درس النصوص
مناهج نقدية حديثة ـ المنهج الاجتماعي
نص تطبيقي: سوسيولوجية القصيدة العربية - نجيب العوفي
إشكالية النص وفرضيات القراءة
عكف على تطبق هذا المنهج كثير من النقاد في المشرق والمغرب بطرائق مختلفة، منهم نجيب العوفي، من مواليد الناضور 1948، درس بتطوان وفاس والرباط، مجاز في الأدب 1970، وفي الحقوق 1975، حصل على د.د. 1985. من أعماله : درجة الوعي في الكتابة ـ جدل القراءة ـ مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية ـ مساءلة الحداثة، والنص الذي بين أيدينا مقتبس من كتابه (ظواهر نصية).
فما القضية مدار النص؟ وما المفاهيم المؤطرة لها؟ وكيف وظف الكاتب المنهج الاجتماعي (البنيوي التكويني) لإضاءتها؟ وما الإطار المرجعي الذي استند إليه؟ وما مظاهر اتساقه وانسجامه؟
يوحي العنوان بدراسة القصيدة العربية في علاقتها بالخلفية الاجتماعية والتاريخية والسياسية .. ودراسة مدى تماثل بنياتها مع بنيات المجتمع. وبمقارنة بداية النص مع نهايته نلاحظ الفرق بين وضعية الشاعر في الجاهلية، حيث كان جهازا إعلاميا وثقافيا، وموقعه في العصر الحديث حيث أصبح المجتمع العربي يعيش إشكالات معقدة، يناقض ظاهرُه باطنَه.
وبملاحظة هذه المشيرات النصية: لسان الجماعة، الأنا الجمعي، البنية السوسيوـ ثقافية، البنية الذهنية العميقة... يتبين أنها مفاهيم تنتمي إلى علم اجتماع الأدب، ونفترض أن القضية المطروحة في النص هي رصد تطور القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. فإلى أي حد وُفِّقَ الناقد في تطويع تلك المفاهيم لقراءة القصيدة الشعرية بها.
تكثيف معاني النص:
ـ البنية السوسيو ـ ثقافية تشكلت صيغتُها النهائية منذ العصر الأموي، فصعُب على محاولة التجديد كسر عمود الشعر، الذي لم تتخلخل بنيته إلا مع الحملة الاستعمارية التي حطمت العمود السياسي القديم بأمجاده وانتكاساته، وتفتت الكيان التاريخي والحضاري إلى فسيفساء سوريالي، فتغيرت بذلك بنية القصيدة الحديثة التي انفتحت بتشكيلها العروضي وهندستها المعمارية المفتوحة على الاحتمالات والمفاجآت، وتغيرت أغراضها، وأصبحت تعيش في عصر ومجتمع إشكاليين، يتناقض ظاهره وباطنه.
الكاتب يعالج إذن، قضية أدبية اجتماعية هي تفسير تاريخ القصيدة العربية وتطورها، وذلك بربط بنيتها الدالة بالبنية الذهنية للمجتمع. إنه يفسر أكثر مما يصف.
التحليـــــــل :
1 ـ المفاهيم والقضايا:
تهيمن على النص ثلاث حقول مفهومية: الحقل التاريخي (الجاهلية، منتصف ق السادس الميلادي، دولة، الدعوة الإسلامية، الدولة الأموية، أوتوقراطي، الإمبريالية، السياسي، عصر إشكالي، المجتمع، بنية رعوية وقبلية...) والحقل الاجتماعي (لسان الجماعة، أصوات الجماعة، الأنا الجمعي، القيم المهجنة، (الفروسية، الرعوية) مدني، الأنا القبلي...) والحقل الأدبي (شعر غنائي وذاتي، إيقاع خطابي، الرسالة الشعرية، الشعر الكلاسيكي، الخيال، الملفوظ الشعري، التكسب، العمود الشعري، القصيدة الحديثة..). وتهيمن مصطلحات الحقلين التاريخي والاجتماعي، والعلاقة بين هذه المصطلحات سببية؛ لأنها تفسر الظاهرة الأدبية (القصيدة العربية) بالعوامل التاريخية والاجتماعية.
2 ـ خطوات تطبيق المنهج الاجتماعي ومعالمه :
تبدو معالم المنهج البنيوي التكويني في الخطوات التي سلكها الكاتب حيث حقب الزمان إلى حقب تاريخية (الجاهلية ـ الإسلامية ـ الأموية والعباسية ـ والحديثة)، ثم حدد البنية الاجتماعية لكل حقبة وبنيتها الذهنية (القبلية ـ الأمة ـ القبلية الرعوية ـ العمود السياسي الراسخ ـ بنية متحللة مع الإمبريالية الاستعمارية)، بعد ذلك حدد البنية الشعرية مضمونا وشكلا (بنية شعرية متماسكة / عمود الشعر ـ بنية فسيفسائية ذات هندسة معمارية مفتوحة على الاحتمالات والمفاجآت متغيرة الوظيفة والبناء).
وقد اعتمد الكاتب في معالجة موضوع سوسيولوجية القصيدة العربية عمليتيْ الفهم والتفسير: ويتجلى الفهم في كشف الكاتب عن التماسك الباطني للقصيدة العربية، وبحثه في داخل هذا التماسك عن بنيته الداخلية الشاملة ذات الدلالة (عمود الشعر)، ثم حاول تفسير تلك البنية والمتعلقة بالذات الفردية أو الجماعية التي تكون تلك البنية الذهنية المنظمة للنتاج الأدبي، بالنسبة إليها، طابعا وظيفيا ذات دلالة. فنظر (بالتفسير) إلى الشعر العربي في مستوى خارجي لربطه ببنية أوسع وأشمل. من تم فبنية الشعر العربي نظير للبنية الذهنية للفئة الاجتماعية التي يعيد الشاعر تركيبها في عمله، وإقامة الموازاة بين الرؤيا التي تحكم بنية الشعر العربي والمجال الثقافي الذي ينتمي إليه الشاعر.
3 ـ الإطار المرجعي :
استند الكاتب في عرضه لإشكالية النص والقضايا المتفرعة عنها إلى عدة مرجعيات منها :
ـ الماركسية : وتنظر إلى الأدب كجزء من البنى الفوقية التي تعكس البنى التحتية، إنه انعكاس آلي لها. إن هناك جدلية بين الوعي والواقع، أي أن المبدع يعبر عن التحولات التي يعرفها المجتمع في إطار الصراع الطبقي، ولذلك فإن لكل إنتاج بنيات تدل على نوع التحولات التي تحدث في واقع يندثر وآخر يتكون.
ـ النظرية الوضعية : وترى أن الواقع سابق عن الوعي، أي أن تجربة المبدع هي التي تنتج أدبه، وأن واقعه مستقل وموضوعي، ويبقى على الناقد، أثناء تناوله للنص أو لظاهرة أدبية معينة، أن يستند إلى تأثرها بالوسط الاجتماعي. فالفرد مجرد وسيط بين النص والجماعة التي ينتمي إليها، يعبر عن صراعاتها وعن تاريخها وقيمها ورؤيتها للعالم.
وقد أثار هذا الموقف إشكالات نقدية تتصل بالعلاقة بين الذات والموضوع، وبين الفرد والجماعة، إلى جانب مبدأ الالتزام الذي يدفع المبدع إلى الانخراط في قضايا المجتمع والالتزام بمبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية ..
ـ علم اجتماع الأدب : الذي يؤكد على ارتباط الأدب بالمجتمع، فهو انعكاس جدلي له من حيث أوضاعه وطموحات أبنائه وقضاياهم . لقد أكد لوسيان كولدمان على أن التماثل بين البنى الاجتماعية والبنى الفكرية يتم على مستوى الهياكل فيما يشبه التناظر بين الهياكل الأدبية والهياكل الاجتماعية.
ـ البنيوية التكوينية: استمدت هذه القراءة مفاهيمها من المعرفة اللسانية بفروعها المختلفة (سوسير، الشكلانيون الروس، حلقة براغ، البنيوية)، والتي تتميز بدراسة اللغة في ذاتها باعتبارها نسقا ونظاما عناصره الأساسية هي: الصوت، المعجم، الصرف، التركيب، والدلالة، وكذا باعتبارها أداة للتواصل؛ واستخراج البنية المنظمة لهذه العلاقات.
ـ علم التاريخ: التاريخ خاضع لقوانين تفسر تطوره وحركيته.
ـ النقد الفني/ الانطباعي / التأثري: ويركز على تناول الجوانب الفنية، والمنهج التأثري الذي يركز على انطباعات الناقد، وعلى التأثير الفني الذي تخلفه القصة على القارئ.
4 ـ طرائق العرض :
وظف الكاتب بعض أساليب التفسير كالتعريف (تعريف القصيدة العربية وتحديد خصائصها ووظيفتها)، والوصف (وصف مكونات القصيدة العربية ومميزاتها، ومظاهر التشكيل المجتمعي العربي بدءا من الجاهلية مرورا بالدولة الأموية والعباسية، وصولا إلى المرحلة الإمبريالية) ، والسرد (سرد مراحل تطور المجتمع العربي وإيقاعاته المتباينة، وتعاقب العصور الأدبية الجاهلية والأموية والعباسية والحديثة، ومظاهر التحولات التي عرفها المجتمع العربي في بنياته المختلفة)، والمقارنة (مقارنة مراحل تطور القصيدة العربية عبر مختلف العصور). والغرض من أساليب التفسير هذه الإقناع بارتباط تطور القصيدة العربية في موضوعها وبنيتها ووظيفتها بأبنية المجتمع العربي من الجاهلية إلى العصر الحديث، إضافة إلى لحم المحمولات المنطقية بعضها ببعض بحيث تبدو متماسكة، ويبدو الموضوع كله حركة واحدة تُقدم عبر مراحل، وطرح الكاتب مقنعا.
واتكأ الكاتب على تصميم زمني يقوم على التدرج في عرض كرونولوجيا القصيدة العربية لإبراز بنيتها وموضوعاتها ووظيفتها. وهو تصميم مجد في خلق التماسك والانسجام في نص يتناول موضوع سوسيولوجية القصيدة العربية بلغة النقدية ذات مقصدية مباشرة يهيمن فيها ضمير الغائب العائد على القصيدة وعناصرها الفنية، والعصور التاريخية.
والنص خطاب متجانس الوحدات، ينبني على علاقات وروابط بين الجمل والفقرات عبر وسائل لغوية وشكلية حقق بها وجوده النصي وبعده التداولي والأسلوبي، وعبر تواتر آليات الاتساق، التي من بين مظاهرها توظيف بنيات جملية متنوعة: مركبة وبسيطة "يبدو الجمهور حاضرا باستمرار في ذاكرة الشاعر". وطويلة وقصيرة، حسب ما يقتضيه مقام الشرح، والربط بين الجمل : "فالقبيلة تتحدث بلسان الشاعر والشاعر يتحدث بلسان القبيلة "، وجمعيا: "لا تعرف الامتثال والانقياد، ولا ترضى بأنصاف الحلول". والربط بالحمول الموصولية: "قيم الفروسية الرعوية المتغطرسة التي لا تعرف الامتثال والانقياد، ولا ترضى بأنصاف الحلول"، والإحالة المقامية: "الكمبيوتر ـ الساعة الرملية"، وهما عنصران من خارج النص، والإحالة النصية: "أيهما يتحدث هنا أنا الشاعر أم أنا القبيلة؟" كعلاقة دلالية، تستوجب تطابق الخصائص الدلالية بين العنصر المحيل، والعنصر المحال عليه.
إن وظيفة الربط والإحالة في النص تتمثل في تحقيقهما الاقتصاد اللغوي، لتجنب التكرار والرتابة، وضمانهما تماسك أجزاء النص. وتنويع الضمائر وأسماء الإشارة أسهمت في تنظم فضاء النص، وساعدت على التعيين ...
هذا على مستوى البنيات الصغرى، أما على مستوى البنيات الكبرى، فاتساق النص يظهر في التعالق الدلالي، إذ ترتبط فقرات النص في ما بينها ترابطا دلاليا واضحا، يتحكَّم في نوع العلاقات القائمة بينها، وفي نوع الروابط الموظفة. ويتم وفق معيار العلاقات المنطقية والتركيبية والدلالية، ومعيار السببية المستدعيين أدوات التعليل والاستنتاج والتفسير والإثبات والنفي... ومعيار التسلسل الموظف للصيغ الدالة على التسلسل الزمني، أو التدرج بين الأفكار، كاستعمال الصيغ الدالة على الابتداء (في المرحلة الأولى؛ في منتصف القرن السادس الميلادي؛ مع نشوء الدولة الأموية...)، والإضافة والمقارنة: (وما دام ... فأصوات؛ فعلى الرغم ... إلا أن؛ وإذا كانت ... فإن القصيدة ...)، والانتهاء: (وهكذا أصيب الشعر ...).
من جهة أخرى يتجلى تماسك النص من خلال ترتيب الوحدات المكونة له حسب نوعية العلاقات القائمة بينها، من ذلك اعتماد طريق التعارض بين موقف الالتحام بين الشاعر والقبيلة في العصر الجاهلي، ودور الإسلام في القضاء على العصبية القبلية، وإبراز بنية ذهنية جديدة، وطريق الشرح والتفسير والتعليل في سيرورة استدلالية تتدرج من الانتقال من المعطيات النصية إلى المعطيات الخارج ـ نصية، واعتماد منطق التدرج التاريخي في عرض مراحل تطور بنية القصيدة العربية وبنية ذهنية المجتمع، وتكرار بعض الألفاظ والمفاهيم الاجتماعية والأدبية الدالة على الخطاب، والتي توثق لحمته ونسيجه (القصيدة ـ المرحلة ـ الأنا الجمعي ـ العمود ـ البنية ...)، وتوظيف الألفاظ والعبارات ذات الصلة بالحقل الدلالي التاريخي : (الجاهلية، منتصف القرن السادس الميلادي، دولة، الدولة الأموية، أوتوقراطي، الإمبريالية، السياسي)؛ والحقل الاجتماعي (لسان الجماعة، أصوات الجماعة، أنا القبيلة، الأنا الجمعي)؛ والحقل الأدبي (شعر غنائي وذاتي، إيقاع خطابي، الرسالة الشعرية، الخيال، الملفوظ الشعري)، والأسلوب الخبري المؤكد " لقد تحطم العمود السياسي القديم..."، وغير المؤكد "تفتت الكيان الحضاري والتاريخي"، وذلك بهدف الإقناع بنوعية القراءة ومصداقيتها.
ويتحقق انسجام النص عبر مجموعة من الآليات الظاهرة والخفية التي تجعل متلقيه قادرا على فهمه وتأويله، وذلك اعتمادا على مجموعة من المبادئ والعمليات المرتبطة بالسياق وخصائصه، فالمرسل هو الكاتب المغربي نجيب العوفي، والمتلقي نقاد القصيدة العربية وقراءها بصفة عامة، شكل القناة ونوعها نص نقدي، وموضوع الرسالة علاقة القصيدة الشعرية العربي بالبنيات الذهنية للمجتمع العربي في مختلف مراحل تطوره التاريخية، والمقصدية معرفة التغييرات الطارئة على القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث.
والسياق العام والخاص الذي ورد فيه النص هو تأثر النقد العربي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية بمناهج النقد المستمدة من مرجعيات معرفية ومنهجية غربية متنوعة، وخاصة المنهج الاجتماعي الذي ظهر في الغرب في أواخر القرن 19 ولا يزال يتطور إلى يومنا هذا، وقد اقتبسه النقاد العرب في بداية القرن 20 ليطبقوه على الأدب العربي، ومنهم المغاربة. أما مبدأ التأويل المحلي فيتيح للكاتب توضيح السياق المدروس، وتقييد الطاقة التأويلية للمتلقي فيحصرها في دراسة القصيدة الشعرية العربية من الجاهلية إلى العصر الحديث، مع التركيز على دراسة التماثل بين بنيتها وبنية المجتمع. ويظهر ذلك في قول الناقد: "كان الشاعر العربي، خاصة في المراحل الأولى..."؛ "لكن القصيدة العربية في اللحظة التاريخية الراهنة..."، هذه العبارات النصية تجعلنا نعتمد على خصائص السياق، ونستحضر معطيات ومعلومات مخصوصة، أي تلك المعلومات الملائمة لهذه الفترة دون غيرها. وبهذا الفعل القرائي تتقيد طاقتنا التأويلية، ويتحقق فهمنا للنص. أما مبدأ التشابه فيتعلق باستحضار نماذج مماثلة في فهم الخطاب وتأويله، وما توصل إليه نجيب العوفي لا يختلف كثيرا عما توصل إليه حسين الواد وأدونيس. ولهذا تجد نفسك مضطرا لاستحضار معارفك حول "التفسير الاجتماعي للقصيدة العربية" خاصة تلك التي تماثل هذا الاتجاه النقدي. إذ يقوم القارئ بتعميم التجارب والمواقف المشابهة في عملية الفهم والتأويل على نصوص ومواقف أخرى. وبخصوص التيمة ففي النص مركز جذب يؤسس منطلقه وتحوم حوله بقية أجزائه. فالقصيدة العربية هي نقطة التمركز الجامعة للنص / الخطاب، والتي يتمحور حولها، فتلك التيمة تتحكم في تأويل الخطاب. ونص العوفي، كخطاب، وإن كان لا يملك في ذاته مقومات انسجامه، فإننا نسند إليه هذه المقومات والعلاقات الخفية التي تنظمه وتولده، وتجعله قابلا للفهم والتأويل. وقد تحققنا من هذا الافتراض لتضمن النص مبادئ وعمليات حققت له انسجامه.
التركيب والتقويم :
قصد الكاتب إلى إثبات أطروحة معينة لقراءة تاريخ الشعر العربي، تتجلى في التأكيد على ارتباط القصيدة العربية بتطور البنيات الاجتماعية والذهنية للمجتمع العربي، بدءا من المجتمع القبلي في الجاهلية، حيث الأنا الجمعي، مرورا بمجتمع الأمة الإسلامية، وصولا إلى المجتمع الحديث الذي تصدعت فيه البنية السوسيو ـ ثقافية التقليدية، وتحطم عمود الشعر، وحل محله البناء الفسيفسائي للقصيدة والمجتمع الإشكالي المتعدد التوجهات. وقد استند الكاتب إلى مقاربات علم التاريخ والفلسفة الماركسية والوضعية والبنيوية التوليدية وعلم اجتماع الأدب الذي يبحث في أشكال التناظر بين البنيات الذهنية للمجتمع وبنية القصيدة في علاقة جدلية تقوم على ثنائية البناء والهدم في المجتمع والنص على السواء.
وقد أضاء الكاتب هذه القضية المطروحة بوسائل الحجاج المنطقي واللغوي، فسلك مسارا استدلاليا يقوم على التدرج، ويتوخى الإقناع بأطروحته، وكذا اللغة الاصطلاحية المستمدة من حقول معرفية عديدة. وبذلك يصح الافتراض الذي انطلقنا منه في مستهل قراءتنا للنص.
للمنهج الاجتماعي إمكانات عديدة، منها ما يتعلق بإنارة البعد الاجتماعي وتشكلات البنيات الذهنية للمجتمع في بنية النص. وله بالمقابل، حدودا لا يستطيع تجاوزها، جعلته محط انتقاد من طرف النقاد، فهو لا يبحث في البعد السيكولوجي، أو يقتصر على الجانب البنيوي المحض للنص، باعتبار هذا الأخير بنية منفتحة على محيطها وسياقاتها الخارجية.