ملخصات دروس الفلسفة / الأخلاق : مفهوم السعادة
السنة الثانية من سلك الباكالوريا
جميع الشعب والمسالك
المجزوءة الرابعة : الأخلاق
المفهوم : السعادة
يقصد بالسعادة حالة إشباع وارتياح تام للذات، وهي قيمة أخلاقية وغاية كل الناس، رغم اختلافهم في تصورها، إلى درجة القول إن لكل واحد تصوره الخاص لها، بل إن الفرد الواحد قد تتغير نظرته لها، بحسب أحواله وظروفه، إذ يحددها بالصحة في حالة المرض، وبالغنى في حالة الفقر. وقد يذهب البعض إلى اعتبارها قدرا أو ضربا من الحظ، أو حالة لا تُوجد إلاّ في مرحلة بعدية.
المحور الأول: تمثلات السعادة
الإشكال : ما هي السعادة؟ وما طبيعتها؟
أرسطو: السعادة تأمل عقلي وهي غاية في ذاتها.
يرى أرسطو أن تمثلات الناس حول السعادة متعددة ومختلفة، فهناك من يرى السعادة في تحقيق المتع والملذات، وهناك من يراها في الحصول على الثروة ونيل التشريفات...وهو يرفض هاته التمثلات العامية، لأنها تحصر السعادة في تحقيق اللذة الحسية البدنية، وهي مما يشترك فيها الإنسان مع الحيوان، ولا ترقى بها إلى مستوى اللذة العقلية، فالسعادة الحقيقية، حسب أرسطو، هي تلك التي تقترن بالتأمل العقلي وتسعى لتحقيق الفضيلة والخير الأسمى.
كانط: السعادة ملكة للخيال.
يرى إيمانويل كانط أن الإنسان عاجز عن تقديم تصور عقلي دقيق حول السعادة، فلا الثراء ولا الصحة ولا كثرة المعارف ولا الحياة الطويلة... تعد معيارا للسعادة، لذلك تبقى السعادة، حسب كانط، مثلا أعلى ليس للعقل، بل للخيال. بمعنى آخر أن السعادة تصور مصدره الخيال المرتبط بالتجارب الحسية التي يحياها كل فرد في علاقته المباشرة بالواقع الحسي المعيش. وبالتالي فتصورنا حول السعادة هو تصور نسبي ومتغير، لا يرقى إلى مستوى المفهوم العقلي الثابت والمطلق.
آلان: السعادة هي الأمل في السعادة.
يرى آلان أننا لا نستطيع الاستدلال على وجود السعادة فنأمل في الوصول إليها، هذا الأمل هو السعادة عينها، فأن ننشد السعادة يعني أن نشعر بها. وما دمنا عاجزين عن اقتفاء أثر السعادة فما علينا إلا الانخراط في الفعل وتحمل صعوباته قصد الإحساس بالسعادة التي تتوهج في الفعل أثناء ممارسته، وبشكل خاص الفعل المشترك، مثل مزاولة بعض الرياضات الجماعية والاستماع للموسيقى...؛ فمثل هذا الفعل يجعلك تحس بالسعادة أثناء مزاولتك له، مع العلم أنك لم تكن تعرف مسبقا أنه سيحقق لك السعادة.
المحور الثاني: البحث عن السعادة.
الإشكال : ما السبيل إلى تحقيق السعادة؟
أبيقور: اللذة هي سبيل السعادة.
يرى أبيقور أن تحقيق اللذة الروحية والجسدية هو السبيل لبلوغ السعادة، فاللذة هي مبدأ الحياة السعيدة وغايتها. وليست كل لذة خير، وليس كل ألم شر، فكثير من اللذات، كتلك التي يحققها الفساق والمترفون، غالبا ما تعود على أصحابها باضطرابات نفسية وجسدية، في حين أن كثيرا من الآلام تكون سبيلا لتحقيق لذات روحية وبدنية. وبالتالي يدعو إلى ضرورة تحكيم العقل للتمييز بين ما يجب قبوله وما يجب رفضه لتحقيق حياة سعيدة.
روسو: السعادة حنين إلى حالة الطبيعة الأولى.
يرى روسو أن الإنسان في الحالة الطبيعية البسيطة كان يعيش في سعادة تامة، فقد كان يحفظ بقائه ويشبع رغباته باستغلال ما تجود به الطبيعة من قوت وفير. إلا أن انتقاله إلى الحالة المدنية ولد لديه أحاسيس وعواطف إنسانية وأثار رغبته في امتلاك كماليات كان في غنى عنها في حالة الطبيعة، فأسس بذلك البدايات الأولى لشقائه الأبدي. وبالتالي يكون الإنسان، بانتقاله من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية، قد ضيع سعادته وحكم على نفسه بالشقاء والتعاسة الأبديين.
شوبنهاور: السعادة حالة عابرة.
بنظرة لا تخلو من تشاؤم، يرى شوبنهاور أن السعادة هي حالة عابرة وغير دائمة ومستقرة، لأنها ليست سوى حالة انقطاع لألم، غالبا ما يتلوه ألم أشد أو ملل ممل. فالألم والملل هما الصورة الحقيقية لهذا العالم وهذه الحياة، وما الإحساس بالسعادة إلا حلم عابر، سرعان ما نستفيق منه لنعود إلى معاناة العذاب والألم والحرمان، فالقصيدة المأساوية غالبا ما لا ترسم لوحة للسعادة بقدر ما تركز على الصراع من أجل بلوغها.
المحور الثالث: السعادة والواجب.
الإشكال: هل أداء الواجب هو السبيل لتحقيق السعادة؟ أم أنها ميل طبيعي وتلقائي لا ترتبط بالواجب؟
راسل: السعادة ليست إحساساً صادرا عن الواجب.
يرى برتراند راسل أن الاهتمام بالموضة والهوايات ليست مصدرا للسعادة الحقيقية، بل هو هروب من الواقع وعدم القدرة على مواجهة لحظات الألم ومشاكل الحياة، فالسعادة الحقيقية تكمن في الاهتمام الودي بالأشخاص والحرص على بهجتهم وسرورهم بعفوية وتلقائية ودون مقابل. وهو الشيء الذي يكسبه سعادة وحبا. وبالتالي فالشعور بالسعادة ليس نابعا من إكراه الواجب وإلزاميته، بقدر ما هو نابع من الميل التلقائي والعفوي لإسعاد الناس والذات معا.
إبكتيت: السعادة لا تتعارض مع الواجب.
يميز إبكتيت بين الأشياء التي نملك القدرة على التحكم فيها كحركاتنا وآرائنا ورغباتتا...، والأشياء التي لا تخصنا ولا سلطة لنا عليها. فكلما تمكن الإنسان من التحكم فيما له عليه سلطة تمتع بالسعادة، أما إذا تجاوز حدوده وتطلع إلى الأشياء الخارجة عن إرادته فإن ذلك سيكون سببا في تعاسته وشقائه، لذلك فالسعادة لا تتعارض مع الواجب - القانون الطبيعي - شريطة احترام هذا القانون، أي احترام خصوصية كل ما هو خارج عن إرادتنا: الغير، البيئة، الوجود بصفة عامة...
ألان: السعادة واجب نحو الذات والغير.
يعتبر ألان (إميل شارتيي) أن السعادة واجب نحو الذات، وهي أيضا واجب نحو الغير، فالآلام والمآسي المنتشرة في كل مكان في العالم، تحتم علينا بذل جهود من أجل التغلب عليها وتحقيق السعادة المرغوبة. ومن جهة أخرى، يعتبر أن إسعاد الذات قنطرة ضرورية لإسعاد الغير، ولذلك اعتبر ألان أن أجمل هدية يمكن أن نقدمها إلى الآخرين هي أن نعمل على إسعاد أنفسنا، إذ كيف نتمكن من منح السعادة للآخرين ونحن نفتقدها أصلا؟