تحضير نص حبل الاجتماع لمعروف الرصافي

                        تحضير نص حبل الاجتماع  لمعروف الرصافي                   


 المجزوءة الرابعة : قيم إنسانية في الشعر العربي
                               – التضامن       
                                
تحضير نص حبل الاجتماع  لمعروف الرصافي


                        نص : حبل الاجتماع  لمعروف الرصافي                   

رصيد معرفي

مفهوم القيم :

منظومة القيم أو الأخلاق منظومة واسعة اهتمت بها كل الأديان والحقول المعرفية والحركات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية باعتبارها محددا لسلوك الإنسان كفرد وكجزء من مجموعة تتسع لتشمل المجموعة البشرية وما يحيط بها من عوامل أخرى.
للقيمة تمظهران : تمظهر فردي يتمثل في حاجة الإنسان إلى نظام من القيم يوجه سلوكه وطاقاته ودوافع نشاطه، وتمظهر جماعي يتجلى في أنساق القيم التي تشكل القوانين والأهداف والمثل التي تضبط عمل التنظيمات الاجتماعية الكبرى، وبين التمظهرين تداخل وتفاعل يحدد السمات الثقافية والأنطولوجية للمجتمع.

مفهوم التضامن :

التضامن قيمة من أكثر القيم الإنسانية التي تربط الإنسان بالمجموعة بشكل يمكن من مواجهة مشاكل لا يقوى مفردا على مواجهتها. ويستخدم مفهوم التضامن في الإطار القانوني تعبيرا عن المسؤولية الجماعية، وفي المجال العسكري شعارا للاتحاد بين الجماعة والفرد، كما يثار عند الكوارث والأزمات المشتركة.
التضامن إذن خاصية من خصائص الإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا، وسلوك ناجم عن وعيه بالمصلحة المشتركة من جهة، وإحساسه بإنسانيته من جهة أخرى. غير أن مفهوم التضامن قد يصبح ملتبسا وخارج جوهره القيمي حين يتخذ شكل تبادل المصلحة، أو شكل تضامن مفروض مقابل امتياز أو خوف عقاب.
يمكن للتضامن أن يكون فرديا كما هو الشأن في المجتمعات الحديثة ذات النزوع الفردي، وغالبا ما يكون جماعيا يفرضه الانتماء إلى تكتل قبلي أو سياسي أو نقابي أو جمعوي أو إلى منظمات عالمية كمجموعة السلام الأخضر أو أطباء بلا حدود...، ويمكن التمثيل لقيمة التضامن بالمساعدات الإنسانية المستعجلة أو الدائمة المقدمة إلى الدول المنكوبة.

ملاحظة النص :

يوحي عنوان النص بخاصية من خصائص الإنسان، وهي انخراطه في حياة جماعية تشكل قوام وجوده ودعائم مدنيته، فالإنسان مجبول على هذا الطبع، مضطر إليه للحفاظ على بقائه وتوفير متطلباته، والعنوان ’’حبل الاجتماع’’ مستمد من مقدمة ابن خلدون حيث يرى أن الإنسان مدعو إلى الاجتماع لتوفير الغداء ومواجهة الأخطار، وهو ما يؤكده البيتين الأول والأخير من النص الذين يشيران باجتماع عريض يتحقق فيه مفهوم التضامن على نطاق عالمي بما يحقق للإنسان حياة من السلام والازدهار.

فهم النص :

1- يتحدت الشاعر في البيت الأول عن حياة الإنسان الاجتماعية حيث كل فرد في جماعة يقوم بعمل أو حرفة أو دور ما، ويتشكل من مجموع ذلك المنافع التي يتبادلها الناس، والتي تقوم عليها حياتهم، فالبناء والمهندس والطبيب والفلاح والعامل في المصنع والتاجر والسائق والمعلم والجندي كلهم يحتاج الواحد منهم إلى الآخر كي تستمر الحياة، وإلا كان الفناء.
2- أسباب كون الناس يتعاون بعضهم مع بعض ويفدي بعضهم بعضا كثيرة أهمها غريزة البقاء وطبيعة التحدي والرغبة في التفوق ونشدان الارتقاء وحب  الحق والخير والطموح إلى الأفضل.
3- انتفاء صفة الاجتماع والتضامن بين الناس يعني انتفاء الحضارة وسيادة الهمجية وقانون الغاب والبدائية بكل أشكالها، وهو ما لا يمكن أن يحصل، لأن الإنسان، حسب رأي ابن خلدون وغيره، أضعف المخلوقات على الإطلاق في مواجهة الأخطار وتأمين الغداء مفردا.
4- شبه الشاعر الناس في البيت الرابع بالبنيان يشد بعضه بعضا، ويزيد المجتمع قوة و متانة.
5- ما يجمع بين الناس عربهم وعجمهم خضوعهم لنفس الناموس الذي تخضع له كل التجمعات البشرية، وهو تبادل المسؤوليات التي تحفظ كيان التجمع من التصدع أو التلاشي، واشتباك المصالح بما يضمن قيام الحياة بشكل طبيعي، فكل واحد ملزم بأداء دوره في المجتمع، مضطر إلى ذلك اضطراره إلى الماء والطعام، مقدم لغيره خدمة ، مستفيد مقابلها منفعة، وهكذا. 
6- قضى اجتماع الناس أن تتظافر الجهود لصناعة المدنية والتطور الحاصل على كل المستويات والأصعدة بما يوفر للناس الراحة والرفاهية والأمن بمفهومه الواسع، وكل ذلك بما يحققه التضامن والتعاون من تقدم  علمي وصناعي واقتصادي وثقافي وفني ....

تحليل النص :

يؤكد الشاعر في قصيدته على أهمية التضامن والتعاون في تحقيق الحياة الكريمة، وقد توسل في ذلك بلغة جمعت بين الترادف والاقتباس وتكرار الألفاظ والعبارات لبلوغ المقاصد الفنية والجمالية، ويمكن التمثيل لذلك ب:

1- استثمار الشاعر صورتين متناقضتين لما يمكن أن تكون عليه الحياة:

* الصورة الأولى: اجتماع الناس وتضامنهم، وينشأ عنها انتفاع بعضهم من بعض، وقيام حياة إنسانية كريمة.
* الصورة الثانية: انفراد الإنسان عن الإنسان وما يترتب عنه من حياة الهمج والبدائية والتخلف، بل والتصدع والتلاشي.

2- تكرار الألفاظ والعبارات الدالة على التضامن في القصيدة ، ومنها: الاجتماع ـ التعاون ـ التفادي ـ يمسك بعضه بعضا ـ يقوي ـ جميعا ـ اشتبكت مصالحهم ـ كل في مجال العيش ساع ـ اعتصموا بحبل الاجتماع ـ يساند بعضهم بعضا ...

3- حدد الشاعر سبل تعزيز التضامن بين الناس في تداخل مسؤولياتهم وتشابك مصالحهم، وحاجة بعضهم إلى بعض لبناء حضارة الإنسان وتأمين وجوده واستمراره.

4- يكثر الشاعر من الاقتباس من القرآن والحديث، ومن ذلك قوله: أن اعتصموا بحبل الاجتماع، حيث اقتبس كلمتين من سورة آل عمران : "واعتصموا بحبل الله جميعا..." ، كما اقتبس من الحديث الشريف: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا..."، معنى البيتين الرابع والخامس.

5- وظف الشاعر التشبيه في النص ليخلق عالما من الصور أكثر تأثيرا في المتلقي، وأقدر على تفجير كمّ وافر من الدلالات، من ذلك قوله: رأيت الناس كالبنيان، لعاشوا عيش عادية السباع، كما استخدم الاستعارة لنفس الغرض: اعتصموا بحبل الاجتماع.

6- استثمر الشاعر التكرار بأشكاله المتعددة الصوتية والدلالية ليوفر للنص إيقاعا ينسجم مع الدلالة في تحقيق الوظيفة الإقناعية والإمتاعية من خلال الطابع التأكيدي والإلحاحي للكتلتين الصوتية والدلالية. ومن أمثلة ذلك : بعضه بعضا ـ مرعي وراع ـ العيش ، يعيش، لعاشوا عيش ـ اجتماع ، الاجتماع ـ يساند ، مساندة ـ انتفاع...

7- يغلب على النص الطابع التقريري باستثناء ثلاث صور منها تشبيهان واستعارة، والغالب على وظيفتها البيان والتوضيح، ولعل الشاعر منشغل في مناقشة تصوره في موضوع طالما عالجه علماء الاجتماع، غير أن هذه التقريرية سكبت في قوالب تركيبية ودلالية شديدة الإيجاز، مشحونة بإيقاع صارخ، مما يجعل أدوات التأثير الجمالية لا تقل حضورا عن محمولات الدلالة المباشرة.

تركيب وتقويم

يحاول النص ترسيخ قيمة هي في الأصل خاصية إنسانية بنفس فني، لكنها تتعرض للكثير من الانحراف الذي يطال جوهرها فتتحول من قيمة إنسانية نبيلة إلى آلية انتفاعية بمسحة مادية حيوانية تزرع تحالفات الشر والاستغلال والقتل والسيطرة، غير أنه أكثر من تقرير الطبيعة الضرورية الميكانيكية للتضامن التي ينجم عنها ما ينجم  من عمران وتقدم مهملا الطبيعة الاكتسابية التي تتطلب الوعي الناضج والتضحية والإيثار والتواضع ونشدان الأمن والسلم والتعاون في بيئات التواجد المشترك الطبيعية والثقافية والحضارية. وقد سعى النص بأدواته التعبيرية المبنية على الإيجاز والاستثمار البسيط للصورة البيانية وتكثيف الإيقاع إلى التأثير جماليا في المتلقي، رغم رتابة الجمل الإخبارية التقريرية التي يحد من رتابتها الانتقال من الفعل الماضي إلى المضارع، ومن المفرد إلى الجمع، ومن الشرط إلى التحقيق، إلى التخصيص، ومن المفعول به إلى المفعول المطلق، ومن الترادف إلى التكرار لفظا أو اشتقاقا.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-