوى أعمق هو مستوى الأبنية العقلية بحيث تتجاوز العلاقة بين الأدب والمجتمع عند غولدمان معظم التفسيرات الاجتماعية السابقة، دون أن تسقط من اعتبارها أهمية الواقع الاجتماعي، بمعناه الشامل، في صياغة رؤى العمل الأدبي، وفي الاهتداء إلى أبنيته وأنساقه الأساسية، فدراسة هذا الواقع هي التي تمكن الباحث من اكتشاف ما يسميه غولدمان برؤيا العالم، التي هي بناء من الأفكار والطموحات والمشاعر التي تقوم بتوحيد جماعة اجتماعية ما، في مواجهة الجماعات الأخرى. 

وهذه الرؤيا ذات طبيعة مجردة يتحقق لها وجود ملموس في النص الأدبي والفلسفي.

الخصائص

نضج المنهج الاجتماعي بفضل تطور النقد الأدبي ومناهج علم الاجتماع، حتى غدا الأدب بالنسبة لعلماء الاجتماع جزءا هاما من المؤسسة الاجتماعية، قادرا على التأثير في المؤسسات الاجتماعية الأخرى.

يوحي المنهج الاجتماعي للوهلة الأولى بأنه يغطي نوعين مختلفين من مجالات البحث: إذ يتناول الأدب باعتباره منتجا جماليا واستهلاكيا، والأدب باعتباره جزءا جوهريا مكونا للواقع الاجتماعي. ومن أهم أسس المنهج الاجتماعي :

° النظر للواقعة الأدبية باعتبارها واقعة اجتماعية، أي باعتبارها حاملة لدلالات منبثقة عن المحيط الاجتماعي؛
° مراعاة الخصوصية الأدبية للواقعة الاجتماعية، فالوقائع تتميز بكثافة معينة، ولا ينبغي خلطها بشروطه التكوينية رغم أهميتها.
° اعتبار الواقعة الأدبية واقعة قيمية، وذلك بالتمييز بين العمل الأدبي والعمل الفكري رغم انتمائهما معا إلى حقل الكتابة. ومثال ذلك التمييز بين كتاب روائي وكتاب في الاقتصاد السياسي.
° تقدير القيمة المعرفية الخاصة للواقعة الأدبية، التي لا تقدم معرفة علمية محضة، ولكن تقدم معرفة ذات طبيعة مغايرة عمادها الذوق والإحساس والكشف والسؤال، وقد تكون هذه المعرفة غير محددة وتتسم بالتغير أثناء الكتابة، فضلا عن تشربها للصيغة الفنية التي تقدم بها. فهي إذن ليست وثيقة أو نتيجة بحث ما.
° اعتبار الواقعة الأدبية أداة عمل نوعية، بمعنى رسالة اجتماعية صيغت بلغة فنية، وهنا نكون أمام قضية الالتزام في الأدب التي تجعل الكاتب مسؤولاً أمام مجتمعه.

وقد حظي المنهج الاجتماعي بتجاوب واسع من طرف النقاد العرب ومن أبرزهم صلاح فضل وعبد الحميد عقار وعبد القادر الشاوي وحميد لحميداني ونجيب العوفي والطاهر لبيب وصبري حافظ وغالي شكري ومحمد برادة.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-