ملخّصات اللغة العربية : تجديد الرؤيا

 ملخّصات اللغة العربية : تجديد الرؤيا


تحولات الشعر العربي الحديث
المجزوءة الثانية : تكسير البنية وتجديد الرؤيا
ملخّصات اللغة العربية : تجديد الرؤيا


رصيد معرفي : تجديد الرؤيا


• التعريف

تتخذ كلمة رؤيا دلالات متعددة فهي تعني الحلم، كما تعني الموقف المبني على إدراك استشرافي يتجاوز العالم الحسي والأحداث اليومية والأبعاد الواقعية. يقصد بشعر الرؤيا ذلك النمط من الإبداع الشعري القائم على إنتاج نصوص بوعي مسبق يرفض محاكاة النماذج الشعرية السابقة ويؤمن بأن الإبداع يقع خارج المتداول والمألوف وأنه ليس تصويرا للواقع، بل كشف جديد لعلاقاته الضمنية وغير المباشرة، وأن الأشياء المادية والمحسوسة والمعيشة ليست سوى تفاصيل وجزئيات يتجاوزها شاعر الرؤيا بتشييده لرؤياه التي تغوص في عمق الحقائق غير المرئية مستحضرة تجربة الذات في التفاعل الذي بينها وبين التجربة الاجتماعية والإنسانية استنادا إلى صيغ رمزية وغير مباشرة. ويرى رواد شعر الرؤيا أن استحضار الواقع لا يكون بصيغته المباشرة والتقريرية والخطابية بقدر ما يكون ثاويا في رؤية جمالية تستند إلى مكونات الثقافة الإنسانية برموزها وأساطيرها، وأن التجربة الشعرية تتخطى العلاقات المنطقية وقيودها وتنبني على إرادة لاواعية تدمج بين طاقات الشعر وانفتاح الحلم والتجربة الروحية التي تتخطى بطبيعتها الرؤية الفكرية والموضوعاتية والتقريرية والإيديولوجية.

• التأريخ

مرت القصيدة العربية بمراحل تطور متنوعة، فبعد القصيدة الإحيائية التي عملت على استعادة النموذج التقليدي في صورته الراقية، وبعد قصيدة سؤال الذات التي جعلت الأنا مركز القصيدة، برز اتجاه تجديدي عمل على تطوير بنية القصيدة العربية بالدعوة إلى ابتكار أشكال جديدة وعدم التقيد بالشروط الصارمة للقصيدة العمودية والانزياح عن المعجم التراثي وجعل الصور الشعرية أكثر تحررا من سلطة الواقع الذي يمكن تناوله دون التضحية بالقيم الجمالية للإبداع. غير أن هذا الاتجاه التجديدي لم يعبر عن مواقفه بصيغة واحدة فقد تنوعت الاجتهادات داخله مما أفضى إلى وجود تصورين عامين أحدهما تعرفته بدراستك لشعر تكسير البنية وثانيهما هو الذي نقدمه لك الآن بالحديث عن شعر الرؤيا.
لعل المرجع الذي تبنى في البداية مفهوم الرؤيا ودافع عنه هو مجلة شعر، كانت تجربة مجلة شعر رائدة في تقديم تصور شعر الرؤيا ومفاهيمه، لكن هذه البداية ستتلوها اجتهادات إبداعية ونظرية لشعراء مثل أدونيس وخليل حاوي وعبد الوهاب البياتي وأنسي الحاج ومحمد السرغيني والخمار الكنوني وغيرهم، ويظهر من خلال الأسماء الرائدة لشعر الرؤيا أن بعضهم ساير النمطين الحديثين، شعر تكسير البنية وشعر الرؤيا، ومنهم من انحاز منذ بداياته الأولى لشعر الرؤيا على نحو ما فعل أدونيس أو خليل حاوي، ومعنى ذلك أن التقسيم وتحديد اتجاه هذا الشاعر أو ذاك ليس بالصرامة المنهجية النهائية، إذ معيار التمييز يرتهن لمكونات النصوص ذاتها.

• الخصائص

تتحدد أهم خصائص شعر الرؤيا في :
١. مستوى الشكل الخارجي للقصيدة :
لم تتقيد قصيدة الرؤيا بنموذج محدد، بل إن بعض مبدعيه دافعوا عن قصيدة النثر حيث تمحي الفواصل بين الأنواع الأدبية، ولا يصبح الشكل الخارجي مقياسا للتمييز ما دامت كل النصوص تنتمي إلى الإبداع.

٢. مستوى المضامين :
يعتبر شعر الرؤيا القصيدة تعبيرا عن رؤيا ذاتية ووجودية وإنسانية لا تصور الواقع ولا تتقيد بمقوماته الحسية بقدر ما تعمل على كشف الآفاق وتستشرفها، ولا تهتم بالتفاصيل والجزئيات، بل تبحث عن الكليات المؤطرة لها، ولا تعيد إنتاج المضامين التي تداولها الشعراء.
إنها قصيدة تستحضر البعد الذاتي في علاقته بالبعدين القومي والإنساني، وتعطي الالتزام دلالة خاصة. فالعالم مكون من محسوسات في حاجة إلى اكتشاف، واكتشافها لن يتحقق إلا بإعادة تشكيلها وهذا التكوين هو الذي تقدمه رؤيا الشاعر التي تميزه عن غيره. لذلك فقد حضرت في نصوص شعر الرؤيا القضايا الوطنية والقومية، لكنها جاءت في إطار غير مباشر لأن الشعر يسمو على المعرفتين التاريخية والعلمية ويستشرف المستقبل ويكشف عن العالم اللامرئي الذي ينتصب وراء العالم المحسوس.

٣. اللغة الشعرية :
تقوم على تجاوز الدلالات الحرفية للكلمات والعمل على إعادة اكتشاف الألفاظ وإقامة علاقات جديدة بين مكونات الجملة مع إمكان التصرف في بنية الجمل الشعرية بخلق انزياحات تركيبية متعددة مع ما يترتب على ذلك من انزياحات دلالية وتطوير للمعجم الشعري. وقد اختلف مجموعة من شعراء الرؤيا الذين جمعتهم مجلة شعر في كيفية التعامل بينهم وبين اللغة الشعرية إذ منهم من دعا إلى تحريرها من كل سلطة مع الانفتاح على اللغة المحكية واليومية بينما اعتبر آخرون أن جدار اللغة لا يمكن تجاوزه ولا يمكن جعل العامية لغة شعر.

٤. الصورة الشعرية :
الصورة الشعرية مدخل مناسب لخلق علاقات لغوية جديدة بين المفردات، ولذلك وظف شعراء الرؤيا كل الإمكانات المتاحة فوظفوا الرموز والأساطير ولم يتقيدوا بآليات الصورة الشعرية التي دأب على استعمالها من سبقهم من الشعراء.

٥. النظام الصوتي :
اعتبر شعراء الرؤيا الوزن الشعري مكونا للشعر من بين مكونات أخرى، لكنه ليس المكون الوحيد الذي يميز الشعر عن غيره، لذلك دافع بعض شعراء الرؤيا عن قصيدة النثر التي أقروا بشاعريتها، مثلما أعطوا التوازيات الداخلية، بمختلف أنواعها اهتماما خاصا.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-