منهجية النص : إشكال قيمة الشخص

 
منهجية النص : إشكال قيمة الشخص

منهجية النص : إشكال قيمة الشخص

إشكال قيمة الشخص

النص:


"إن الشخص الذي يفكر في الانتحار سيسأل نفسه إن كان من الممكن أن يتفق مسلكه مع فكرة الإنسانية بوصفها هدفا في ذاته. فإذا لجأ إلى تحطيم نفسه ليهرب من حالة مؤلمة، فإنه يستخدم بذلك شخصا كمجرد وسيلة تهدف إلى المحافظة على حالة محتملة إلى نهاية الحياة. ولكن الإنسان ليس شيئا، وبالتالي ليس موضوعا يمكن ببساطة أن يعامل معاملة الوسيلة، بل ينبغي النظر إليه في كل أفعاله بوصفه دائما هدفا في حد ذاته. ومن ثم فلست أملك حق التصرف في الإنسان الكامن في شخصي، سواء كان ذلك بتشويهه، أو إفساده، أو قتله...

إن الذي ينوي أن يعطي وعدا كاذبا للغير سيدرك على الفور أنه يريد أن يستخدم إنسانا آخرا كوسيلة فحسب، بغير أن يحتوي هذا الإنسان الأخير في نفس الوقت على الغاية في ذاته".


تحرير الموضوع:


مقدمة:


يشكل مفهوم الشخص داخل مجزوءة الوضع البشري بؤرة التفكير فيما يميز الإنسان، وفي ما يعطيه في هذا الوجود وضعا متميزا عن سائر الموجودات الأخرى. فالإنسان هو الكائن الفاعل والواعي والحر، وإنه بذلك شخص ومصدر لكل القيم العليا، وهي القيم التي ينبغي اعتبارها الموجهه لكيفية التعامل مع الذات ومع الغير. وفي هذا السياق النظري، يسعى النص، انطلاقا من إشكال قيمة الشخص، إلى الدفاع عن قيمة الشخص بوصفه غاية في ذاته، مبررا الرهانات الكبرى التي يطرحها التفكير في هذا الإشكال من الوجهة الأخلاقية.

تحليل:


يدل مفهوم الشخص على الكائن المفكر والعاقل، الذي يملك القدرة على التأمل والتعقل، كما يملك الحرية على الفعل داخل عالم الضرورات والحتمية، وهو لهذه الاعتبارات يستحق كل الاحترام والتقدير. فما قيمة الشخص؟ وهل هي قيمة قابلة للتغيير بحكم الظروف أم إنها قيمة مطلقة غير مشروطة بأية شروط؟ يقدم النص بصدد هذه الأسئلة المرتبطة بإشكال قيمة الشخص، أطروحة واضحة، وهي أن الشخص غاية في ذاته ولا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال وسيلة لتحقيق غايات أخرى.

إن هذه الأطروحة التي تشكل قاعدة إلزامية في تعامل الشخص، سواء مع ذاته (رفض فكرة الانتحار) أو مع غيره (رفض تقديم الوعد الكاذب)، تقوم على مفهومين أساسيين هما: الغاية والوسيلة. وبين المفهومين تضاد وتباعد، فإما أن نعامل الشخص المتجسد في ذواتنا أو في الغير بوصفه غاية موضوعية وضرورية ومطلقة، أي النقطة النهائية التي تصورها الفاعل وتوقف عندها الفعل، وآنذاك نحفظ للشخص قيمته وكرامته؛ وإما أن نعتبر الشخص وسيلة عبرها نحقق مآرب ومنافع ذاتية، وحينها لن يعدو أن يكون الشخص الكامن فينا أو في غيرنا مجرد شيء لا قيمة له ما دمنا سنتخلص منه بمجرد بلوغ الهدف الذي نسعى من أجله، وهو ما يعني تحطيما لكل القيم الإيجابية التي يجب أن تحكم علاقتنا مع ذواتنا ومع الأغيار. لقد قدم النص مثالين واضحين حاول من خلالهما توضيح كيف نتناقض مع فكرة الإنسانية الكامنة فينا وننفي قيمة الشخص عندما يقبل البعض على الانتحار محطما إنسانيته للهروب من الآلام، كما أن الشخص الذي يقدم لغيره وعدا كاذبا بهدف الحصول على مال أو غيره إنما يجعل غيره مجرد وسيلة وشيئا كباقي الأشياء الأخرى، والحال أن الشخص ليس شيئا وإنما غاية الغايات. وإذا كان المثالان هنا من أجل التوضيح والإقناع فقد اعتمد النص على استدلال منطقي لتأكيد وتدعيم أطروحته، وهو الاستدلال بالخلف: فالتعامل مع الشخص بوصفه وسيلة ينتج عنه اعتبار شيئا يباع ويشترى ويقوم بسعر، ولتفادي هذه النتيجة ينبغي أن نعامل الشخص بوصفه غاية في ذاته.

مناقشة:


تكمن قيمة أطروحة النص في كونها جعلت الشخص قيمة القيم وغاية في ذاته، وبالتالي سعت إلى محاربة كل ما يمكن أن يحول الشخص إلى مجرد شيء وسلعة. كما أن قيمة الأطروحة تتجلى في كونها حرصت على جعل قاعدة الشخص قيمة وغاية في ذاته، قاعدة ملزمة لتعامل الشخص مع ذاته ومع الغير، وهي بذلك تؤسس لعلاقة أخلاقية مع الغير بوصفه هو الآخر حاملا لكل القيم، واحترامنا له ينبغي أن يكون مطلقا غير مشروط اللون أو العرق أو اللغة أو الدين... وأن نجعل من الوجود مع الغير وجودا من أجل تحقيق القيم العليا الكونية حيث التسامح والاحترام. لذا نجد كثيرا من الفلاسفة دافعوا عن فكرة احترام الشخص وضرورة خلق فضاء مشترك للتعاون، إما داخل غيرية كفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الناس انطلاقا من انتمائهم جميعا للإنسانية التي عليه الدفاع عنها والعمل على رد بعض ما أخذه من فضائل الإنسانية، ولن يتحقق ذلك حسب "كونت" إلا بالحياة من أجل الغير. وإما برفض العزلة والانفتاح على الغير. فلا تكمن قيمة الشخص فيما يمتلكه، وإنما في قدرته على العطاء.

تركيب:


إن الشخص بوصفه كائنا واعيا وعاقلا، يشكل مصدر القيم الأخلاقية وغاياتها، وهو بذلك يستحق أن نعامله، في ذواتنا وفي الأغيار، بوصفه غاية في ذاته، إن هذا التصور الفلسفي الأخلاقي للشخص، عندما يؤكد على قيمة الشخص، فإنه يراهن على أهمية ما يوجد داخل فكرة الإنسانية، بدل البحث عما يخلق الشتات والتمييز باعتماد اللون، والعرق، واللغة... وهي العوامل التي يمكن للبعض أن يجعلها مطية للتطهير العرقي، والتعصب، والكراهية و العنصرية.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-