ملخّصات اللغة العربية : تكسير البنية

 ملخّصات اللغة العربية : تكسير البنية


تحولات الشعر العربي الحديث
المجزوءة الثانية : تكسير البنية وتجديد الرؤيا

taksir albinya


رصيد معرفي : تكسير البنية


• التعريف

فقدت القصيدة العربية التقليدية القائمة على نظام الشطرين، والمبنية وفق الأوزان الخليلية جاذبيتها، لأن هذه البنية لم تعد قادرة على استيعاب الأسئلة الجديدة التي طرحت على الشاعر الحديث. وكان هذا الأمر مدعاة لتكسير هذه البنية وتجاوزها والبحث عن بنية بديلة تحل محلها. وقد سميت هذه البنية الجديدة بالشعر المعاصر، والشعر الحديث، والشعر الجديد، والشعر الحر، والشعر المنطلق. إلا أن تسمية الشعر الحديث تبدو أكثر ملاءمة وشيوعا، مادامت الحداثة أشمل من المعاصرة وأقدر على تشخيص التحول في الفكر والتقدم في الرؤية، والتغير في الموقف تجاه الإنسان والواقع والمجتمع والكون. لذا فإن حركة تكسير بنية الشعر العربي تعبر عن حاجة داخلية إلى التغيير وامتلاك وعي متحرر يتجه نحو المستقبل ويخرج من جمود الأفكار والتقاليد المانعة من التجاوب ومتطلبات العصر.

• التأريخ

نشأت هذه الحركة في سياق تحولات اجتماعية وثقافية خطيرة، شملت مواجهة الاستعمار، وضياع فلسطين، وانبثاق حركات التحرر الوطنية والقومية، وصعود المد الاشتراكي، وبداية انهيار أسس المجتمع التقليدي. ورغم أن سنة 1948 تعتبر حاسمة في ولادة القصيدة العربية الحديثة إلا أن إرهاصات التجديد حصلت قبلها، وأهمها تجارب لويس عوض في مجموعته الشعرية "بلوتولاند وقصائد أخرى"، وترجمة علي أحمد باكثير لمسرحية شكسبير. لكن هذه المحاولات لم تثمر وعيا بالتجديد وظلت محدودة الأثر، لذا يرى كثير من الدارسين أن نازك الملائكة في قصيدة "الكوليرا" وبدر شاكر السياب في قصيدة "هل كان حبا" يتنافسان على ريادة الحركة والفوز بسبق كتابة القصيدة الحية الأولى... ثم إن حركة الحداثة في الشعر العربي هي ثمرة جهد جماعي شاركت فيه عدة أجيال، يهمنا منها هنا جيل الرواد الذي غطى فترة الخمسينيات والستينيات، والذي كانت له جرأة تكسير البنيات القديمة في الشعر العربي، وتجريب أدوات الابتكار الفني، وإدخال التعبيرات والرؤى التي أرست صرح القصيدة الحديثة. لذا تعتبر قصائد هذه المرحلة بمثابة لحظة الاكتشاف المتصل في حقل الشعر مع تطور متواصل ونوعي في فترة محدودة. وقد أدى نجاح هذه التجارب المبكرة التي شارك فيها السياب ونازك الملائكة وعبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور، وأحمد المجاطي، وعبد الله راجع، إلى فتح المجال واسعا أمام المزيد من الخلق والاستكشاف لإمكانات العروض العربي وللطاقات الكامنة في عبقرية اللغة العربية، الشيء الذي سمح للشعراء اللاحقين بتجاوز عثرات المحاولات الأولى وتعميق الابتكار وتجديد الرؤيا الشعرية.

• الخصائص

اتسم النشاط الشعري الحداثي في فترة الرواد بتجديد نبرة الخطاب وتغير في المواقف ووسائل التعبير. فقد كان الشعراء يقرؤون الشعر الغربي الحداثي. كما كانوا يقرؤون بانتباه بالغ النقد الغربي. مما مكنهم هذا الاطلاع الواسع من قراءة التراث الشعري العربي في ضوء جديد، فحاولوا تحريره من العوائق التي تمنع تطويره وحيث إن جدة محتويات التجربة وقيمتها تتوقفان على جدة الوسائل الفنية، فإن الشعر العربي الحديث وظف وسائل فنية مبتكرة، نذكر منها :

١. التحرر من البناء التقليدي للقصيدة عبر تشييد الوحدة العضوية، وخرق نظام الشطرين، وكسر تفعيلات البحور، تنويع القوافي وحروف الروي، واستثمار عناصر الإيقاع الداخلي.
٢. تقريب اللغة الشعرية من لغة الحياة الجارية، وتوليد بعض العبارات، وكسر النظام الصارم للجملة والخرق الجزئي للأعراف اللغوية.
٣. توسيع أفق الصورة الشعرية بتعميق دلالتها النفسية والخيالية والثقافية ووصلها بأعماق التجربة الفردية والقومية والإنسانية، وتعميق البعد الرمزي للقصيدة بحيث يشمل مجموع مكوناتها.

أما أهم الخصائص المميزة لبدايات الشعر العريي الحديث على مستوى المحتوى، فهي :
١. التحرر من الموضوعات والأغراض التقليدية لفائدة التعبير عن تجارب تلتحم فيها الذات بالجماعة وفق رؤية شاملة وعميقة، قوامها الاستكشاف والقلق والدهشة والتساؤل، وعمادها التطلع إلى آفاق فكرية وجمالية رحبة تستوعب قضايا الإنسان والوجود، وتبحث عن معاني العدالة والحرية والمساواة.
٢. التعبير عن تجربة الغربة والضياع، وقد تجاوبت محتويات هذا التعبير مع مشاعر الخيبة والانكسار المنبثقة عن نكبة فلسطين، وبطش الاستعمار، وافتقاد الاستقرار السياسي، وغياب العدل والكرامة.
٣. تصوير تجربة الحياة والموت : من خلال توظيف دلالات البعث والتفاؤل بإمكانات الولادة من جديد.
٤. التفاعل مع التراث الإنساني: من خلال الرموز والأساطير والنماذج العليا، وكذا مع التراث العربي الإسلامي من خلال القصص الدينية والنماذج التاريخية والنصوص الشعرية القديمة. إلا أن هذا التفاعل ظل محدودا في هذه الفترة، واقتصر استعماله في أحيان كثيرة على استعمال كلمات رامزة تفسر بالهوامش أو بالسياق مراعاة لوضعية التلقي آنذاك. كما أن وظيفة الأساطير لم تكن مقنعة، ولم تدمج دائما في الوحدة العضوية للنص.

هكذا يتضح أن مرحلة كسر البنية في حركة الشعر العريي الحديث كانت لها شجاعة تجديد القصيدة العربية وفق وعي متقدم أثمر شعرا يتضمن السمات الحداثية الأولى التي ستزهر مع شعراء لاحقين واصلوا مشروع التجديد وعمقوا مساره وأفقه.


🎙 موضوع مهم للغاية : هل ترغب في تعلم اللغات مجّاناً؟ حمل أفضل تطبيقات تعلم اللغات 👇



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-