تحليل نص نظري : قضايا الإطار الموسيقي الجديد للقصيدة - د.عز الدين إسماعيل
مكون درس النصوص
تكسير البنية وتجديد الرؤيا
- تكسير البنية
نص نظري: قضايا الإطار الموسيقي الجديد للقصيدة - د.عز الدين إسماعيل
مدخل عام:
تبلور خطاب تكسير البنية وتجديد الرؤيا في سياق تاريخي وسياسي وسوسيوثقافي محدد جاء نتيجة جهود جماعية ملحة في التغيير واندماجا في الصياغة الجديدة لحياة الإنسان الحديث ومستلزمات تطوره. فقد تأثر الشاعر المعاصر بحساسية العصر وذوقه ونبضه، وارتبط بقضاياه ارتباط المتفاعل لا المنفعل، وعبر عن خبرة خاصة مصهورة في إطار إنساني عام. وحاول استكناه الحياة بدل محاكاة الأشياء، فانفتح على الثقافات الإنسانية، واتخذ منها موقفا، ورغب في تملك عصره فكريا ووجدانيا. وانطلق من مساءلة الممكن والاحتجاج على السائد، مما جعل شعره عنيفا وثوريا، وبحثا جوهريا عن كيفية تجاوز خيبة الهزيمة وأثرها السلبي؟ وسعيا إلى البحث عن آفاق إبداعية لا عهد للقصيدة بها. واقترانا بمفهوم جديد للإبداع والتجديد يخالف أنماط الخطابات السابقة التي استنفذت مسوغات وجودها فلسفيا وجماليا. فكان شعره تجسيدا لتجربة متميزة تتكسر في أفقها المعايير الإحيائية والرومانسية.
ومن أهم عوامل نشأة خطاب تكسير البنية وتجديد الرؤيا:
ـ المد القومي وانـهيار المجتمع العربي التقليدي بحكم الغزو الأوربي؛ مما زرع الشك في نفوس المثقفين والمبدعين، وأسقط كل الوثوقيات العربية التقليدية وكسر الثوابت والطابوهات.
ـ الإحساس العام بمرارة الهزيمة (ضياع فلسطين عقب نكبة 1948 والعدوان الثلاثي على مصر 1956 وهزيمة 1967..)، وتحول هذا الإحساس إلى حساسية سياسية واجتماعية وثقافية مشبعة بفكر ثوري قومي اشتراكي.
ـ الاحتكاك بالثقافات الأجنبية والتسلح بمعارف متنوعة من فلسفة وتاريخ وأساطير وعلم نفس وعلم اجتماع وأنتروبولوجيا، واستيعاب الروافد الفكرية الآتية من الشرق كالمذاهب الصوفية والتعاليم المنحدرة من الديانات الهندية والفارسية والحرانية / الصابئة، فضلا عن الاستفادة من الفلسفة الوجودية والفلسفة الاشتراكية والانفتاح على الثقافة الشعبية كسيرة عنترة بن شداد وسيف بن ذي يزن وأبي زيد الهلالي، وكتاب ألف ليلة وليلة، والتعمق في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر العربي القديم.
ـ تراكم المحاولات التجديدية المهيئة للقفزة النوعية للقصيدة الحرة (الحركة الرومانسية بمدارسها المختلفة داخل وخارج الوطن العربي).
ـ عدم قدرة الشكل التقليدي على النهوض بمضمون جديد، لارتباطه بالمعاني التقليدية.
ـ انفتاح بعض المجلات على إبداع الشعراء الشباب، مثل: "شعر" و"الثقافة " المصريتان، و"الآداب" البيروتية.
ـ تطلع الشعراء الشباب إلى قصيدة جديدة تستجيب للواقع الجديد، وتـقدم بدائل وحلولا للقضايا الاجتماعية والثقافية والجمالية.
يجمع الدارسون على أن بدر شاكر السياب رائد حركة الشعر الحر، بقصيدته "هل كان حبا" المؤرخة ب29 نونبر1946، غير أن نازك الملائكة في كتابها قضايا الشعر المعاصر تزعم أن أول قصيدة حرة في الوزن هي قصيدتها "الكوليرا"، التي نشرتها مجلة "العروبة" البيروتية في 27 يناير 1947.
ومهما يكن ففي أواسط الأربعينات كان الشعر الحر يحبو بين أحضان الحس القومي والإنساني العام، وبدأت الدعوة إلى القصيدة المعاصرة ترسي أسسها بمحاولات الخروج عن هيكل الشعر القديم وبنائه، وتحريره من سيطرة الأوزان، واعتماد وحدة التفعيلة بديلا عن العمود الخليلي بوحدة وزنه وقافيته ورويه وكان هذا ما اصطلح عليه بشعر تكسير البنية، الذي سعى إلى تغيير المعالم الشكلية للقصيدة القديمة معتمدة على خلق الانسجام بين الوحدة العضوية وتناسق موسيقى اللفظ وإيقاع التفعيلة، وبين وظيفة الصورة في بناء الموقف والانفعال والتجربة. وهو الحد الأدنى المتفق عليه بين رواد هذا المنعطف الجديد أمثال نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، ويوسف الخال، وأدونيس.
لكن سرعان ما تشكلت ثورة جديدة من رحم حركة تكسير البنية تزعمها أدونيس أواخر الخمسينات من ق 20، وسار على دربه شعراء حاولوا بلورة رؤية جديدة للشعر والأدب، أمثال أحمد عبد المعطي حجازي في مصر، ويوسف الخال وخليل حاوي في سوريا ولبنان، وفدوى طوقان وسلمى الجيوسي في فلسطين، والمجاطي وعبد الله راجع والخمار الكنوني والسرغيني ومحمد بنيس وصلاح بوسريف في المغرب. فكان أن أطلق أدونيس مفهوم قصيدة الرؤيا على هذا الشعر، وهي تنطلق من هدم أسس التراث الشعري المعرفية والفنية والجمالية والإيقاعية وإعادة بنائها. وكان جوهر هذا الشعر هو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية في خضم ما تعيشه الإنسانية المعذبة من أزمات وأحداث سياسية وحروب أثخنت المنطقة العربية، فانخرطت القصيدة في مشروع ثقافي رؤيوي يروم تجريب أشكال أخرى لتجاوز الأزمة والخيبة، فلم يعد الشعر على يد هؤلاء مجرد تحول في الشكل وبناء المواقف، بل أصبح الإنسان نفسه جوهر التجربة عن طريق تشكل الرؤيا في وعي عميق بالواقع، وقدرة على صياغة الرؤيا جماليا، وحدس يتسلل إلى جوهر الأشياء ويتنبأ بالمستقبل، وجرأة على الهدم وإعادة البناء.
إشكالية النص وفرضيات القراءة:
مهدت الرومانسية لتحديث الشعر العربي، وأعقبتها جهود مجموعة من الرواد عمدوا إلى تكسير بنيته، فتطويره مضمونا وشكلا. وهذا التحول الشمولي في جسم القصيدة العربية يطرح قضيتين: تتعلق الأولى بالنقاد الذين صاغوا المفاهيم المؤطرة للحركة، وتستفسر الثانية عن شكل هذا الجنين في إبداعات شعراء تشربوا تلك المفاهيم. وتعد نازك الملائكة من أوائل من خاضوا تجربة الصياغة النقدية والإبداعية لقصيدة التفعيلة (تكسير البنية) رغم مواجهة كثير من الرفض من قبل النقاد. ثم توالت أعمال نقدية، بعد أن صار الجنين رجلا مكتملا، تبرر التغيير الجذري في بنية الشعر العربي وتعرف بالحركة وتكشف أبعادها. ومنها كتابات محمد النويهي وغالي شكري وعز الدين إسماعيل (1929 ـ 2007) الذي بدأ تنظيره للشعر الجديد في مرحلة مبكرة، فأنتج العديد من المؤلفات منها (آفاق معرفية في الإبداع والنقد والأدب والشعر) و(التفسير النفسي للأدب) و(الأسس الجمالية في النقد العربي) و(الشعر في إطار العصر الثوري) وديوانين (دمعة للأسى ـ دمعة للفرح) و(هوامش في القلب). ويعد كتابه (الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية) من الأعمال النقدية التي بلورت رؤية شاملة لشعرنا المعاصر جمعت بين تاريخيته وبين قضاياه وأسسه الشكلية والمضمونية. والنص موضوع تحليلنا مأخوذ من هذا الكتاب. فما القضية التي يطرحها ؟ وما الإطار المرجعي الذي تستند إليه؟
توحي مكونات العنوان "قضايا الإطار الموسيقي الجديد للقصيدة" بكون البنية الإيقاعية للشعر ستتخذ في النص بعدا إشكاليا، وتتفرع إلى عدد من القضايا يتحكم فيها سياق الحداثة الشعرية. ذلك أن أهم ما وجه تجربة الشعر الجديد تكسيرها صورة النظام حسب منطوق مشير نصي يضيء دلالة العنوان ويؤشر على التغييرات الجذرية التي أحدثتها ثورة هذا الشعر على طبيعته ومفهومه بفعل تغيير بنيته وصورة نظامه. لذلك نفترض أن القضية المطروحة في النص تعنى بتطور البنية الإيقاعية داخل القصيدة الحديثة، وتداعيات هذا التطور على البنيات الأخرى الشعورية والنصية.
تكثيف معاني النص
يكشف النص عن جملة من القضايا النقدية هي:
ـ تحديد مراحل تطور موسيقى الشعر العربي الحديث من البيت الشعري إلى الجملة الشعرية مرورا بالسطر الشعري.
ـ تفسير جماليات موسيقى البيت الشعري المتمثلة في نظام تحكمه قواعد صارمة للأوزان والقوافي.
- اعتبار تكسير الشعر الجديد لقواعد هذا النظام عملا غير فوضي، بل خلقا لنظام جديد.
ـ تعليل جماليات موسيقى السطر الشعري بكونها تركيبة موسيقية للكلام تقوم على نظام التفعيلة المترددة الذي هو أساس النظام الصوتي في الشعر العربي القديم والحديث.
ـ التنصيص على احتفاظ موسيقى الجملة الشعرية بالخصائص الموسيقية للسطر وتجاوزه في آن واحد، إذ تمتد أحيانا إلى أكثر من خمسة أسطر.
ـ تفسير الناقد تنوع البنيات الموسيقية في الشعر الجديد سطرا وجملة باختلاف مدى الدفقة الشعورية.
ـ تأكيد الكاتب أن ارتباط السطر والجملة الشعريين بالدفقة الشعورية يحقق تساوقا جماليا بين الشعور وصورة التعبير في مرونة وطواعية.
نستخلص مما سبق أن لتكسير البنية في الشعر العربي المعاصر مظاهر تتمثل في اعتماد نظام السطر الشعري كوحدة موسيقية مكتفية بذاتها، ولكنها تندرج ضمن وحدة عضوية أشمل، وكذلك اعتماد الجملة الشعرية كوحدة موسيقية أوسع تتسع لخمسة أسطر أو أكثر بالشكل الذي يحتوي الدفقة الشعورية، ويضيق به السطر الشعري.
تحليل النص
1 ـ الإشكالية المطروحة:
جماليات الشعر القديم والحديث مثار جدل وخلاف بين النقاد والأدباء، وخاصة منها البنية الإيقاعية نظرا لجوهريتها في التعبير الشعري. فكان السؤال عن أيهما أفضل: الإيقاع القديم أم الجديد؟ وما مبررات تفضيل أحدهما على الآخر؟
لعل ما عمق النقاش في هذه الإشكالية أنها ألزمت النقاد بالتسلح في مناقشاتهم بخلفيات نظرية وأطر مرجعية ومفاهيم وتصورات لتدعيم مواقفهم، والمحصلة أن لكل نظام موسيقي، قديم أو جديد جماليته؛ مما يفرض عدم الاستهانة بأي منها، والبحث في قوانين كل منها، والغوص في عوامل تشكيلها وأشكال تحققها. من هنا تخللت النص إشارات إلى هذا المعطى الإشكالي وتلك المحصلة.
2 ـ المفاهيم والقضايا :
ـ يحفل النص بمصطلحات عروضية قديمة (البيت، الشطران المتوازيان عروضيا، قافية مطردة، الأبيات، التفعيلة، الأوزان والقوافي...) ومصطلحات إيقاعية جديدة (الإطار الموسيقي، موسيقى الشعر، التفعيلة، السطر، الجملة الشعرية، نظام داخلي، بنية موسيقية مكتفية بذاتها...)، وتطرح هذه المصطلحات المتباينة قضية أساسية هي تكسير الشعر العربي الجديد لبنية إيقاع البيت الشعري، وبناء إطار موسيقي جديد. (وليس بناء موسيقى جديدة لها قوانينها النهائية، لأنها بذلك ستعلن موتها بتشكلها في وصفة عروضية جديدة جاهزة. وذلك غير ممكن أصلا). وهذه القضية تتفرع إلى قضايا صغرى منها:
+ الالتزام بقواعد العروض مقابل خرقها، حيث التزمت حركة الشعر الحر بعض القواعد الشكلية الضابطة للأوزان والقوافي وكسرت بالمقابل صورة البيت، ورغم نعت بعض النقاد هذا التكسير بالفوضى فإن الكاتب يرى في الإطار الموسيقي الجديد للقصيدة مقومات نظام آخر، ينبع من داخل القصيدة، وينقل شعور الشاعر وليس تصورا خارجيا مفروضا عليه.
+ خارج النص وداخل النص حيث للقصيدة نظام داخلي تمثله الظواهر المنبثقة عن بنية داخلية تشكل البنية العميقة للنص، أما خارج النص فكل المؤثرات والعوامل المشكلة لمرجعيته الثقافية والاجتماعية والفنية، ومنها يستمد الشاعر تصوره للإيقاع كبنية سطحية تنبثق مما هو جاهز، كالنظام العروضي المستلهم من القصيدة العمودية القديمة.
+ التجديد مقابل التقليد حيث التجديد استلهام روح العصر حين يستنفر الشاعر كل طاقته الانفعالية في شكل دفقات شعورية تنعكس في صورة التعبير في شكل أسطر أو جمل شعرية. أما التقليد فاستنساخ بنيات تعبيرية وقيم جمالية جامدة وثابتة.
+ التساوق بين الشكل والمضمون، إذ كلاهما يستلزم الآخر في خصوصية عناصره، وإذن التجديد في المضمون يقتضي التجديد في الشكل.
ويتضح من خلال هذه القضايا الصغرى أن الكاتب يفسر تطور البنية الإيقاعية بالاستناد إلى التفعيلة كمكون إيقاعي جوهري يتشكل في امتدادات زمنية ومكانية تتنوع بين السطر والجملة الشعرية بحسب الدفقة الشعورية ومقتضيات التعبير.
3 ـ الإطار المرجعي :
ـ قضية التجديد في موسيقى الشعر أثارت جدلا بين المهتمين منذ بداية القرن العشرين، ويمكن رد إطارها المرجعي إلى:
ـ إطار تاريخي، حيث تناول الكاتب القضية المطروحة من زاوية تاريخية (تطور البنية الموسيقية للقصيدة بعد الحرب العالمية الثانية) لرصد مراحل تطور موسيقى الشعر الجديد ومظاهرها.
ـ إطار ثقافي غربي، حيث استند التجديد إلى جماليات القصيدة الغربية التي اتخذها الشعراء العرب نموذجا بذريعة ثقافية محكومة بالتبعية لما اعتبروه متقدما ومتجددا.
ـ علم النفس حيث استدعى الكاتب في تفسير التجديد في موسيقى الشعر العامل النفسي بحديثه عن الدفقة الشعورية وطبيعة الشعور الذي تتحرك به النفس، وعلاقته بصورة التعبير، الذي هو ملك للشعور وتابع له.
إن هذه المرجعيات تتضافر في النص لتشكل موقفا نقديا يحكم نظر الكاتب إلى أحد أهم مقومات الشعر العربي قديمه وحديثه وأكثرها إثارة للجدل بسب أبعادها المعقدة. وركز على العامل النفسي مجسدا في ضرورات التعبير المرتهن إلى كتلة الدفقة الشعورية لتفسير تطور النظام الموسيقي للشعر الجديد، من التفعيلة والسطر كأساس لهذا النظام إلى الجملة الشعرية.
4 ـ طرائق العرض:
أسلوب النص علمي يتمثل في طابعه التفسيري والتحليلي والنقدي؛ فهو يتناول قضية تطور موسيقى الشعر العربي وتجلياته، ويعالج عوامله النفسية ومظاهره الجمالية. والتفسير من أبرز وسائل الاستدلال في النص، ويقوم على طرائق عديدة منها: التعريف (تعريف البيت الشعري ـ السطر الشعري ـ الجملة الشعرية.. )، والوصف (وصف مظاهر النظام الموسيقي للشعر العربي وخصائصه)، والسرد (سرد مراحل تطور البنية الإيقاعية)، والتوارد (مقارنة تجليات الظاهرة الإيقاعية في البيت والسطر والجملة الشعرية). وغاية الكاتب من أساليب التفسير هذه إقناعنا بموقفه النقدي وإضفاء طابع العمق العلمي على دراسته للظاهرة. وقد اعتمد الكاتب في معالجة قضية النص طريقة استنباطية تقوم على بناء المقدمات وتقديم الأدلة واستخلاص النتائج، فبدأ بمقدمة نظرية عامة عن مظاهر البنية الإيقاعية في الشعر العربي القديم والحديث يؤكد فيها على النظام كسمة جوهرية، ثم تتبع تفاصيلها فرصد تطورها وعوامله وطبيعة تشكلها مقارنا بين تجلياتها المختلفة، لينتهى إلى أن معالم التشكيل الموسيقي الجديد محكوم بمدى الدفقة الشعورية التي ضاق بها السطر واتسعت لها الجملة الشعرية الأرحب مسافة. ولا شك أن الوظيفة البنيوية لهذه الطريقة تكمن في ملاءمتها لطبيعة الموضوع كظاهرة جمالية متطورة تؤول تجلياتها إلى عوامل مجردة تتعلق بطبيعة المضمون والشكل والعلاقة الجدلية بينهما.
تركيب وتقويم
سعى الكاتب من خلال هذا النص إلى إيصال رسالة أساسية هي أن النظام الموسيقي للقصيدة العربية غير ثابت ولا جامد، بل هو قيمة جمالية وموسيقية متطورة بتطور العوامل النفسية المتحكمة في تجربة الشاعر وتجلياتها التعبيرية.. من هنا كان أساس الإيقاع في الشعر الحديث قائما على تفعيلة يتغير مداها الزمني وتوالي عددها فتتجلى نصيا سطرا أو جملة شعرية. ويبدو أن أثر الجانب النفسي طاغ في مرجعية الناقد، إذ ينطلق من أهمية العامل النفسي / الشعوري، وعلاقته الاقتضائية بالتعبير في تشكيل الصورة الموسيقية للقصيدة الشعرية الحديثة.
ويتقاطع الموقف النقدي في النص مع موقف محمد النويهي في معالجة نفس الموضوع (موسيقي الشعر) بمنطلقات متقاربة، ولكنهما يختلفان في اعتداد عز الدين إسماعيل بجوهرية التفعيلة في أي نظام موسيقي سواء أكان البيت التقليدي أو السطر أو الجملة الشعرية. أما النويهي فيذهب إلى أن انطلاق الشعر الحديث يقوم على تنويع الإيقاع بحسب المضمون الفكري والعاطفي. لتتأكد فرضيتنا التي انطلقنا منها والتي تربط تكسير البنية الإيقاعية القديمة داخل قصيدة التفعيلة بمستلزمات شعورية وتعبيرية.